شرح العقيدة الواسطية

من 1439-02-06 وحتى 1440-12-06
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1765

التاريخ : 2018-04-26 17:37:13

طباعة الصفحة   

يقول المؤلف –رحمه الله- في بيان وسطية أهل السنة والجماعة

"وهم" أي أتباع الكتاب والسنة من أهل السنة والجماعة.

"وسط في باب أفعال الله تعالى" أي فيما يثبتون من أفعال الله تعالى فيما يتصل بخلق أفعال العباد بين الجبرية والقدرية؛ وهذان فريقان ضلَّا في أفعال الله –عز وجل- وذلك أن

    

أهل السنة والجماعة الذين يثبتون لله تعالى كمال الفعل وتمام القدرة، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه سبحانه وبحمده له في ذلك كمال العلم وكمال الخلق وكمال الإحاطة بما يكون من عباده جل في علاه، ولا يعارضون القدر بالشرع بل يؤمنون بقدر الله –عز وجل- وينقادون لشرعه جل في علاه.

بخلاف هذه الطوائف التي انحرفت فضلت فصادمت الشرع بالقدر وقالوا بأن الله خلق أفعالهم لكنهم قالوا بأنهم لا إرادة لهم فهم مجبورون على أفعالهم. وأولئك هم الجبرية.

أو أنهم أخرجوا أفعال العباد عن تقدير الله –عز وجل- فجعلوا في خلق الكون ما لم يخلقه الله، وما ليس من تقديره وما ليس من قضائه جل في علاه وهم القدرية.

والله تعالى يقول: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[القمر: 49] ويقول جل في علاه: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[الحشر: 6] سبحانه وبحمده فهاتان الطائفتان الجبرية والوعيدية القدرية متقابلتان كلاهما أخذ ببعض النصوص وضل عن الأخرى، وبالتالي انحرفوا عن السبيل القويم، وخرجوا عن الصراط المستقيم، ومالوا عن الوسط إلى بنيات الطريق إما بغلو وإما بجفاء، إما بإفراط وإما بتفريط. فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه من حكمته وعظيم قدرته جعل لخلقه مشيئة، هذه المشيئة سببٌ عنها تصدر أفعالهم، والخلق مشيئة وفعلا خلق لله –عز وجل- كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا[الإنسان: 30].

فالله منح العباد مشيئة واختيارًا على ضوئه يجري مجازاتهم بالإحسان إحسانًا وبالسيئات إما معاقبة ومؤاخذة وإما عفوا وتجاوزا، فهذا مقتضي ما دلت عليه النصوص.

    

أما الجبرية والقدرية فإنهم ضلوا،

فالجبرية قالوا إن كل ما يكون من العبد لا دخل له فيه وليس له اختيار في إيجاده بل هو كالريشة في مهب الريح ليس له أدنى تصرف فيما يصدر عنه، وهؤلاء سموا الجبرية لأنهم يعتقدون أن الخلق مجبرون على أفعالهم.

ويقابلهم القدرية الذين يقولون: إن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد بل العباد خلقوا أفعال أنفسهم فأثبتوا مع الله خالِقِين، ثم قالوا: إن الله تعالى لم يعلم ما يكون من الخلق فنفوا العلم والكتابة والخلق والمشيئة فلم يؤمنوا بالقدر، وهذا في غلاتهم، وأما الأخف غلوًّا فهم الذين أثبتوا علم الله وكتابته لكنهم نفوا خلق الله ومشيئته لما يكون من أفعال العباد.

فقالوا: لا يكون من أفعال العباد ما هو خلق لله وما هو بمشيئته، بل العباد يفعلون ما يفعلونه دون مشيئة الله وإرادته، وهذا زعموا أنه تنزيه لله عن الظلم وهم قد ظلموا أنفسهم بعدم العلم بكمال ما دلت عليه النصوص من إثبات خلق الله لكل شيء، وأن ذلك لا ينافي ما هو معلوم بالعقل والحس أن الإنسان يفعل ما يشاء اختيارا.

أنتم الآن في هذا المكان الذي أنتم فيه أجئتم مختارين وجلستم بإرادتكم، أم أن ثمة شيئا أجبركم على المجيء؟ بالتأكيد أن الجميع جاء باختياره وبإرادته وهذا ما منحه الله تعالى الخلق لكن هذا لا ينفي أن الله علم ذلك وكتبه في الأزل وأنه جل في علاه خلقه وشاءه وهنا السر الخفي في ارتباط مشيئة الإنسان بمشيئة الله، أنه مهما شاء الإنسان فإن الله منحه الاختيار لكن هذه المشيئة لا تخرج عن مشيئة الله –عز وجل-، فإذا ضاق عقل الإنسان عن إدراك هذا الارتباط بين مشيئة البشر ومشيئة الله فليؤمن بأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما من شيء هو خلق الله وإرادته، وأن الله تعالى {لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، املأ قلبك يقينا بهذه العقائد تسلم من تلك الانحرافات التي تورط فيها الجبرية والقدرية، واعلم أن هؤلاء يقدمون عقائدهم المنحرفة في بعض الأحيان بزخرف من القول قد يعمى عنه الإنسان فيظن أن هذا تنزيه لله –عز وجل- وهو في الحقيقة قدح في الله وعدم إيمان بما دلت عليه النصوص.

