شرح العقيدة الواسطية

من 1439-02-06 وحتى 1440-12-06
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1374

التاريخ : 2018-04-26 17:42:58


لكن يصان عن الظنون الكاذبة مثل أن يظن أن ظاهر قوله: {في السماء} أن السماء تقله أو تظله وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان؛ فإن الله قد وسع كرسيه السموات والأرض، وهو الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره.

  

هذه قاعدة مهمة فيما أخبر الله تعالى به عن نفسه على وجه العموم، وهو أنه يجب أن يصان قول الله وقول رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - عن كل ظن كاذب أو وهم فاسد أو خيال خارج عن الهدى ودين الحق؛ إذ إن النصوص دلت على الهدى ودين الحق وعرفت بالله {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق}.

فواجب على كل مؤمن أن يصون كلام الله وكلام رسوله عن كل ظن كاذب أو وهم فاسد، فإن النصوص سالمة من هذه المعاني الخبيثة التي يضيفها إليها من ساء فهمه وساء ظنه بربه وبرسوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

لذلك يقول –رحمه الله-: "لكن" أي مع إثبات أن الله تعالى فوق خلقه، وأنه معهم وأن ذلك حق على حقيقته وأنه لا يحتاج إلى تحريف ينبغي أن يصان عن الظنون الكاذبة.

  

ثم مَثَّل للظنون الكاذبة فقال: "مثل أن يظن أن ظاهر قوله في السماء أن السماء تقله أو تظله" تقله أي تحمله أو تظله أي تعلوه جل في علاه.

قال –رحمه الله-: "وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان" ليس أحد يعتقد في ربه ذلك فالله تعالى غني عن خلقه، والخلق جميعهم مفتقرون إليه هو الغني الحميد ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[فاطر: 15] فالله تعالى غني عن كل خلقه، فعلوه على عرشه إكرام للعرش واختصاص وليس لحاجته إلى العرش سبحانه وبحمده، فليس شيء يقله أو يضله سبحانه وبحمده.

فقوله للمؤمن: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ[الملك: 16] وقوله للمؤمنة التي سألها رسول الله أين الله؟ فقالت: في السماء لا يستلزم أي ظن كاذب كظن أولئك الذين يتوهمون من الإخبار بأن الله في السماء أن السماء تظله أو السماء تقله سبحانه وبحمده، بل ما أخبر الله به في كتابه أو أخبر به رسوله في سنته لا يمكن أن يلزم عليه شيء باطل.

ومن أثبت لازمًا باطلًا على كلام الله أو كلام رسوله، فإنما أُتي من قِبَل فهمه ومن قبل ذهنه لا من دلالة النص فإن النص لا يستلزم معنى باطلًا بالمطلق الحق لا يلزم منه إلا الحق، والهدى لا يأتي إلا بالهدى وما يكون من أوهام كاذبة أو ظنون فاسدة أو خيالات منحرفة إنما هو من قبل ما يقذفه الشيطان في قلوب الناس، أو ما يزينه الضالون من زخرف القول الذي القرآن والسنة بريئان منه.

ولذلك قوله تعالى: "في السماء" أي فوق السماء ففي هنا لا تعني أن السماء ظرف يحيط بالله –عز وجل- يقله أو يظله سبحانه وبحمده بل السماء معنى قوله تعالى: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ أي من فوق السماء جل في علاه سبحانه وبحمده.

والكرسي وهو خلق من خلق الله يقول فيه جل وعلا ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ[البقرة: 255] فكيف تقله السماء أو تظله وهذا شأن بعض خلقه أن الكرسي يسع السماء والأرض عظما وقدرًا.

وقد قال جل في علاه في بيان افتقار الخلق إليه سبحانه وبحمده في إمساكه للسموات والأرض قال –جل وعلا-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا[فاطر: 41] فإذا كان كذلك السماء والأرض مفتقرتان لله –عز وجل- فهو الذي يمسكهما ويمنعهما من الزوال، فكيف يكون مفتقرًا أو محتاجًا إليهما سبحانه وبحمده؟ تعالى الله عما يقول الظالمون والجاهلون علوًا كبيرًا.

فقوله: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أي من فوق السماء جل في علاه كما قال جل في علاه: ﴿فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ[التوبة: 2] أي فسيروا على الأرض ففي بمعنى على ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ[طه: 71] أي على جذوع النخل ففي في كلام العرب تأتي بمعنى على وهو المراد بقوله تعالى: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾.

{وهو الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا} {ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه} {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره}.

كل هذه الآيات دالة على أن الخلق جميعا مفتقرون إليه سبحانه وبحمده، وأن فوقيته فوق السماء وعلى العرش، وعلوه على السماء والعرش وعلى كل خلقه لا يستلزم افتقاره إلى ذلك، أو أن السماء تقله.

الآن القمر أين؟ أسألكم القمر أين؟ فوق في السماء هل الأرض تحمل القمر؟ هل الأرض تقله أو تظله؟ إذا كان هذا معقولا في شأن المخلوق الصغير الحقير فكيف بشأن الله –عز وجل-؟ نحن نقر أن القمر لا تحمله الأرض وهو فوقها، فالله فوق الخلق وفوق السماء وفوق العرش وهو الغني عن خلقه جل في علاه سبحانه وبحمده.

هذا ما يتعلق بالعلو ذكر فيه المؤلف –رحمه الله- تقرير ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل من أن الله عليٌّ على خلقه بذاته، وأنه عليٌّ على خلقه قدرًا، وأنه عليٌّ على خلقه قهرًا سبحانه وبحمده.

  

ثم بين أن هذا العلو لا ينافي معيته فهو سبحانه وتعالى مع خلقه معية عامة ومعية خاصة وبين معنى المعية وأنها لا تقتضي المخالطة ولا الممازجة، ثم ذكر بعد ذلك أن العلو والمعية ثابتان لله على الحق والحقيقة لا حاجة في ذلك إلى تأويل مذموم ولا إلى تحريف.

وأن ما يرد من إثبات ذلك على بعض القلوب من الأوهام والظنون، إنما هو من وسوسة الشيطان وزخرفته للباطل وتزيينه، وليس ذلك شيئا لازمًا للكتاب والسنة بل الكتاب والسنة عريان وبريئان من كل ما يمكن أن يكون من توهم باطل أو ظن فاسد.

بعد ذلك انتقل –رحمه الله- إلى ذكر ما يتعلق بالقرب، بقرب الله تعالى من عباده وهو متصل بعلوه جل في علاه، وقد قرن الله تعالى بين هذين في قوله تعالى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[الحديد: 3] سبحانه وبحمده.

فالظاهر هو الذي فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء فلا يخفي عليه شيء ولا يغيب عنه شيء سبحانه وبحمده.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق