تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1281

التاريخ : 2018-03-12 10:01:18


"والناس في هذين الأصلين أربعة أقسام:

أهل الإخلاص والمتابعة، فأعمالهم كلها لله وأقوالهم، مَنْعُهم وعطاؤهم، وحبهم وبُغْضُهُم، كل ذلك لله تعالى، لا يُريدون من العباد جزاءً ولا شكورًا، عدُّوا الناس كأصحاب القبور، لا يملكون ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، فإنه لا يُعامِل أحدًا من الخلق إلا لجهله بالله وجهله بالخلق".

هذا هو القسم الأول - أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم - الذين حققوا الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

المؤلف - رحمه الله - ذكر كلامًا نفيسًا يبيِّن كيف نحقق الإخلاص لله وكيف نتابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

  

قال - رحمه الله -: "فأعمالهم كلها لله" هذا من جهة الإخلاص، كل أعمالهم لله، لا يبتغون من غيره - جلَّ وعلا - جزاءً ولا شكورًا، أعمالهم يقصدون بها الله لا سواه -سبحانه وبحمده -.

"وأقوالهم، ومنعهم، وعطاؤهم، حبهم، وبغضهم"، كل ذلك لله تعالى، كيف يتحقق هذا؟

قال: "لا يريدون من العباد جزاءً ولا شكورًا"، كما قال الله تعالى في وصف أهل الإنفاق: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾[الإنسان:9]، أي: قصد الله، وإرادة ما عنده، وابتغاء ثوابه، ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً﴾[الإنسان:9]، أي: مكافأة، ومقابلة، ﴿وَلا شُكُورًا﴾[الإنسان:9]، أي: ولا شكرًا ولو باللسان، فلا يرجون ولا ينتظرون من الناس شيئًا لا عمليًّا ولا قوليًّا، ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾[الإنسان:9].

وكُنْ على هذا الميزان في كل أعمالك، وستجد من الانشراح، والسعادة، والبهجة، أضعاف من يُعطي وينتظر المكافأة، من يُعطي وينتظر المقابل، فإنه لن يدرك شيئًا؛ لذلك يقول المؤلف - رحمه الله - هنا؛ حتى كيف نحقق هذه المرتبة؟ كيف نبلغ هذه المنزلة؟

 

  

أن نبتغي وجه الله لا نريد من الناس جزاءً ولا شكورًا، قال: "عدُّوا الناس كأصحاب القبور" يعني: مَن تُعَامِلُهم اعتبرْهم كأصحاب القبور، كالموتى، الآن أنت إذا تصدقت عن ميت، إذا دعوت لميت، إذا أحسنت لميت بقضاء دينه، هل ترجو من الميت جزاءً؟

هل ترجو مقابلًا من الميت؟

لا ترجو منه شيئًا، إنما ترجو العُقْبى مِمَن؟ مِن الله.

كذلك في معاملتك للأحياء عاملْهم كما تعامل الأموات، فيما تنتظر منهم، فيما هو رَجْعُ عملك، ونتاج إحسانك وسعيك، لا تنتظر منهم شيئًا.

يقول - رحمه الله -: "فإن الخلق"، لماذا نعدهم كالأموات وهم أحياء؟ قال - رحمه الله -: "فإنهم لا يملكون ضرًّا، ولا نفعًا، ولا موتًا، ولا حياةً، ولا نشورًا".

وكل من خرج عن هذه القاعدة في معاملة الخلق كان خروجه: إما لجهله بالله، وإما لجهله بالخلق؛ ولذلك قال: "فإنه لا يُعامِل أحدًا من الخلق" أي: لا يقصد أحدًا ويرجو منه عطاء ونتيجة؛ "إلا لجهله بالله وجهله بالخلق" إما أن يجتمعا، وإما أن ينفردا، فإنه من كَمُل علمه بالله، وكمل علمه بالخلق، لا يمكن أن ينتظر منهم شيئًا، ولا أن يَرْقُبَ منهم عطاءً، وهذا ما ذكره ابن تيمية - رحمه الله - في جملة مختصرة في بيان كيف يحقق الإنسان كمال الراحة والطمأنينة في معاملة الخلق، قال: "معيار السعادة في معاملة الخلق أن تُعَامِل الله فيهم"، تعطيهم؛ ترجو من الله الجزاء، تصبر على أذاهم؛ ترجو من الله العاقبة، تتجاوز عن أخطائهم؛ ترجو من الله الثواب، تحسن إليهم بالتبسُّم، أو بالمال، أو بالجاه، أو بالبدن، لا تنتظر منهم شيئًا، ترجو من الله العاقبة، هذا معيار السعادة، لماذا؟

لأنك تخرج عن ضائقة الانتظار؛ فإن الإنسان كنود كما قال الله تعالى في وصف الإنسان: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾[العاديات:6].

مَن أعظمُ مُحْسِن يُحْسِن على الإنسان؟ الله الذي خلقه، الله الذي رزقه، الله الذي أعطاه، الله الذي منَّ عليه بسائر أنواع النِّعَم، ما حال الإنسان في شُكْر ربه؟ ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ﴾[سبأ:13] ماذا؟ ﴿الشَّكُورُ﴾[سبأ:13]، إذا كان هذا حال الناس مع الله أعظم المحسنين - جلَّ في علاه -؛ فكيف بحالهم مع بعضهم؟!

هم أشد كنودًا، وأعظم جحودًا، وأقل وفاءً، وبالتالي لا تنتظر من الناس شيئًا في كل ما تفعله، سواءً كان في معاملة الخالق مِن صلاة، مِن زكاة، مِن حج، مِن عبادة، مِن تلاوة قرآن، مِن بذل نفسٍ، مِن نفع خلق، لا تنتظر منهم شيئًا، أو كان ذلك مما يتعلق بالإحسان إليهم، سواءً كان إحسانًا بالمال، أو إحسانًا بأي وجه من الأوجه، ولا فَرْق في ذلك بين قريب وبعيد، فأنت تتكلم عن الخلق القريب منهم والبعيد، لا تنتظر منهم شيئًا، بل انتظر العُقبى والأجر والثواب من الله.

  

وإذا انفتح لك هذا الباب سعدت سعادة لا كدر فيها، بخلاف ذلك الذي يعمل وينتظر المقابل، يطول انتظاره، وَتَكلُّ نفسه، ويضعف بذله؛ لأنه لا يجد مقابلًا لما يقدِّمه، وبالتالي تجده دائم الحسرة دائم الأسف؛ على أنه أحسن ولم يلق من إحسانه جزاءً ولا شكورًا.

هذا هو القسم الأول: وهم الذي كمَّلوا العبادة لله وقطعوا النظر عن غيره، بحيث أخلصوا لله وتابعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن هذا هو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم -، هذا هو عمله - صلى الله عليه وسلم -، هذه هي طريقته -صلى الله عليه وسلم - في معاملة الخلق، فكان يصبر على أذى المؤذين، ويبذل الخير لكل أحد، وكان يعمل - صلى الله عليه وسلم - لا يرجو من الناس جزاءً ولا شكورًا.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق