أسباب حياة القلوب

من 2018-03-14 وحتى 2021-03-01
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1467

التاريخ : 2018-03-14 18:39:43

طباعة الصفحة   

ثم قال: «وَصيَّرَ شُكْرِ الْعَبْدِ للخَيْرِ سُلَّمَا»: صيَّرَ: أي من موجبات حَمْدهِ أَنَّهُ جَعَلَ حَمْدَهُ؛ والْثَنَاءَ عَلَيْه سُلَّمًا في الْتَرَقِّي إِلَى خَيْرِ الْدُنيَا والآخرة، فالحَمْدُ لله والثناءُ عليه ممَّا يرتقي به العبد إلى مَنَازِلِ الْبِرِّ، ومواطن الخير.

 والخير هنا يشمل خير الدنيا والأخرة؛ خير المعاش، وخير المعاد، وهذا حَمدٌ على ثَوَابهِ، وجَزَائهِ لعباده فهو محمودٌ على إِحْسَانهِ بالجَزَاءِ، والثواب على صالح العمل؛ حيث إنه يثيب الشاكرين بأن يُعْليَ مَرَاتِبَهُم في الْخَير في الدنيا والأخرة.

 كما قال تعالى:﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ[ابراهيم :7]؛ فَشُكر الله جَلاَّبِ للمَزيدِ تُحْفَظُ به اْلِنَعَم الموجودة، وَتُجْلَبُ بْهِ الْنِعَم المفقودة؛ وحقيقة الشكر الذي يوجب المزيد والذي يرتقي بالعبد إلى مواطن البر والخير والسبت تتحقق بثلاثة أمور:

الأمر الأول: إضافة النعمة إلى الله الْمُنعِم بها الْمُتَفَضِّلَ -جَلَّ في علاه- فلا تَنْسِبَهَا إلى سِوَاه، ولا تَغْفَل في حَمْدِ الْنِعَمِ وَشُكْرِهَا عَن الْمُنعِم بها المتفضل؛ ولهذا يَرْضَى الله تعالى عن العبد يأكل الأَكْلة فَيَحْمَدُهَ عَلَيْهَا، ويشرب الشَرْبَة فَيَحْمَدُهَا عَلَيْهَا هذا أول ما يكون من مراتب شكر النعمة أن يضيفها العبد إلى الله -عز وجل- وأن يستحضر أن الله ساقها إليه، وَأَنَّ الله تَفَضَّلَ بها عليه، وَأَنَّهُ لولا عَطَاءُ اللهِ وَفَضْلُهُ، وَإِحْسَانُهُ مَا أَدْرَكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَاً؛ فلا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، وإضَافَةُ الْنِعمةِ إِلَى غَيْرِهِ كُفْرٌ به جَلَّ في عُلاه.

 يدل لذلك ما في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجُهني أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال لأصحابه بعد أن صَلَّى بهم الصُّبْحَ عَلَىَ إِثْرِ سَمَاءٍ -أي مطر- كَانَت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: بنَوْء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب».

 فإضافة النعمة إلى غير الله كُفْرٌ يخرج الإنسان عن الشُكر؛ ولذلك يقول الله تعالى-: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ[الواقعة:82] أي تنسبون النِعْمَةَ إِلَى غَيْرِ الْمُتَفَضِّلَ بها هذه المرتبة الأولى من مراتب شكر النعمة.

    

قَبول النعمة، ويكون بإظهار الفَاقَةِ، والفَقرِ إلى فضل -الله تعالى- وأَنَّ وصُولَ الْنِعمَةِ إِليه لم يكن باستحقاق؛ إنما محض فضل -الله تعالى- فلا استحقاق ولا بذل ثمن في مقابل ما جاءك من النعم.

 إِذَن هَذَا هو ثاني ما يتحقق به شكر النعم قبول النعمة، ويكون بأن يمتلئ قلبك شعورا بالفاقة والفقر إلى هذه النعمة وأنك غير مستحق لها إلا بفضل الله وإِحْسَانه، ولولا فضل الله ما جعل منها شيء فلست مستحق لشيء من النعم، وبهذا يَسْلَم الإِنسان من استكبار المستكبرين الذين إذا جَاءَهُم فَضْلٌ قالوا: إنما أوتِيْتَهُ على عِلم، أو قال: هذا لي كما قال: قارون، وكما قال: المستكبر الذي كَثَرَ النعمة ولم يشكرها؛ إذاً شُكرُ الْنِعمة في ثاني مَرَاتْبهِ أن يقبل الإنسان النعمة.

    

ومما يتحقق به شكر النعم: الِاسْتِعَانَةُ بِهَا عَلَى مَرْضَاتِ الله -سُبْحَانَهُ وَبِحَمْده-.

قال بعض السلف: شُكر النعمة ألا تستعين بها على معصيتهِ، وَقَدْ كَتَبَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- إِلَى مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَتْ: «إِنَّ أَقَلَّ مَا يَجِبُ لِلْمُنْعِمِ عَلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ: أَنْ لَا يَجْعَلَ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ سَبِيلًا إِلَى مَعْصِيَتِهِ».

 هذا أقل ما يكون من شكر النعمة ألا تستخدم ما أنعم الله به عليك في معصيته ؛ بل تجعل ذلك طريقاً ووسيلةً إلى مرضاته، وَسبيلاً إِلَى الْفَوزِ بمحابة هذا ما يَنْتَظِمُ به، ويَكْتَمِلُ به عَقْدُ شُكْرِ النعم.

    

وأما مَوَاضِعُ الْشُكُر؛ فالشكر يكون بالقلب إِقْرَاراً بالنعمة، وَتَصْدِيقَاً بأنها من الله، ويكون باللسان ثَنَاءً وشُكْرَاً، ويكون بالجوارح استعمالاً لهذه النعمة فيما يُرضي الله –جَلَّ وعلى- وهذا ما ذكره الناظم في قوله:

أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ منِّي ثلاثةً          يدي ولساني والضميرَ المُحَجَّبَا

 "يدي": أي جوارحي، بأن لا استعمل هذه النعم إلا في ما تحبون، "ولساني": بأن أذكركم بالجميل، "والضمير المحجبا": يعني بالقلب؛ بأن أقر بفضلكم عليَّ، وألَّا أجحد فضلكم عَلَي؛ بل أُضِيفَ النِعْمَةَ إلى من تَفَضَّلَ بها.

 هذا ما افتتح به المؤلف -رحمه الله- هذه المنظومة على اختصار وإيجاز

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق
السيدة ام عبد المجيد نبيلي
لم اختبر في هذه الاسئله من قبل هناك خطأ ما
2020-11-08