ما هي الاستطاعة التي يجب بها الحج؟
جاء عن أنس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن الاستطاعة بأنها ملك زاد وراحلة أخرجه الترمذي في السنن (813)، (2998)، وحسنه، وابن ماجة في السنن (2896)، (2897)، والدارقطني في السنن (2413)، (2418)، وصححه الحاكم في المستدرك (1613)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.، وأن الاستطاعة التي جعل الله تعالى الحج مَنوطًا بها هي أن يملك الإنسان زادًا وراحلة.
لكن هذا في الحقيقة من حيث إسناده تكلم عنه العلماء بما تبين به أن الحديث لا يصح، ومن حيثُ المعنى حتى لو قلنا بصحته، نحن نحتاج إلى أن نعرف أن ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الاستطاعة ليس حصرًا لهذه الصورة، إنما هو بيان لصورةٍ ومثال تتحقق بها الاستطاعة.
فالزاد عبارة عن القوت الذي يحفظ قوام البدن، والراحلة هي الوسيلة التي ينتقل بها الإنسان من مكان إلى مكان.
لكن فيما يتعلق بأهل مكة، هل يحتاجون إلى راحلة؟
من كانوا قريبًا من المشاعر، كالذي يسكن قريبًا من عرفة، أو قريبًا من منى، هؤلاء لا يحتاجون إلى راحلة، وإن كانوا قد يحتاجون إلى الزاد، لكن الراحلة لا يحتاجون إليها في تنقلاتهم.
وبالتالي جواب النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس، إنما هو جواب بالمثال، أما الاستطاعة في مفهومها الإجمالي العام فهي: القدرة على الوصول إلى مكة، وفعل المناسك، والعودة إلى مقر السكن.
هذا هو بالعبارة المختصرة.
القدرة هنا فُهم منها أنها قدرة بدن، وأنها قدرة مال، وأنها قدرة تتعلق بأمن الطريق، وقدرة تتعلق بوسائل عديدة يتحقق بها الوصول إلى المكان الذي فرض الله تعالى على أهل الإيمان قصده، وهو حج البيت الحرام، وهو الكعبة، البيت العتيق، أول بيت وُضع للناس كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ آل عمران: 96، 97، البيت هو ما تقدم ذكره.
هذا التعريف للاستطاعة يتبين به أن الحج لا يجب إلا على من كان قادرًا بماله، وبدنه، وما يتصل به من قُدراتٍ تمكِّنه من الوصول إلى البيت الحرام، وفعل المناسك، والعودة إلى مكانه، هذا هو مفهوم الاستطاعة المطلوبة في الحج.