شرح العقيدة الواسطية

من 1439-02-06 وحتى 1440-12-06
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1142

التاريخ : 2018-09-18 07:53:08


"يقول –رحمه الله-: فصل وقد دخل أيضًا فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عيانا بأبصارهم كما يرون الشمس صحوا ليس دونها سحاب وكما يرون القمر ليلة القدر لا يضامون في رؤيته".

هذا البيان من المؤلف –رحمه الله- في شأن رؤية أهل الإيمان للرحمن جل في علاه يقول: "وقد دخل أيضًا فيما ذكرناه" أي من عقيدة أهل السنة والجماعة

"من الإيمان به وبكتبه وبملائكته ورسله الإيمان بأن المؤمنين يرونه" أي يرون الله –عز وجل- يوم القيامة.

ولا ريب في إثبات ذلك، فإن الأدلة في القرآن والسنة متوافرة متضافرة في إثبات رؤية المؤمنين لربهم فقد ذكر الله تعالى رؤية المؤمنين لربهم في القرآن في مواضع عديدة من أصرح ذلك ما ذكره الله تعالى في سورة القيامة في قوله –جل وعلا-: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ[القيامة: 22- 23] فهذه الآية الكريمة من أصرح الآيات في رؤية المؤمنين لربهم –جل وعلا- حيث إن الله تعالى أضاف النظر نظر أهل الإيمان إلى الوجه الكريم سبحانه وبحمده.

  

وعدَّى ذلك بـ(إلى) فقال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ[القيامة: 22- 23] أي تنظر إليه جل في علاه سبحانه وتعالى، وهذا لا يكون في لسان العرب إلا لرؤية يعاين فيها الرائي المرئي ببصره، وقد نقل عن كثير من السلف أنهم فهموا من هذه الآية رؤية المؤمنين لله –عز وجل- يوم القيامة، وهذا من أقوى الأدلة وكذلك قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ[يونس: 26] فالزيادة هي النظر إلى الله –عز وجل- كما جاء ذلك في تفسير جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم ورحمهم.

وكذلك قوله –جل علا- فيما أعده لأوليائه ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ[ق: 35] فقد جاء التفسير عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه بإسناد صحيح أنه قال في قوله تعالى: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ أنه يتجلى لهم كل جمعة سبحانه وبحمده.

ورؤية المؤمنين لله –عز وجل- ثابتة كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث صهيب رضي الله تعالى عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة قال لهم الله –عز وجل-: هل تريدون أن أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة ألم تنجينا من النار؟ فيكشف الحجاب فلا يكون عندهم شيء ألذ ولا أطيب من النظر إلى وجهه الكريم» سبحانه وتعالى وقرأ قوله جل في علاه: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ[يونس: 26] وهذا إشارة إلى أن الزيادة المذكورة في الآية هي رؤية المؤمنين لله –عز وجل- في الجنة نسأل الله أن نكون منهم.

  

ومما يدل على رؤية المؤمنين لربهم –عز وجل- في الجنة قوله –جل وعلا-: ﴿عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ[المطففين: 23] فقد فسرها جماعة من أهل العلم أنهم ينظرون إليه سبحانه وبحمده، وقد فسر جماعة من أهل العلم لقاء الله –عز وجل- بالنظر إليه في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ[الكهف: 110] قال بعض أهل اللغة: لا يكون اللقاء إلا بنظر ورؤية وإبصار، كل هذه الأدلة دالة على إثبات رؤية المؤمنين لله –عز وجل-.

ومما يدل على ذلك خبر النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي نقل عنه متواترًا حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون فيه» وهذا الحديث في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله، وهو خبر محقق عن رؤية المؤمنين لربهم جل في علاه، وقد جاء نظيره في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي سعيد أن النبي –صلى الله عليه وسلم- سُئل: هل يرى المؤمنون ربهم يوم القيامة؟ أو هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «هل تُضامون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «هل تضامون في رؤية الشمس صحوا ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب وكما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب»، فأخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الرؤية ولتحقيق ذلك أخبرهم برؤية في الدنيا نظير ما أخبر به مما يكون في الآخرة لرؤيتهم لربهم جل في علاه.

وإنما ذكر الشمس والقمر لأنهما أعظم المخلوقات مما يبصره الناس، ورؤيتهم يشترك فيها الخلق جميعا ممن لهم بصر، ولذلك ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم- في إثبات رؤية المؤمنين لربهم جل في علاه، فشبه رؤية المؤمنين ربهم برؤيتهم للشمس أو القمر صحوا ليس دونهما سحاب، والسبب في هذا ما ذكرت من أن الشمس والقمر هما أعظم الموجودات المبصَرات المرئيات ولا يمكن أن يرى الإنسان شيء أكمل من رؤيته للشمس والقمر، ولذلك ذكرهما النبي –صلى الله عليه وسلم- في التعريف برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، نسأل الله أن نكون منهم.

  

وقوله –رحمه الله- في سياق تقرير عقد أهل السنة والجماعة في شأن الرؤية قال: "عينا" وهذا لبيان أن الرؤية حقيقية تكون بالعين وليس كما يقول من خرج عن الصراط المستقيم في هذه الصفة فقال: يرونه في غير مواجهة. وهذا قول لا حقيقة له ولذلك كان قول يشبه أن يكون من الأقوال المستحيلة لأنه لا يمكن أن يرى شيء إلا بمواجهة ومعاينة.

ولهذا تبرأ بعض من قال بهذا القول من مضمونه، وقالوا: إن حقيقته تستلزم نفي رؤية الله –عز وجل- يوم القيامة.

  

وليعلم أن رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ليست رؤية إحاطة فالبشر عاجز عن الإحاطة بالله –عز وجل- كما قال تعالى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا[طه: 110] ، وكما قال –جل وعلا-: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ[البقرة: 255] فهم يرون لكنهم لا يحيطون به جل في علاه.

وهذا يحصل في نظر الإنسان ورؤيته للمخلوقات، فنحن نرى السقف لكن لا نستطيع أن نحيط به إحاطة دقيقة، ولذلك رؤيتك له عن بعد ليست كما لو اقتربت ورأيت فستكتشف من الأشياء بقربك أو بواسطة ما يحصل من التكبير ما لا تدركه بالرؤية البعيدة، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ[الأنعام: 103] فأبصار الخلق عاجزة عن إدراك كون الرب وحقيقته جل في علاه، يرونه لكنهم لا يحيطون به سبحانه وبحمده.

  

ففرق بين إثبات الرؤية وبين الإحاطة والإدراك، ولهذا من يستدل على نفي الرؤية بقوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ[الأنعام: 103] ليس استدلاله بسديد ولا هو بصواب، بل هذا لا ينفي ذاك، لأن أهل السنة والجماعة يثبتون رؤية الله –عز وجل- لأهل الإيمان يوم القيامة وينفون أن تكون هذه الرؤية رؤية إحاطة ورؤية إدراك بل هو العظيم الذي جل أن يدركه عباده أو يحيطوا به سبحانه وبحمده.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق