شرح العقيدة الواسطية

من 1439-02-06 وحتى 1440-12-06
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1114

التاريخ : 2018-09-18 08:21:05


"فتعاد الأرواح إلى الأجساد وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها المسلمون".

يقول –رحمه الله-: "فتعاد الأرواح إلى الأجساد" الأرواح إذا قبض الناس أودعها الله تعالى إما في جنة وإما في نار، وهذه الأرواح لها اتصال بالأبدان على نحو ما تقدم فيما سبق من أنها تعاد الروح إلى البدن أول ما يدفن الإنسان في قبره وينصرف عنه أصحابه، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيسألانه.

  

وهذه الإعادة لا تثبت بها الحياة التي تكون في الآخرة يوم يقوم الناس لرب العالمين، فهي ارتباط بين الروح والبدن على نحو الله أعلم بكيفيته، فنؤمن بما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- من عود الأرواح بعد دفن الموتى للفتنة والسؤال.

أما ما ذكر من عود الأرواح في هذا السياق، فهو العود الذي يرجع به الناس إلى رب العالمين، ويقومون لله –عز وجل- من قبورهم حفاة عراة غرلا وهو ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ[المطففين: 6].

 يقومون له –جل وعلا- من قبورهم وهذا لا يكون إلا بعد النفخة الثانية التي تكون لبعث الأبدان ونشورها.

  

والنفخ هو نفخ في الصور وقد سئل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الصُّور كما جاء ذلك في السنن من حديث ابن عمر قال: «قرن» فعرفه النبي –صلى الله عليه وسلم- بأنه قرن أي: يشبه القرن يصدر منه صوت عظيم.

فنفخته الأولى: يصدر منها هذا الصوت فيحصل به صعق يموت به الخلائق وهم من لم يُقض عليه قبل البعث والنشور.

والثانية: نفخ يخرج به الناس من أجداثهم، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كم بين النفختين؟ - كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه - فقال: «أربعون» فقالوا له: أربعون يومًا؟ قال: أَبَيْتُ.

والقائل هو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، ومعنى: «أبيت» أي: أمتنع عن الجواب، فقيل له: شهر قال: أبيتُ. فقيل له: سنة فقال: أبيت. أي أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحديد لهاتين النفختين كم يكون بينهما.

فبقي الأمر على غير بيان من خبر سيد الأنام –صلى الله عليه وسلم- كم يكون بين النفختين من جهة التحديد باليوم أو بالشهر أو بالسنة.

  

إلا أن حصول هاتين النفختين مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجاء ذكرهما في القرآن، أما ذكرهما في القرآن فقد جاء ذلك في سورة الزمر قال الله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ[الزمر: 68].

فذكرت الآية نفختين؛ النفخة الأولى نفخة الصعق، والنفخة الثانية نفخة البعث والنشور وهي التي سئل النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة كم بينهما؟ فقال: أربعون. فسئل عن ذلك: هل هي أربعون يوما؟ أو أربعون شهرًا؟ أو أربعون سنة؟ فقال: أبيتُ.

  

ثم بيَّن أن هذا البعث والنشور هو للأبدان بعد بقاء جزء من الإنسان، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب الذنب منه» وهي آخر عظمة في فقراته فيها يركب الخلق أي منها يركب خلق الإنسان لذلك اليوم.

وقد اختلف العلماء رحمهم الله في عدد النفخات يوم القيامة، هل هو نفخة أو نفختان؟ والذي عليه الأكثرون من أهل العلم أنها ثلاث نفخات:

نفخة صعق، ونفخة بعث، ونفخة تكون يوم القيامة بعد بعث الناس لكنها ليست نفخة موت كلي لأنه يستثنى منها بعض خلق الله –عز وجل-.

أما النفخة الأولى فهي ما جاء في قوله –جل وعلا-: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ[الزمر: 68] وقد أخبر الله تعالى عن هذه النفخة في سورة النمل قال: ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ[النمل: 87] هذه النفخة هي نفخة الصعق التي جاءت في أية الزمر وهي نفخة تبتدئ بفزع وتنتهي بصعق أي يموت بها الناس وهي ما أشار إليه حديث عبد الله بن عمرو في صحيح الإمام مسلم أنه قال: «ينفخ في الصور فلا يسمع أحد» أي من الخلق الذين لم يموتوا «إلا أصغى ليتا ورفع ليتا»

أصغى ليتا أي: أعطى سمعه لهذه النفخة العظيمة، فمال برقبته إلى جهة الصوت ورفع ليتا ليسمع الصوت العظيم ويستبين ما هو.

قال: «وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله»، يلوط يعني يصلح حوض الإبل التي يشتغل على سقيها ورعيها وهذا يدل على غفلة الناس، وأنها تأتيهم بغتة كما قال الله تعالى: ﴿لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً[الأعراف: 187] يكون الناس مشتغلين بما هم فيه من مشاغل الدنيا «فيصعق ويصعق الناس حوله» هذا ما يكون في نفخة الصعق وهي التي ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ[النمل: 87] ثم هي التي في قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ[الزمر: 68].

وبعد ذلك يمكث الناس قدر ما يقدر الله تعالى من الغياب موتى أربعين مدة أربعين؛ كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- ولم يأت تحديد هذه المدة: هل هي أربعون سنة أو أربعون يوما أو أربعون شهرا، الله أعلم بذلك، ثم يرسل الله تعالى مطرًا كثيفًا كأنه الطل أو الظل فتنبت منه أجساد الناس، تنبت مما بقي من عجب الذنب كما ينبت الزرع، فإذا اكتمل نمو أبدانهم نفخ في الصور وأعيدت الأرواح إلى الأجساد، وهذا ما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى أي في الصور وهو القرن العظيم والذي ينفخ فيه ملك من الملائكة عظيم وهو إسرافيل عليه السلام.

ينفخ في الصور فتعاد الأرواح إلى الأبدان، فإذا هم قيام ينظرون وقد ذكر الله تعالى النفختين في سورة النازعات في قوله –جل وعلا-: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ[النزاعات: 6] وهي النفخة الأولى كما جاء ذلك في تفسير جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ﴿تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾[النازعات:7] وهي النفخة التي تقوم بها الناس من قبورهم وجلين فزعين مهطعين إلى الدار، كما قال تعالى: ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾[النازعات:8] أي بلغ بها الخوف والفزع مبلغًا عظيمًا.

  

تعاد الأرواح إلى الأجساد وتقوم القيامة، أي تقوم قيامة الناس وسميت القيامة بهذا الاسم لأن الناس يقومون فيها لرب العالمين حفاة عراة غرلا كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ[المطففين: 6] وكما قال جل في علاه: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ[الزمر: 68] وسميت القيامة بهذا الاسم أيضًا لأنه يقيم الله تعالى فيها الموازين ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ[الأنبياء: 47] هذا السبب الثاني من أسباب تسمية هذا اليوم بالقيامة.

ومن أسباب تسميته بهذا الاسم أن الله تعالى يقيم فيه الأشهاد، كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ[غافر: 51] فهذه ثلاثة أسباب في تسمية هذا اليوم بهذا الاسم؛ السبب الأول:- أنه اليوم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين.

السبب الثاني:- أن الله يقيم فيه العدل والميزان ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ[الأنبياء: 47].

السبب الثالث:- أنه يوم يقيم الله تعالى فيه الأشهاد على الناس فتشهد الرسل على أممهم وتشهد هذه الأمة على سائر الأمم، ويشهد كل إنسان على نفسه وتشهد الأعضاء على الإنسان، وتشهد الملائكة على الأفراد، كما قال تعالى: ﴿مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ[ق: 21] وهذا المراد بقوله: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ[غافر: 51] أي يوم يقوم من جعلهم الله تعالى محلًا للشهادة على الخلق.

إذًا تسمية هذا اليوم بهذا الاسم له كم سبب؟ له ثلاثة أسباب تسمية يوم القيامة بيوم القيامة أو بهذا الاسم وله أسماء عديدة، تسميته بهذا الاسم لهذه المعاني الثلاثة.

يقول: "وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه"، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة من محكم الكتاب فسمى الله تعالى القيامة باليوم الآخر، وسماها –جل وعلا- بأسماء عديدة في محكم كتابه كلها تدل على اليوم الذي يحشر فيه الناس لرب العالمين، فمن ذلك قوله –جل وعلا-: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ثم قال: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ[البقرة: 85].

فذكر القيامة في القرآن العظيم في آيات كثيرة، وقد أخبر الله تعالى عنها في كتابه تفصيلًا وذكرها بأسماء عديدة:

فسماه يوم القيامة، وسماه يوم التناد، وسماه اليوم الآخر وهو من الأسماء الكثيرة المتكررة في القرآن.

فقوله –رحمه الله-: "وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسله وأجمع عليها المسلمون" على النحو الذي أخبر به –صلى الله عليه وسلم- على النحو الذي جاء به الخبر في الكتاب والسنة وما أجمع عليه علماء الأمة من إحياء الموتى وقيامهم من قبورهم جميعًا لا يبقى منهم أحد يحشر الله –جل وعلا- جميع الخلق كما سيأتي ذكره في بقية كلام المؤلف.

فالقيامة يقوم فيها جميع خلق الله –عز وجل- بلا استثناء، الإنس والجن والحيوان وسائر من يأذن الله تعالى ببعثه ونشوره مما جاء الخبر بأنهم يعادون ويحكم بينهم ويفصل الله تعالى القضاء بينهم.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق