الرئيسية > العقيدة > شرح العقيدة الواسطية > أركان الإيمان> (28) ولهذا قال سبحانه سبحان ربك رب العزة عما يصفون |
---|
قول المؤلف: "ولهذا قال سبحانه: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)﴾ [الصافات: 180 - 182]، فسبَّح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلَّم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب".
معنى وصفه سبحانه بالعزة:
قال -جلَّ في علاه-: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: 180]، فنزَّه الله - عزَّ وجل - نفسه عن كل ما يتوهمه الجاهلون به سبحانه وبحمده، وقوله: ﴿رَبِّ الْعِزَّةِ﴾[الصافات: 180] أي: صاحبها جلَّ في علاه، فهو الموصوف بالعزة، فهو العزيز جلَّ في علاه، ومعنى العزة: أنَّه الذي يمتنع -سبحانه وبحمده- عن أن يناله نقصٌ أو أن يُوصف بعيب، فهو المُنزَّه عن النقائص والعيوب جلَّ في علاه، لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في شرعه ودينه، ولا في فعله، ولا فيما يجب له سبحانه وبحمده، بل هو المُنزَّه عن كل نقصٍ وعيب في كل شأنه سبحانه وبحمده، ومَنْ عَظُمَ قدر ربه في قلبه علم أنَّ ربه جليلٌ عظيمٌ لا يتطرق إليه شيءٌ من النقص الذي يتوهمه المتوهمون.
معنى قوله سبحانه: ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾:
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾[الصافات:180]؛ أي: عما يصفه به الجاهلون من المشركين الذين يعبدون غيره، ومن المنحرفين الذين يُعطِّلون أسماءه وصفاته، ومن المُشبِّهين الذين يريدون الشُبه لإبطال ما جاء في الكتاب والسنة وما دلَّت عليه الأدلة من عظيم شأنه في أسمائه وصفاته سبحانه وبحمده.
معنى قوله سبحانه: ﴿وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾:
ولما كان طريق الرسل أسلم الطرق، لما كان طريق الرسل أقوم السبل، سلَّم الله على رسله لأنهم سالمون من كل انحرافٍ وميلٍ وزيغٍ وكذبٍ وضلال؛ فقال: ﴿وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: 181]، لماذا سلَّم على المرسلين؟ لأنَّهم استحقوا السلام لسلامة أقوالهم، واعتقاداتهم، وما يكون مما جاءوا به من كل نقصٍ أو عيبٍ في شأن الله عز وجل.
﴿وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾[الصافات: 181].
معنى قوله سبحانه: ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾:
ثم قال: ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الصافات: 182]، هذه الآية الكريمة التي يردِّدها كل مؤمن في كل صلاة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الفاتحة: 2]، تثبت الكمال لله في أسمائه، الكمال لله في صفاته، الكمال لله في أفعاله، تُثبت أنه مُنزَّهٌ -جلَّ في علاه- عن كل نقصٍ وعيب، كيف هذا؟ لا يُحمد الناقص ولا المعيب، لا يُحمد إلا من كمُلت أسماؤه، ومن كمُلت صفاته، ومن كمُلت أفعاله، والحمد موجبه وسببه كمال المحمود، بغضِّ النظر عن أن يصلك منه إحسان، أو أن يرد إليك منه إنعام؛ فإنَّ الذي يقابل الإحسان والإنعام هو الشكر، وأما الحمد فإنك تحمد من لم يصل إليك فضله لكماله وبهائه وجميل صفاته.
ولهذا لم يكن الشكر هو المذكور في افتتاحيات سور الكتاب الحكيم في عدد من المواضع، لماذا؟ لأنَّ الحمد أكمل من الشكر، فالحمد لكمال المحمود، وأما الشكر فلإنعامه ولو لم يكن كاملًا، فأنت تشكر من هو أنقص منك على إحسانه إليك، لكنك تحمد من هو أحسن منك ولو لم يصل إليك إحسانه، فله الحمد جلَّ في علاه؛ ولذلك ختم تنزيهه وتسليمه لرسله بحمد نفسه؛ لأنه الكامل في أسمائه، الكامل في صفاته، الكامل في أفعاله جلَّ في علاه، فله الحمد في الأولى والآخرة، ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الصافات:182].
خلق الله تعالى مهما أوتوا علمًا فإنهم لا يبلغون تمام حقه في الحمد:
يقول المصنف: "فسبَّح نفسه" أي: نزَّهها، "عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلَّم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب"، ثم حمد نفسه لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، وأنَّ الخلق مهما بلغوا علمًا به فإنهم لا يتمكنون من بلوغ تمام حقه في الحمد.
من أعلم الناس بربه أيها الإخوة؟ منْ؟ أسألكم: منْ أعلم الناس بالله عز وجل؟ النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا يقول يوم القيامة في الشفاعة: «فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ – يعني من الثناء عليه وحمده - أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِي الآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا» أخرجه البخاري (7510)، ومسلم (193) فيُدرك من كمال الرب وعظيم قدره وموجبات حمده ما ليس مُدركًا له الآن مع أنَّه أعلم الخلق بربه؛ كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا» أخرجه البخاري (20) ، ومع هذا يُفتح له من العلم بالله في ذلك اليوم ما يعرف به من كمالات الرب سبحانه وبحمده، وجلاله، وعظمته ما يُوجب حمده والثناء عليه سبحانه وبحمده.
التعليق | |
جميع الحقوق محفوظة لمنصة اسوار المعرفة@2021 - تصميم وبرمجة إنجاز إن