تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1476

التاريخ : 2018-03-12 15:25:10


أما القسم الآخر، قال:

"والآخرون يوجبونها حفظًا للوارد وخوفًا من تدرج النفس بمفارقتها إلى حالتها الأولى من البهيمية، فهذه نهاية أقدامهم في حكمة العبادة وما شُرِعَت لأجله، ولا تكاد تجد في كتب المتكلمين على طريق السلوك غير طريقٍ من هذه الطرق الثلاثة أو مجموعها".

وكلها طرقٌ خارجة عن الصراط المستقيم وعما جاء به سيد المرسلين - صلوات الله وسلامه عليه -.

والصنف السالم من كل هذه الضلالات والانحرافات هو الصنف الرابع الذي قال فيه - رحمه الله -:

  

"والصنف الرابع: هم القائلون بالجمع بين الخلق والأمر والقَدَر والسبب، فعندهم أنَّ سر العبادة وغايتها مبنيٌّ على معرفة حقيقة الإلهية، ومعنى كونه سبحانه إلهًا، وأنَّ العبادة موجب الإلهية وأثرها ومقتضاها، وارتباطها كارتباط متعلق الصفات بالصفات، وكارتباط المعلوم بالعلم، والمقدور بالقدرة، والأصوات بالسمع، والإحسان بالرحمة، والإعطاء بالجود.

فعندهم من قام بمعرفتها على النحو الذي فسَّرناها به لغةً وشرعًا، ومصدرًا وموردًا، استقام له معرفة حكمة العبادات وغايتها، وعَلِمَ أنها هي الغاية التي خُلِقَت لها العباد، ولها أُرْسِلَت الرسل، وأُنْزِلَت الكتب، وخُلِقَت الجنة والنار.

وقد صرح - سبحانه وتعالى - بذلك في قوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، فالعبادة هي التي ما وُجِدَت لأجلها الخلائق كلها، كما قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾[القيامة:36]، أي: مُهْمَلًا. قال الشافعي - رحمه الله-: لا يُؤْمَر ولا يُنْهَى. وقال غيره: لا يُثاب ولا يُعاقَب. وهما تفسيران صحيحان؛ فإن الثواب والعقاب مترتبٌ على الأمر والنهي، والأمر والنهي هو طلب العبادة وإرادتها. وحقيقة العبادة امتثالهما".

هذا البيان المفصَّل لما يجب أن يُعْتَقد فيما يتصل بالخلق والأمر والقدر والسبب؛ هو ما ينبغي أن يعتقده المؤمن؛ إذ إنَّ ما ذكره - رحمه الله - في هذا الشأن هو ما دلت عليه الأدلة في الكتاب والسنة.

  

يقول - رحمه الله -: "فعندهم" أي: عند أهل الصراط المستقيم - أهل السنة والجماعة -، "سر العبادة وغايتها" أي: الحكمة من كل ما شرعه الله من العبادات الظاهرة والباطنة الواجبة والمستحبة، "مبنيٌّ على معرفة حقيقة الإلهية" أي: مبنيٌّ على معرفة غاية الخلق، وأنَّ الله إنما خلقنا لعبادته، فاشتغالنا بذلك هو تحقيقٌ لغاية الخلق، هو تحقيقٌ لمقصود الوجود الذي أوجد الله تعالى الخلق له، قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]؛ فجميع ما أمر الله به وما أمر به رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - هو لأجل هذه الغاية: تحقيق العبودية لله.

تحقيق العبودية لله يُثمر سمو النفوس، وطيبها، ويخرِج الناس عن كل خصال الردى، وكل خصال النقص، ويبلغ بهم الكمال الذي يتناسب مع حال الإنسان؛ ولذلك غاية الخلق، غاية الأمر، غاية الشريعة، هو تحقيق العبودية لله على النحو الذي يوصل العباد إلى سعادة الدنيا وفوز الآخرة؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56].

هذا فيما يتعلق بالغاية المطلوبة من الخلق، وهي: تحقيق العبودية لله، ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك:2].

أما الغاية المرادة بالخلق - يعني: التي ينتهي إليها حالهم - فهو: الثواب والعقاب، كما قال - جلَّ وعلا -: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾[القيامة:36]، "أي: يُترك مهملًا"، "لا يُؤْمَر ولا يُنْهَى"، هذا فيما يتعلق بغاية الخلق، "وقال غيره: لا يُثاب ولا يُعاقَب"، وهذا هو الغاية المرادة بالخلق.

والقرآن جاء بالخبر عن أمرين:

- عن الغاية من الخلق.

- والغاية بالخلق.

الغاية من الخلق يعني: ما هو المطلوب منهم؟ المطلوب من الخلق ماذا؟ عبادة الله وحده لا شريك له.

وما المراد بهم؟ الغاية المرادة بالخلق: أن يُثيبهم الله تعالى على ما يكون من أعمالهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾[النجم:31]، فهاتان الآيتان تبيِّنان الغاية المطلوبة من الخلق والغاية المرادة في الخلق، وهي فعل الله تعالى بالخلق إذا اختبرهم وابتلاهم، فإنهم إما أن يكونوا طائعين، وإما أن يكونوا عاصين، فالطائعون يجزيهم -جلَّ وعلا - بالإحسان، والعاصون يجزيهم - سبحانه وبحمده - بعدله فيما يستحقونه، فالخلق في جزاء الله بين عدله وفضله - سبحانه وبحمده -.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق