أسباب حياة القلوب

من 2018-03-14 وحتى 2021-03-01
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1441

التاريخ : 2018-04-25 15:57:17


قال رحمه الله:

إلى أن يُهنَّا بالإنابةِ مُخبتاً

 

 

فيسكن في ذا مطمئنا منعَّما

 

يعني هذه الحركة، وهذه الرغبة، وهذا السعي في مرضات الله عزَّ وجل لا ينقطع، بل هو دائم إلى أن يبلغ مرتبة الإنابة والإقبال، وعند ذلك تطمئن نفسه، ويسكن قلبه، ويذهب عنه كل كدر، هذا معنى قوله رحمه الله: "إلى أن يُهنَّا بالإنابةِ مُخبتاً" يعني إلى أن يفوز ويتنعم، فالتهني هنا بمعنى التنعم.

" بالإنابةِ" والإنابة تقدم ذكرها وهي: الإقبال على الله تعالى المقترن بالمحبة والخضوع والإعراض عما يُغضبه -جلَّ في عُلاه-، فقد ذكرنا أن الإنابة تقوم على أربعة أمور:

الإقبال على الله عزَّ وجل.

الخضوع له.

المحبة له جلَّ في عُلاه.

الإعراض عن غيره.

هذه مقومات تحقيق الإنابة، فالمنيب من فاز بهذه الخصال؛ يكون خاضعًا لله، محبًا له، مُقبلًا عليه، مُعرضًا عما سواه، وعندنا في هذه الأربع المحبة والتعظيم، فالخضوع لا يكون إلا لعظيم، والمحبة كمال الحب له جلَّ في عُلاه، والإقبال السعي في مراضيه ظاهرًا وباطنًا، سرًا وإعلانًا، فرضًا وجمعًا، والإعراض عما سواه وذاك بالإعراض عن كل ما يُغضب الله -عزَّ وجل- من قولٍ أو شخصٍ أو عمل، فهذا هو المنيب لله عزَّ وجل.

  

وإذا تحققت الإنابة فاز بالإخبات، والإخباتُ من الأعمال الجليلة التي يُدرك بها الإنسانُ أجرًا عظيمًا وفوزًا كبيرًا، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ[الحج:34]، ثم ذكر من أعمالهم: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[الحج:35]، هؤلاء هم المخبتون، فيكون مخبتًا لله عزَّ وجل بما يكون من إقباله عليه ورغبته فيما عنده سبحانه وبحمده.

ولذلك يقول رحمه الله تعالى: "إلى أن يُهنَّا بالإنابةِ مُخبتاً" فالمخبت هو من تحلى بهذه الخصال التي ذكرها الله عزَّ وجل في آية سورة الحج ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[الحج: 34- 35].

  

بعد ذلك ذكر ثمرة هذا العمل، وهنا تنبيه إلى أن كل عمل صالح يشتغل به الإنسان لا بُد أن يُدرك منه أجرًا مُعجلا، كما أن كل معصية وكل ذنب لا بُد أن ينال منه عقوبة حاضرة، وهذا من رحمة الله بعباده أن أذاقنا شيئًا من ثمار أعمالنا الصالحة، كذلك أذاقنا شيئًا من عواقب أعمالنا الرديئة، والأصل في ذلك ما يكون في القلب من البهجة والسرور بالطاعة، وما يكون في القلب من الضيق والظلمة والكدر بالمعصية، هذا هو الأصل.

ولذلك يقول هنا رحمه الله في ثمار هذا السعي في مرضات الله تعالى وما يُحبه قال: "فيسكن في ذا مطمئنا منعَّما" قوله: "في ذا" أي: في هذه الدنيا، يسكن في هذه الدنيا ولا سكن إلا بطاعة الله تعالى، ولا طمأنينة إلا بالإقبال الله عزَّ وجل ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[الرعد:28].

وكل من لم يطمئن قلبه بذكر ربه وعبادته فهو في اضطرابٍ وقلقٍ، وفي أنواعٍ من البلايا التي تنزل بقلبه فتزعجه لا يهنأ بها، حتى ولو كان منعمًا في مسكنه، منعمًا في مشربه ومأكله وفي عشيرته إلا أنه لا يجد سكنًا إلا بالإقبال على الله عزَّ وجل، فالقلب مضطر إلى محبوب الأعلى فلا يُغني عنه حب الداني.

إذا لم يُعمر القلب بمحبة الله وتعظيمه والإقبال عليه وطاعته وما يكون من ثمار ذلك من الطمأنينة والسكن فإنه في عناء، كما قال الله تعالى عن الكفار: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ[ق:5] أي: مضطرب لا سكن لهم ولا قرار، وإن بدى ما بدى عليهم من مظاهر القوة، ومظاهر السعد، ومظاهر السرور ما يبدو حقيقة الأمر ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا[طه:124]، لكن هذا لا يعني أن لا يكون لهم من متع الدنيا ما قد يكون فتنةً لمن يراهم، قال الله تعالى:﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا(35)[سورة الزخرف: 33-35] ما هو شيء، ليس بشيء، لا يُغني سعادةً في الدنيا ولا يُدرِك به نجاةً في الآخرة، ولذلك قال: ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ[الزخرف:35] إن هنا بمعنى ما، ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ﴾ أي: وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا.

  

والدنيا مهما زانت وطابت فهي دار الكدر والقذر والأذى كما قال الحق جلَّ في عُلاه:﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ[البلد:4] فلا طمأنينة ولا سلامة من هذا الكبد إلا بطاعة الله عزَّ وجل في الدنيا، وبما أعده لعباده الصالحين في الآخرة، ولهذا لما سُئل الإمام أحمد متى يرتاح المؤمن؟ قال: عندما يضع قدمه في الجنة.

فالراحة ليست في شيء من متاع الحياة، إنما الراحة في الدنيا بطاعة الله وفي القيام بحقه، ولو وجد الإنسان لذلك ألمًا وتعبًا؛ لأن ما في راحة إلا بتعب، لا تُبلغ الآمال، ولا تُدرك المرغوبات إلا على جسر التعب، وهذه سنة الله تعالى في هذه الدنيا؛ إنه لا يدرك الإنسان فيها شيئًا مما يحب إلا بنوعٍ من التعب، فلا بُد من صبرٍ ومصابرة لإدراك المطلوب، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[آل عمران:200].

فقوله رحمه الله في هذا البيت: "إلى أن يُهنَّا بالإنابةِ مُخبتاً فيسكن في ذا" يعني في هذه الدنيا، "مطمئنا منعَّما" التنعيم هنا في الأصل نعيم القلب، قال الله عزَّ وجل: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ[الإنفطار:13] وقد قال جماعة من السلف: إن في الدنيا جنةً من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، هذه الجنة هي ما يكون في القلوب من بهجةٍ وسرورٍ ولذةٍ وانشراحٍ وطمأنينةٍ وسكونٍ بمعرفة الله عزَّ وجل والقيام بحقه سبحانه وبحمده.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق