تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1658

التاريخ : 2018-03-12 09:53:30


ولهذا كان أفضل ما يُسْأَل الرب تعالى الإعانة على مرضاته، وهو الذي علَّمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل فقال: «يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي أُحِبُّكَ، فلَا تَدَعَ أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» أخرجه بنحوه الإمام أحمد في المسند (22126)، وأبو داود في السنن (1522)، والنسائي في الصغرى (1303)، وصححه ابن خزيمة (751)، وابن حبان (2020)، والحاكم (1010) ، فأنفع الدعاء طلب العون على مرضاته تعالى".

فتأخذ الأسباب ولست مُلْتَفِتًا إليها، بل قلبك معلَّقٌ بمسبِّبها، بخالق الأسباب، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس:82]، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وبهذا يَكْمُل في قلب العبد طلب العون من الله - عزَّ وجلَّ - في كل دقيق وجليل، ويتبرأ من حوله وقوته؛ إذ لا حول ولا قوة إلا بالله.

  

ونحن نردد هذا المعنى، ويغيب عنا في كثيرٍ من الأحيان معنى هذه الكلمة المباركة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، هذه الكلمة المباركة "لا حول ولا قوة إلا بالله" معناها: أنه لا تحوُّل من حال إلى حال، سواءً كانت حالًا نفسية، أو حالًا قلبية، أو حالًا عملية، إلا بالله - عزَّ وجلَّ -، فلا ينتقل الإنسان من حزنٍ إلى سرور، ولا من ضيقٍ إلى سعة، ولا من غمٍّ إلى فرج، ولا من همٍّ إلى تنفيس كرب، إلا بالله - عزَّ وجلَّ -، كما أنه لا يحصل في الواقع تحول من حال إلى حال إلا بالله - عزَّ وجلَّ -، فـ"لا حول" أي: لا تحول من حال إلى حال "إلا بالله"، ولا قوة على هذا التحول إلا بالله الذي يعطيك القوة لتتحول من حال إلى حال.

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة:5]، هذه حال أولئك الذين كمَّلوا هذه المنزلة وهذه المرتبة العالية.

وقد جعل الله تعالى الاستعانة بعد العبادة فقال:  ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5]، فنعبده وحده لا شريك له، وبهذا نحقق ما طلبه منَّا، فحقه علينا أن نعبده وحده لا شريك له، وحقنا عليه بفضله ورحمته وعظيم إحسانه وبره أن يبلِّغنا ما نُؤمِّل من خير الدنيا والآخرة، «فَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» أخرجه البخاري (2856)، ومسلم (30) بهذا يجتمع المعنى، وأن هاتين الجملتين في هذه الآية المختصرة التي يقرأها كل مؤمن هي مفتاح السعادة، هي المفتاح لتحقيق النجاة، هي بيان لحق الله وحق العبد، حق الله العبادة، وحق العبد أن يُعينه الله تعالى فيبَلِّغه ما يكون من الفوز والنجاة بدخول الجنة، نسأل الله أن نكون من أهلها.

  

واعلم أيها المبارك، أيها الراشد، أيها الراغب في نجاة نفسه، أن أعظم ما يُسْتَعان الله - جلَّ وعلا -، فيه؛ طلب عونه على طاعته، فأعظم ما ترغب فيه إلى الله - عزَّ وجلَّ - أن يعينك على تحقيق العبودية له، على تحقيق العبادة له - سبحانه وبحمده -؛ ولهذا كان أعظم سؤال شرعه الله تعالى لعباده ما جعله في سورة ]الفاتحة[ وهو سؤال الهداية، فإنه بعد أن ذكر الله - جلَّ وعلا -: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة:5]، ذكر أعظم مسائل الخلق، وأخطر ما يطلبه الناس، الذي به يسعدون في دنياهم، وبه يفوزون في أخراهم، وهو الهداية، ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة:6-7].

هذه هي مفتاح الهِدَايَات، هذه مفتاح السعادة، هذه التي يبلغ بها الإنسان فوز الدنيا وفوز الآخرة، فإنه من هُدِيَ إلى الصراط المستقيم كان من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا؛ ولذلك أعظم ما يُطْلَبُ عون الله تعالى عليه هو أن يُعِينك وأن ييسر لك عبادته - جلَّ وعلا -.

يقول المؤلف - رحمه الله -: "فعبادة الله غايةُ مرادهم"، عبادة الله غاية مراد هذا القسم الذين كمَّلوا العبودية لله وكمَّلوا الاستعانة به، فغاية مطلوبهم أن يُعينهم على طاعته - جلَّ وعلا -، وهذا أشرف ما يعُان عليه العبد؛ ولهذا قال: "ولهذا كان أفضل ما يُسْأَل الرب تعالى الإعانة على مرضاته"؛ فإن أفضل ما تسأله الله - عزَّ وجلَّ - أن يعينك على مرضاته، "وهو الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لمُعاذ بن جبل فقال: «يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي أُحِبُّكَ، فلَا تَدَعَ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ دُبُرِ صَلَاةٍ: اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»".

هذه أشرف المسائل، وأعلاها، وأكرمها؛ ولهذا كانت في سورة ]الفاتحة[ فرضًا على كل مؤمن أن يقرأها وأن يُؤمِّن عليها، وهي قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة:6-7]؛ فهذه أعظم المسائل، وهي أعظم ما يُعَان عليه العبد، فمن وُفِّق إلى هذا وُفِّق إلى خيرٍ عظيم.

  

واعلم - بارك الله فيك - أن الناس في طلب العون من الله على درجات، أعلى درجات هؤلاء الذين يطلبون عون الله على طاعته، ثُمَّ الذين يطلبون عون الله على مصالح دنياهم وما فيه خير معاشهم، ثُمَّ دون هذا قومٌ يطلبون عون الله - عزَّ وجلَّ - على معاصيه، وهؤلاء استعانوا بالله، وقد يُيَسِّر الله تعالى لهم ما طلبوه من العون، لكنهم آثمون باستعانتهم، وآثمون بنتيجة العون من تيسير الله لهم ما طلبوه من المعاصي والسيئات، فإنه ما من شيءٍ إلا بأمر الله - جلَّ في علاه -، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، هذه مراتب الناس في الجملة فيما يتعلق بطلب العون:

·       منهم من يطلب عون الله على طاعته، وهؤلاء هم أفضل الناس وأعلاهم منزلة.

·       ومنهم من يطلب عون الله على مصالح معاشه وخير دنياه، وهذا متعبِدٌ لله بطلب العون منه، ولكنه ليس مأجورًا على ما يُحَصِّلُه إلا إذا استعمله في طاعة الله - عزَّ وجلَّ -، مأجور على طلب العون، لكن ما يُحَصِّله ليس مما يؤجر عليه إلا إذا احتسبه عند الله - عزَّ وجلَّ -.

·        أما من طلب العون على المعصية، فهذا آثمٌ في طلب العون، وآثمٌ في نتيجة ذلك من حصول الإعانة على المُحَرَّم.

هذا ما يتعلق بأقسام الناس فيما يتصل بالاستعانة.

وكمال الحال هو: الجمع بين طلب عون الله - عزَّ وجلَّ - على عبادته وتحقيق العبادة له - جلَّ وعلا - بامتثال أمره، وترك ما نهى عنه، بطيب القلب، والقول، وصلاح العمل.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق