أسباب حياة القلوب

من 2018-03-14 وحتى 2021-03-01
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1519

التاريخ : 2018-04-08 16:39:50


يقول -رحمه الله-: «ومن شؤمهِ» أي: من شؤم اتباع الهوى، "تركُ اغتذاءٍ بنافعٍ وترك الدوا الشافي وعجز كلاهما" من شؤم اتباع الهوى أنه يمنع الإنسان من أن يتغذى بما ينفع قلبه، وهو الطاعة، ومحبة الله ورسوله، والإقبال على الصالحات، ومجانبة المحرمات، كل هذا مما تصلح به القلوب، فإذا اتبع الإنسان هواه كان من شؤم ذلك أنه يحمله اتباع هواه على ترك ما يصلح به قلبه، فيترك الغذاء الصالح، غذاء القلوب الإيمان، غذاء القلوب عبادة الرحمن، غذاء القلوب محبة الملك الديان، غذاء القلوب تعظيمُ الجليل المنان، غذاء القلوب إصلاح العمل والاشتغال بالإحسان.

كل هذا مما يُغذي القلب، لذلك كل صالح من الأعمال، كل تسبيحة، وتحميده، وتكبيرة، وتهليلة، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وصلة الرحم، وتبسمك في وجه أخيك إذ احتسبته كان ذلك ذكاءً لقلبك، صلاحًا لقلبك، غذاءً لقلبك يستنير به قلبك ويُضيء، كل صالحة يستنير بها القلب، وكل سيئة يُظلم بها القلب، وبالتالي إذ اتبعت هواك حال بينك وبين ما يُغذي قلبك من الصالحات، كالمريض الذي يشتهي ما يَبُره فإنه إذا استكثر منه كان ذلك مانعًا له حقيقة من الصحة والسلامة ونيل ما يحتاجه مما ينفعه، والنفس في الأصل خُلقت جاهلة ظالمة، فهي لجهلها تظن شفاءها فيما هو سببٌ لضررها وهلاكها، لذلك ينبغي أن يُبعد الإنسان عن كل سيئة، وأن يحذر اتباع الهوى؛ لأنه سيمنع كل ما يصلح قلبه.

إذًا الشؤم الأول لاتباع الهوى؛ السيئة الأولى الناتجة عن اتباع الهوى: أنها تمنع القلب ما يُصلحه، ما يُغذيه، ما يُقيمه.

  

الثاني: أنها إذا تمكن القلب منعه أيضًا من الدواء، فالغذاء يقوى به البدن، وقد يعتل البدن فيحتاج إلى دواء، والهوى يمنع الدواء النافع فيحول بينه وبين أخذ ما ينفعه من الأدوية، فيعجز الإنسان عن بلوغ ما يُريد، ويصبوا إليه من الخير، فالهوى يُقيم لصاحبه شُبهًا تحول بينه وبين فعل ما تصلح به أحواله ويستقيم به قلبه فيكون صاحب الهوى بين تقصيرٍ وقصور، تقصير عما يمكنه عمله من إصلاح، وقصور ناتج عن سيئات عمله، يقول الله تعالى في محكم الكتاب في قومٍ تخلفوا عن رسول الله في الخروج للجهاد في سبيل الله: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ[التوبة:46] يعني: قعدت بهم قلوبهم لما عمرها من عصيان الله، وعمرها من مخالفة أمره، وعمرها من اتباع الهوى، ثقلت قلوبهم عن طاعة الله، هؤلاء يختلفون عن قوم آخرين قلوبهم خفت، ولو تأثر ما في أيدهم، ما عندهم ما يخرجون لكن يأتون رسول الله يقولون: احملنا قال: ﴿لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ[التوبة:92].

فشتَّان بين هذا وذاك، هؤلاء ثقُلت بهم قلُوبهم فلم يخرُجوا، وثبطهم الله، وأولئك رغبت قلوبهم في الخروج فبلغهم الله أجر الخارجين كما جاء في الصحيح من حديث جابر: «إن أقوامًا بالمدينة ما سرتم مسيرًا ولا نزلتم واديًا إلا كانو معكم، قالوا: يا رسول الله: وهم في المدينة ؟ قال: وهم في المدينة حبسهم العذر» يعني حال بينهم وبين الخروج معنى في الجهاد العذر، فشتان بين هذا وهذا.

ولذلك شؤم اتباع الهوى أنه يمنع ما يُغذي القلب من الصالحات والطاعات، وأنه يُعيق الإنسان عن كل ما يُصلحه، يُكبل الأقدام عن السير إلى الرحمن، يحول بين الإنسان وبين ما يشتهي من الطاعة كما قال الله تعالى: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ[سبأ:54]، هذا في حال السياق إذا عاينوا الحقائق تمنوا صالح العمل، وقالوا: ﴿رَبَّنَا لولا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ (44)[سورة إبراهيم: 44] لكن هذه الأماني حيل بينهم وبينها؛ لأن قلوبهم قعدت كما قال الله -عزَّ وجل- في هؤلاء أنهم ليسوا صادقين، ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ[الأنعام:28]، فلما استحكمت الضلالة على القلوب حالت بينها وبين الهدايات، حالت بينهم وبين الرغبة في الخير، حالت بينهم وبين القيام بما يُصلحها.

ولهذا ينبغي للإنسان أن يحذر اتِّباع الهوى، فإن إتباع الهوى شؤمه عظيم، من شؤمه أن يحول بينك وبين ما ينفعكم، ومن شؤمه أنه يُعجِزُك عن القيام بما يُصلح قلبك وعملك.

  

بعد ذلك بدأ المؤلف -رحمه الله- بذكر القلب الصحيح، وهذا ثالث أقسام القلوب، نسأل الله أن يجعل قلوبنا صحيحةً سليمةً مستنيرة، وهي القلوب التي تنجو يوم القيامة.

لكن فيما يتعلق بخلاصة ما مضى فيما يتصل بأقسام القلوب، المؤلف ذكر في أقسام القلوب ثلاثة أقسام:

القلب الميت وهو: القلب الذي تعطل عن محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهذا قلب الكافر والمنافق، فإنه خالٍ من كل نور.

النوع الثاني من القلوب: القلب المريض، وهو القلب الذي فيه نور وفيه ظُلمة، فيه طاعة وفيه معصية، فيه هدى وفيه ضلال، وهو مراوح بين القلب الميت وبين القلب الصحيح، ينتهي إلى ما يُختم به من صلاحٍ أو فساد، ولذلك نسأل الله حسن الخاتمة، وأن يُصلح فساد قلوبنا.

أما القسم الثالث وهو القلب الصحيح وهو: القلب المستنير بطاعة الله، المحب لربه، المعظم لكن لا يعني هذا أنه معصومٌ عن الخطأ، معصومٌ من الزلل، بل كل ابن آدم خطَّاء، لكن إنه أخطأ استغفر، وإن عثر قام، وإن زل استعتب، فهو في إصلاحٍ لخلله، كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابين.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق