"وكذا لو قال ليلة الثلاثين من رمضان: إن كان غدًا من رمضان ففرضي، وإلا فمفطر، ويضر إن قاله في أوله".
قال: (ولا يضر إن أتى بعد النية بمنافٍ للصوم أو قال: إن شاء الله. غير متردد) لأنه لابد في نية الصيام من الجزم وعدم التردد في النية.
مما يتعلق بالتردد في النية أن يتردد في اليوم هل هو من رمضان أو لا؟ وهذا يكون في يومين؛ في أول رمضان وفي آخره:
في أوله: في ليلة الثلاثين من شعبان إذا التبس عليه أغدًا يكون من رمضان أو لا.
في آخره: في ليلة الثلاثين من رمضان لا يدري أيُرى الهلال أم يكون غدًا من رمضان فيكمل العدة.
فإذا قال ليلة الثلاثين من رمضان: (إن كان غدًا من رمضان ففرضٌ) أو (ففرضي)، كما في بعض النسخ؛ أي: فهو فرضي الذي لزمني (وإلا فمفطر)، هنا تردَّد في تعيين الصيام لا في نيته، إن تبين أنه من رمضان، أجازوا هذه الصورة، ومنعوا الصورة الأخرى؛ وهي ما إذا كان ذلك في أوله.
قال: (ويضر إن قاله في أوله) لأنه لم يجزم النية، ولابد في نية الصوم من أن تكون جازمةً، والفرق بين الصورتين مع أن التردد واحد فيهما أنه في الصورة الأولى بنى على أصل وهو كمال شهر رمضان، الأصل تمام الشهر، وأما في الصورة الثانية فلم يبنِ على أصل؛ لأن الأصل تمام شعبان؛ الأصل بقاء ما كان على ما كان؛ ولهذا كان ذلك مضرًّا.
والصواب أنه لا يضر في الصورتين؛ لأن التردد ليس في النية، إنما في كون اليوم من رمضان أو لا، ومثل هذا لا يعدُّ ترددًا مؤثِّرًا في صحة العبادة.
بعد هذا انتقل - رحمه الله - إلى ذكر فرائض الصوم، ما تقدم هو شروط الوجوب وشروط الصحة.
أما النية في النفل فلم يتطرق إليها المؤلف، لكن هي مفهومة من قوله - رحمه الله - في الشرط السادس (النية من الليل لكل يوم واجب) خرج بذلك النفل، فالنفل لا تلزم فيه نية من الليل.
ظاهر كلام المؤلف - رحمه الله - أنه لا فرق في ذلك بين النفل المطلق والنفل المقيد، النفل المقيد ما ورد فيه أجر خاص أو نُدب إلى صومه على وجه الخصوص كصوم الاثنين مثلًا، صوم عاشوراء، صوم يوم عرفة، هذه الأيام مما يندرج في النوع الأول وهو المقيد، أو مما يندرج في النوع المقيد، أما المطلق فهو الصوم الذي لا يتقيد بيومٍ نُدب إلى صومه أو ورد في صومه أجر خاص. هذا هو المطلق.
ظاهر كلام المؤلف عدم التفريق بينهما، والمستند في ذلك ما جاء في الصحيح من حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: «فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ» أخرجه مسلم (1154) .
فدل هذا على صحة ابتداء الصوم بنيةٍ من النهار، وهذا الذي عليه جمهور العلماء، وهو ظاهر في الدلالة.
وأما مَن فرَّق بين المقيد والمطلق فمستند تفريقه أن الأجور المرتبة على الصوم المقيد نُدب إليها بصوم اليوم كله، فمَن صام بنية من النهار لم يستوعب اليوم كله، وبالتالي لا ينال الأجر المرتب على صوم يوم عرفة مثلًا لو نواه نهارًا أو عاشوراء لو نواه نهارًا؛ لأن الأجر يحتسب من نية الصوم.
والذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن الأجر يحتسب لليوم كله، وذاك فضل الله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفرِّق بين صيام النفل المطلق والنفل المقيد، بل جاء الحديث مطلقًا دون تقييد؛ فدل ذلك على أن صوم النفل مطلقًا كان أو معينًا ومقيدًا يصح بنية من النهار، ويكتب للصائم ما نوى من الأجر.
هذا هو الأصل الذي يُستند إليه في هذه المسألة فيما يتعلق بالنية في صيام النفل؛ ماذا؟
النفل المطلق والنفل المقيد؛ الأجر فيما يظهر لي - والله تعالى أعلم - أنه على اليوم كله، وليس على ما نوى، فلو نوى آخر النهار كتب له أجر صوم اليوم كله؛ فالحديث لم يميز بين أوله وآخره في الأجر، وهو صيام يوم واحد لا يسمى صيام ساعات، فالصوم الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ فالأجر في الصوم كله، يعني لليوم كله وليس لبعضه، والله تعالى أعلم.