تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1774

التاريخ : 2018-01-25 11:06:47

طباعة الصفحة   

والقسم الثاني: ما كان في الأقوال؛ يقول فيه المؤلف - رحمه الله -:"ومن الشرك بالله - تعالى - المباين لقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] الشرك به في اللفظ؛ كالحلف بغيره، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك» صحَّحه الحاكم وابن حبَّان.

قال ابن حبَّان: أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا عبد الله بن عمر الجعفي، حدثنا عبد الرَّحيم بن سليمان، عن الحسن بن عبيد الله النخعي، عن سعيد بن عبيدة قال: كنت عند ابن عمر، فحلف رجل بالكعبة، فقال ابن عمر: ويحك، لا تفعل، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من حلف بغير الله فقد أشرك».

ومن الإشراك قول القائل لأحد من الناس: ما شاء الله وشئت، كما ثبت عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال له رجل: ما شاء الله وشئت. فقال: «أجعلتني لله ندًّا؟، قل ما شاء الله وحده»".

هذا هو القسم الثاني من أقسام الشرك بالله - عزَّ وجلَّ - وهو الشرك في الألفاظ، وينبغي للمؤمن أن يصون لفظه عن أن يكون فيه شيء من الشرك، ومن أبرز ما يكون الشرك في الألفاظ الحلف بغير الله - عزَّ وجلَّ -؛ ولذلك ذكره المؤلف - رحمه الله -، فقال: "ومن الشرك بالله - تعالى - المباين لقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة:5]"؛ أي: المخالف، المفارق لوجوب إفراد الله - تعالى - بالعبادة "الشرك به في اللفظ"؛ أي: الشرك الواقع في القول، فاللفظ هو القول الصادر عن الإنسان.

    

قال - رحمه الله -: "كالحلف بغيره"؛ أي: الحلف بغير الله - تعالى -،  وذكر في الحلف بغيره حديثًا يبيِّن تحريم ذلك، وقد ساقه بإسناده - رحمه الله -، والحلف بغير الله له صور عديدة، منها: الحلف بالمخلوقين من ذوي الجاه والمنزلة؛ كالحلف بالملائكة، والحلف بالنبيين، والحلف بالصالحين، والحلف أيضًا بما عظمه الله - عزَّ وجلَّ - كالحلف بالكعبة، ونحو ذلك، وأحيانًا يحلف الإنسان بمعظَّم عنده كحلفه بأبيه، حلفه بالشرف، حلفه بحياة من يحب، وما أشبه ذلك؛ وكلُّ هذا من الحلف بغير الله.

الحلف بغير الله هو حلف بالمخلوقين، إمَّا بذواتهم، أو بصفاتهم، أو بشيء يتصل بهم؛ فإنَّ ذلك كله مما يدخل فيما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» أخرجه البخاري (2679)، ومسلم (1646) .

وقد ساق المصنف - رحمه الله - حديثًا هنا في بيان حكم الحلف بغير الله - عزَّ وجلَّ -، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» أخرجه الإمام أحمد في المسند (6072)، وأبو داود في السنن (3251)، والترمذي في السنن (1535)، وحسنه، وصححه ابن حبان (4358)، والحاكم (7814) وهو حديث ساقه المؤلف بإسناده، وذكر تصحيح الحاكم وابن حبان له في قصة رجل كان عند ابن عمر - رضي الله تعالى عنه -، فحلف بالكعبة؛ أي: قال: والكعبة، والكعبة معظمة، فهي البيت الذي يستقبله أهل الإسلام أحياءً وأمواتًا، وقد عظَّم الله - تعالى – شأنها؛ قال الله - تعالى -: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾[المائدة:97]؛ فبها تقوم مصالحهم؛ مصالح دينهم، ومصالح دنياهم، لكن مع هذا التعظيم، وهذه المنزلة العليا لهذه البقعة الشريفة المباركة إلَّا إنَّه لا يجوز أن يحلف بها أحد.

قال ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - للرجل الذي حلف بالكعبة، قال: "ويحك"؛ وهذه كلمة ترحُّم، وترفق، وتنبيه؛ لا تفعل؛ أي: لا تفعل هذا الذي قلته من الحلف بالكعبة، فإنِّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ»؛ أي: فقد سوَّى بالله غيره، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك نهيًا مؤكدًا، فقال: «أَلَا إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» أخرجه البخاري (6646)، ومسلم (1646) ؛ وذلك أن الحلف بغير الله - عزَّ وجلَّ - لا يكون إلَّا بمعظم، والله عزَّ وجلَّ - جعل تعظيمه في اليمين له وحده لا شريك له، فمن حلف بمعظم، فإنَّه قد سوى غير الله بالله فيما لا يجوز ولا يصحُّ من الأقوال؛ فكان بذلك واقعًا في الشرك؛ لأنَّه سوى غير الله – تعالى - بالله، وينبغي أن لا يستهين الإنسان بهذا.

 

    

بعض الناس يقول: ما هي المشكلة إذا قلت: والنبي، أو إذا قلت: والشرف، أو إذا قلت: ورأس أبي، أو إذا قلت: وحياتك، أو ما أشبه ذلك؟

الشرك يجب على المؤمن أن يخافه، وأن يبعد نفسه عنه، فقد خافه إمام الأتقياء؛ النبي صلى الله عليه وسلم - على أمته: «أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ» أخرجه الإمام أحمد في المسند (23630)، وقال العراقي في تخريج الإحياء (1203): رجاله ثقات. وقال الهيثمي في المجمع (375): رجاله رجال الصحيح وخافه إبراهيم على نفسه وولده، فقال: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾[إبراهيم:35].

فجدير بالمؤمن أن يخاف الشرك على نفسه في قوله، أو عمله، سره، أو إعلانه، وقلبه؛ فإنَّ ذلك كله مما يجب أن يطهر من الشرك، ولا يستهين الإنسان بشيء من الشرك حتى لو جرى لسانه على قول، ويمين بغير الله عزَّ وجلَّ -؛ ينبغي أن يقوِّم ذلك، فإذا وقع في الحلف بغير الله، فليقل: لا إله إلَّا الله؛ فإنَّها تنقض ما كان من قصور في حقِّ الله عزَّ وجلَّ -، وليستغفر وليتب، وليحفظ يمينه، فلا يحلف إلَّا بالله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» تقدم تخريجه .

    

ثمَّ قال رحمه الله - في بيان أوجه الشرك في الألفاظ: "أن يقول: ما شاء الله وشئت"؛ فإنَّ ذلك من الشرك الذي نهى الله تعالى - عنه؛ لأنَّه سوَّى غير الله بالله لفظًا لما قال: "ما شاء الله وشئت" الواو تقتضي المساواة؛ فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم-  لرجل قال له: ما شاء الله وشئت: «أجعلتني لله ندًّا؟»؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم - نهى الرجل الذي قال له: "ما شاء الله وشئت" عن هذه الكلمة، وعدَّ ذلك من التسوية، من تسوية غير الله بالله، فقال صلى الله عليه وسلم -: «أجعلتني لله ندًّا؟ قل: ما شاء الله وحده» وهذا أعلى ما يكون من المقامات؛ أن يفرد الله تعالى - بالمشيئة كما قال تعالى -: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾[الإنسان:30]؛ فإن شاء الإنسان أن يذكر مع الله غيره في المشيئة، فليقل: ما شاء الله، ثمَّ شئت، وثمَّ؛ تفيد الترتيب، ونزول الرتبة، فلا يسوى الله تعالى - بغيره لا في عقد في القلب، ولا في قول باللسان.

فينبغي للمؤمن أن يتأدب مع الله عزَّ وجلَّ -، فلا يسوي به غيره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم- لمن قال: ما شاء الله وشئت، قال: «أجعلتني لله عدلًا؟»، وفي رواية: «أجعلتني لله ندًّا؟»، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وأمره أن يقول: «قل: ما شاء الله وحده» أخرجه بنحوه الإمام أحمد في المسند (2561)، والبخاري في الأدب المفرد (783)، وحسن إسناده العراقي في تخريج الإحياء (1056) هذا مع أنَّ الله سبحانه قد أثبت للعبد مشيئة، ولكن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب، فلا تستوي مشيئة العبد مع مشيئة الرب، بل قد قال الله تعالى -: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾[الإنسان:30].

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق