قال - رحمه الله -: "فتوحيد الألوهيَّة هو المطلوب من العباد؛ ولهذا كان أصل "الله" الإله، كما هو قول سيبويه، وهو الصحيح، وهو قول جمهور أصحابه إلا من شذَّ منهم.
وبهذا الاعتبار الذي قررنا به الإله وأنه المحبوب؛ لاجتماع صفات الكمال فيه، كان الله: هو الاسم الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العليا، وهو الذي ينكره المشركون".
يقول - رحمه الله -: "فتوحيد الألوهية"؛ توحيد الله في العبادة، إفراد الله بالعبادة، ألَّا يعبد غير الله؛ هو المطلوب من العباد؛ دليل ذلك قول الله - تعالى -: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء:25]، وقوله - تعالى -: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾[النحل:36].
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ، وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ» أخرجه مسلم (23) .
فبيَّنت هذه النصوص ونحوها أنَّ المطلوب من العباد هو الإقرار بأنه لا معبود حقٌّ إلا الله؛ وهذا ليس إقرارًا فقط باللسان، بل هو إقرار باللسان، واعتقاد بالقلب يتبعه عمل، فمن يقول: لا معبود حق إلا الله، ويدعو غير الله، ويصرف النذور لغير الله، ويتقرب إلى غير الله، ويعتقد أن غير الله ينفع أو يضر استقلالًا - فلا شك أنه لم يحقِّق لا إله إلا الله.
ثمَّ قال المؤلف - رحمه الله - بعد أن بيَّن أنَّ توحيد الإلهية وهو إفراد الله - تعالى - هو المطلوب من العباد: "ولهذا كان أصل الله"؛ أي: لفظ الجلالة "الله" أصله: "الإله"؛ فهو مشتق من الإله كما هو قول سيبويه؛ إمام اللغة، "وهو الصحيح، وهو قول جمهور أصحابه إلَّا من شذَّ منهم"؛ يعني من أهل اللغة.
قال: "وبهذا الاعتبار الذي قررنا به الإله وأنه المحبوب؛ لاجتماع صفات الكمال فيه، كان الله: هو الاسم الجامع"، لماذا الإله؟ لأن الإله هو الذي تعبده القلوب محبةً وتعظيمًا، هو الذي تألهه القلوب محبةً له وإجلالًا؛ هذا معنى الله، فالله هو الذي تألهه القلوب وتعظمه وتحبه إجلالًا له - سبحانه وبحمده -؛ لما له من صفات الكمال، ولما له من الأسماء الحسنى، ولما له من جميل الأفعال؛ ولهذا يقول- رحمه الله -: "كان الله"؛ أي: كان اسم الله - عزَّ وجلَّ -؛ هذا الاسم العظيم "هو الاسم الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى، والصفات العليا".
وقد قيل: إن الاسم الأعظم لله هو الله، استدلوا لذلك بعدد من الأدلة، منها:
- أنَّه لا يسمى به غير الله.
- وأنَّ هذا الاسم عندما يذكر مع غيره من أسماء الله - عزَّ وجلَّ - يذكر ابتداء وغيره يأتي تابعًا له؛ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ﴾[الفاتحة:1]﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾[الحشر:22]﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ﴾[الحشر:23]؛ كلها تأتي تابعة لاسم الله - جلَّ في علاه -، للاسم العظيم.
ولهذا عدَّه بعض أهل العلم الاسم الأعظم لله عزَّ وجلَّ، والمؤلف - رحمه الله - يشير إلى هذا المعنى بقوله: "كان الله"؛ أي: اسم الله - جلَّ في علاه - "هو الاسم الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العليا".
فكلُّ أسماء الله، وكلُّ صفاته ترجع إلى هذا الاسم، ويمكن الاستدلال عليها بهذا الاسم، إما دلالة مطابقة، وإما دلالة تضمن، وإما دلالة التزام كما هو معروف في أنواع الدلالات.
قال: "وهو الذي ينكره المشركون"؛ المشركون ينكرون هذا الاسم، والمقصود: ينكرون معناه؛ فإنَّهم لا يقرُّون بأنَّ الله - تعالى - هو المعبود الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، بل يجعلون غيره معبودًا معه - سبحانه وبحمده -، وقد قالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:5].