جاء رجل عند خليفة من الخلفاء وعنده عالم من العلماء فقال وهو منحرف الاعتقاد، قال سبحان من تنزه عن الفحشاء، كلمة جميلة سبحان من تنزه عن الفحشاء فتفطن له العالم وعلم أنه أراد بهذه الكلمة أن ينفي عن الله خلق ما يكون من أفعال العباد التي تخالف أمره من الفساد والشر، وأن هذا ليس خلق لله، فبماذا أجابه العالم؟ رد عليه مباشرة كلمة تمتلئ إيمانا ويقينا بما دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وتجمع ذلك فقال سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء.

وهذا أكمل تنزيهًا وأعظم تمجيدًا وثناء على الله –عز وجل- من ذلك الذي قال تلك المقالة فقال: سبحان من تنزه عن الفحشاء، فمقتضي ذلك أن يكون في ملك الله ما لا يشاء أن يكون في ملك الله ما لا يريد وهذا نقص في حق الله –جل وعلا-.

أرأيت لو أن أحدا فعل في ملكك ما لا تشتهي، ألا يدل ذلك على ضعفك وعدم قوتك الجواب: بلى، هذا يدل دلالة واضحة على عدم القدرة، فلهذا قال العالم في جواب هذا الانحراف: سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء.

    

واعلم بارك الله فيك أن ما يردده بعض الناس من السؤال هل الإنسان مسير أو مخير؟ ليس الجواب أن يقال: إنه مسير، ولا أن يقال: إنه مخير، منحك الله اختيارا في أمور كثيرة وقضى جل في علاه عليك أمورا ليس لك بها خيار أنت لم تختر لونك ولم تختر لغتك في الأصل عندما خلقت من بلد تتكلم باللغة العربية، لم تختر أشياء كثيرة مما يجري في خلقك، خلقك الله تعالى بها طولا وعرضا ووزنا وما إلى ذلك.

لم تختر ذلك، بل الله تعالى خلقك على هذه الصورة وعلى هذا الشأن أو على هذه الحال، لكن هذا لا يعني أنه ليس لك اختيار في كل شيء حتى أفعالك مثلا، بل الله منحك اختيارا في أمور كثيرة، فأنت تذهب إذا شئت وتأتى متى شئت، تقوم متى شئت، تفعل متى شئت، تفعل ما تشاء في أمور كثيرة فليس ثمة جواب يكون في أحد الاختيارين فقط، بل الإنسان له اختيار في أمور وليس له اختيار في أمور ولهذا أقوم جواب لهذا السؤال أن يقال إن الإنسان ميسر ليشمل ما يكون مما قضاه الله مما لا اختيار للإنسان فيه، ومما للإنسان فيه اختيار كما قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى[الليل: 5- 10].

فالإنسان ميسر ليس مسيرا تماما فهو مجبر، وليس مخيرا مطلقا اختياريا يخرجه عن إرادة الله –عز وجل- بل هو ميسر وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» فالجواب عن هذا السؤال الذي يتكرر كثيرًا على ألسنة بعض الناس، هل الإنسان مسير أم مخير؟ أن يقال: إن الإنسان ميسر كما دل عليه القرآن والسنة ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى[الليل: 5- 10] وقد قال صلوات الله وسلامه عليه لما سئل فيما العمل يا رسول الله؟ قال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له».

    

أهل السنة والجماعة فتح الله عليهم فكانوا وسطا بين هاتين الضلالتين ضلالة الجبرية الذين يلغون اختيار الإنسان ويجعلونه كالريشة بمهب الريح وهؤلاء يترتب على اعتقادهم أن دخول الجنة ودخول النار ليس للعمل، العمل لا أثر له إنما هو محض مشيئة الله التي لا تتعلق بها حكمة ولا رحمة ولهذا يقولون لو أن الله –عز وجل- جعل أكبر الطائعين وأعظم العابدين في النار وجعل أكبر العاصيين وأعظم المعاندين في الجنة لما كان ظالما، والله تعالى قد تنزه عن الظلم، وهذا يجافي الحكمة كما يجافي النصوص التي دلت على كمال الرحمة وأن الجنة هي دار العباد الصالحين وأن النار هي دار المعتدين الظالمين المجرمين فليس من حكمة الله ولا من رحمته أن يجعل أولياءه في جهنم وأن يجعل أعداءه في الجنة.

والجبرية يعتقدون أن ليس ثمة مشكلة في هذا، لأنهم ينفون عن الله الحكمة وينفون عنه جل في علاه ما اقتضته رحمته من أنه سبحانه وبحمده لا يظلم الناس شيئا.

    

هذا ما يتصل بما يترتب على العقائد المحرفة، ولذلك نقول: أحيانا العقيدة المنحرفة لا يبدو عوارها ولا يظهر فسادها إلا بمعرفة لوازم تلك العقائد وما يترتب عليها ولهذا ينبغي للمؤمن أن يلزم ما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأن يعتصم بما اعتقده سلف الأمة الصالح من الصحابة والتابعين وتابعهم بإحسان فإنهم أعلم الخلق بالله وأنصح الخلق للأمة وهم أفصح الأمة بيانا وأعظمها إيضاحًا فوجب أن تكون الاستقامة والهدى ما كانوا عليه صلوات الله وسلامه عليه.

وقبلهم القدرية الذين يخرجون عن أفعال الله –عز وجل- ما يكون من أفعال الخلق حيث أنهم يعتقدون أن أفعال الخلق خارجة عن إرادة الله –عز وجل- وسيأتي مزيد بيان وإيضاح في مسائل القدر في حديث المؤلف –رحمه الله- عن هذا الأصل الإيمان بالقدر نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإيمان الصادق واليقين الراسخ وأن يكمل ظواهرنا وبواطننا بما كان عليه سيد الورى صلوات الله وسلامه عليه وما جرى عليه أصحابه الكرام.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق