قال - رحمه الله -: "والكتب الإلهيَّة كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وتردُّه، وتقبِّح أهله، وتنص على أنهم أعداء الله - تعالى -، وجميع الرسل - صلوات الله عليهم - متفقون على ذلك، من أولهم إلى آخرهم، وما أهلك الله - تعالى - من أهلك من الأمم إلاَّ بسبب هذا الشرك، ومن أجله. وأصله: الشرك في محبة الله".
هنا الآن يبيِّن المؤلف - رحمه الله - ما ذكرت قبل قليل من أنَّ جميع المرسلين جاءوا بهذه الدعوة العظيمة الكريمة التي الناس أحوج ما يكونون إليها في كل عصر، ومصر؛ وهي الدعوة إلى لا إله إلَّا الله.
الدعوة إلى تحقيق هذه الكلمة ليس فقط باللسان، فقول اللسان حتى يكون من أهل النفاق الذين يظهرون ما لا يبطنون، ويسرون في قلوبهم ما لا يجهرون به، بل لا بد من أن يكون هذا العقد قائمًا في القلب، وناطقًا به اللسان.
فلا بد أن يكون القلب معتقدًا أنَّه لا يستحق العبادة سوى الله - جلَّ في علاه -، لا تصرف العبادة لغيره؛ لهذا جاءت الرسل من أولهم إلى آخرهم بيَّنت ضلال هؤلاء، وكذبهم، وزورهم، وبيَّنت أنَّ الشرك طريق الهلاك؛ فإنَّ الشرك يفضي بأصحابه، وبأهله إلى مواطن العطب في الدنيا والآخرة، فالشرك ظلم عظيم، ﴿وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾[آل عمران:57].
وقد حرمَّ الظلم - جلَّ وعلا -، وبيَّن عاقبة أهله، وشؤم مآلهم؛ فإنَّ مآل أولئك إلى الهلاك، يقول الله - تعالى -: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء:25]، وقال - تعالى -: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾[النحل:2]؛ على هذا جاءت الرسل؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» أخرجه البخاري (3443)، ومسلم (2365) ؛ دينهم واحد: هو التوحيد، كما قال الله - تعالى-: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء:92]، وفي الآية الأخرى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾[المؤمنون:52].
ثمَّ بعد أن بيَّن ما بيَّن من خطورة هذا المسلك وهو الشرك في إلهية الله - عزَّ وجلَّ - بيَّن كيف يقع الشرك؟ أو ما هو مبدأ وقوع شرك الإلهية في قلوب الخلق.