تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1534

التاريخ : 2018-01-25 02:54:09


قال - رحمه الله -: "وأصله: الشرك في محبَّة الله، قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165]، فأخبر سبحانه أنه من أحبَّ مع الله شيئًا غيره كما يحبُّه فقد اتّخذ ندًّا من دونه. وهذا على أصح القولين في الآية: أنهم يحبونهم كما يحبون الله".

يقرر - رحمه الله - أن أصل الشرك الذي حاربته الرسل، وبعث الله - تعالى - لإنكاره نوحًا، ومن بعده من المرسلين إلى خاتمهم سيد المرسلين - صلوات الله وسلامه عليهم -؛ الشرك الذي حذرت منه الرسل، وأخبر الله - تعالى - بأنَّه ظلم عظيم؛ مبدأه، ومنطلقه، وأصله الشرك بالمحبة؛ الشرك في محبة الله - عزَّ وجلَّ - أن يحب غير الله كما يحب الله - عزَّ وجلَّ -؛ هذا مبدأ الشرك الذي نهت عنه الرسل، وقد أخبر الله - تعالى - في كتابه عن هذا الشرك في أول ما ذكر من صور الشرك؛ وذلك في قوله - تعالى -: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165].

يقول - رحمه الله -: "وأصله"؛ أصل الشرك في الإلهية الشرك في محبَّة الله - تعالى -، كما قال - تعالى -: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا ﴾[البقرة:165]؛ أي أمثالًا، ونظراء يسوونهم بالله - عزَّ وجلَّ - ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾[البقرة:165]؛ يحبونهم مثل ما يحبون الله - عزَّ وجلَّ -.

ومعلوم أنهم إذا سووا غير الله بالله في المحبة فقد أشركوا مع الله غيره، وسووا به سواه، وكانوا بذلك خارجين عن التوحيد الذي جاءت به المرسلون، والذي فطر الله – تعالى - عليه قلوب الخلائق، «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» أخرجه البخاري (1358)، ومسلم (2658) .

يقول - رحمه الله -: "فأخبر سبحانه أنَّه من أحب مع الله شيئًا غيره كما يحبه"؛ أي مثل ما يحبه - جلَّ في علاه - فقد اتخذ ندًّا من دونه، والله – تعالى - يقول: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:22]؛ أي: لا تُصيِّروا مع الله أمثالًا ونظراء في أي أمر كان ومن ذلك في محبته، فلا تجعلوا محبوبًا لكم يكون في المرتبة والمنزلة كمحبتكم لله - عزَّ وجلَّ -؛ فإنَّ ذلك من الشرك ومن الكفر الذي يوقعكم في سيئ العواقب ورديئها.

  

يقول الله - جلَّ وعلا -: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا ﴾[البقرة:165]؛ أي أمثالًا يحبونهم كحب الله، ثمَّ يقول: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165]؛ الذين آمنوا أعظم محبة لله من هؤلاء المشركين في محبتهم لله، لماذا؟ لأنَّهم أفردوا المحبة لله، فليس في قلوبهم محبوب سواه، ومعلوم أنَّ من وحَّد اتجاهه وقلبه إلى الله - عزَّ وجلَّ -، فهو أعظم محبةً، وأكبر إقبالًا، وأعظم انجذابًا إلى الربِّ من ذاك الذي فرَّق قلبه بين شركاء، فصرف هذا لهذا حبًّا، ولهذا حبًّا، وأعطى الله شيئًا من الحب؛ فإنَّه يكون بذلك ضعيف المحبة.

يقول - رحمه الله -: "وعلى هذا أصح القولين في الآية أنَّهم يحبونه كما يحبون الله"؛ ويشير بهذا إلى أنَّ في الآية قولين:

القول الأول: أنَّ المشركين يحبون الله وغيره، والمؤمنون أشد حبًّا لله من المشركين الذين يحبون الله وغيره؛ وهذا المعنى الذي ذكرناه قبل قليل.

القول الثاني: أنَّ المؤمنين أشدُّ حبًّا لله من حبِّ هؤلاء المشركين لآلهتهم التي عبدوها من دون الله؛ هذا المعنى الآخر، وهو معنى صحيح.

والترجيح لمعنى على معنى لا ينفي أن يكون المعنى صحيحًا، فكلا المعنيين صحيح.

  

فبالتأكيد أن المؤمنين أعظم محبة لله؛ لأنَّ كمالات الله - عزَّ وجلَّ - ليست لأحد سواه، فإذا كان كذلك فإنَّه لن يجد القلب حبًّا يملؤه ويعمره كمحبة الله - عزَّ وجلَّ -؛ ذاك أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - فطر في قلوب الخلق محبته، وتوالى إحسانه لعباده، وكملت أسماؤه وصفاته، فكان ذلك موجبًا لعظيم محبته - جلَّ في علاه -، الفطرة، الإحسان، الكمال؛ كله لا يوجد في غير الرحمن - جلَّ في علاه -، وبالتالي الذين آمنوا أشد حبًّا لله؛

فالقلب مضطر إلى محبوبه الـ *** أعلى فلا يغنيه حب ثان

فمهما توجه العبد إلى محبة غير الله لا بد أن يجد في قلبه فاقة، وفقر، وقلق، لا يسكن هذا القلق، ولا يذهب ذلك الفقر، ولا تضمحل تلك الفاقة إلَّا بماذا؟ إلَّا بالله - عزَّ وجلَّ -؛ ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾[طه:124]؛ لذلك ينبغي أن يستحضر المؤمن هذا المعنى؛ أن حبَّ الله - عزَّ وجلَّ - في قلب المؤمن لا يمكن أن يماثله حبُّ أحد من المحبوبات التي يحبُّها الخلق، ويصرفون لها أنواع العبادات،

فالقلب مضطر إلى محبوبه الـ *** أعلى فلا يغنيه حب ثان

وهذا الحب هو مفتاح الصلاح، هو مفتاح النجاح، هو مفتاح السعادة،

وصلاحه وفلاحه ونعيمه *** تجريد هذا الحب للرحمن

فبقدر ما يجرد الإنسان هذا الحب لله، ويفرد الله – تعالى - به ينال من السعادة.

فإذا تخلى عن هذا المعنى وصرف قلبه في المحبوبات؛

فإذا تخلى منه أصبح حائرًا *** ويعود في ذا الكون ذا هيمان

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق