قال - رحمه الله -: "فلِمَ كان هذا القدر موجبًا لسخط الله - تعالى - وغضبه، ومخلدًا في النار، وموجبًا لسفك دماء أصحابه، واستباحة حريمهم وأموالهم؟، وهل يجوز في العقل أن يشرع الله - تعالى - لعباده التقرُّب إليه بالشفعاء والوسائط؛ فيكون تحريم هذا إنما استفيد بالشرع فقط، أم ذلك قبيح في الشرع والعقل، يمتنع أن تأتي به شريعة من الشرائع؟ وما السر في كونه لا يغفر من بين سائر الذنوب، كما قال – تعالى -: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾[النساء:48]؟".
يقول – رحمه الله -: "فلِمَ كان هذا القدر موجبًا لسخط الله - تعالى - وغضبه"؛ إذا كان هذا هو ما حملهم على الشرك، فلماذا كان هذا القدر من الاعتقاد بأنَّه لا بد بين الخلق وبين الله من وسائط لقضاء الحاجات وبلوغ الآمال؛ "لِمَ كان هذا القدر موجبًا لسخط الله وغضبه ومخلدًا في النار، وموجبًا لسفك دماء أصحابه، واستباحة حريمهم وأموالهم؟"؛ كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22). لِمَ ذلك؟ هل هو في أمر يسير، أم أنَّه في أمر عظيم؟
الجواب: أنَّه في أمر من أكبر الأمور خطرًا، وأعظمها ضررًا، وأكبرها فسادًا في الأرض، إنَّه الظلم العظيم؛ وهو تسوية غير الله بالله ربِّ العالمين ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان:13]؛ لذلك كان هذا القدر من الاعتقاد بجواز التوجه إلى غير الله – عزَّ وجلَّ - في قضاء الحاجات، ونيل المطلوبات، ووجود واسطة بينك وبين الله كان هذا القدر موجبًا لهذه العقوبة العظيمة.
هل هذا التحريم وهذا المنع في ميزان الشرع فقط، أم أنَّه مستفاد أيضًا من دلالة العقل؟
يقول – رحمه الله -: "وهل يجوز في العقل أن يشرع الله - تعالى - لعباده التقرُّب إليه بالشفعاء والوسائط، فيكون تحريم هذا إنَّما استفيد بالشرع فقط؟" يعني: هل النهي عن الشرك بالله – عزَّ وجلَّ - دلالته شرعية ليس في دلالة العقل ما يعارضه؟ أم ذلك قبيح في الشرع والعقل، يمتنع أن تأتي به شريعة من الشرائع؟ هذا سؤال، وسيجيب عليه المؤلف – رحمه الله -، والجواب معجلًا: أنَّ العقل والشرع دالَّان على أن الكمال في أنَّه لا واسطة بين الخلق وبين الملك العلام – جلَّ في علاه -؛ هذا هو الذي يدل عليه العقل، وهذا هو الذي يدل عليه الشرع كما مثَّلت لكم تمامًا في هذا المثال الذي هو في حال الخلق؛ فإنَّ من كان قريبًا من الناس يقضي حوائجهم أعظم في نفوسهم من الذي بينه وبين الناس وسائط، ولا يوصل إليه إلَّا بعناء ومشقة، فإذا كان ذلك في حال الناس وإدراكهم، فهو كذلك في شأن الرب – جلَّ وعلا -، فلله المثل الأعلى، وله الكمال الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه؛ وهذا من القياس الأولوي الذي يُثبت فيه المؤمن الكمال لله – عزَّ وجلَّ -، وأنَّه أولى به، وأحرى من غيره؛ كما دلَّ عليه الكتاب والسنة.
قال: "وما السر في كونه لا يغفر من بين سائر الذنوب"؛ ما السبب في أنَّ الشرك، واعتقاد الوسائط بينك وبين الله في قضاء الحوائج أنَّه دنب لا يغفره الله – تعالى - كما قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48]؟
ثمَّ بعد ذلك شرع المؤلف – رحمه الله - في الجواب على هذه الأسئلة، وملخصها: أنَّه سأل – رحمه الله - لماذا كان هذا الذنب؛ وهو الشرك موجبًا للسخط، مبيحًا للدم والمال في حقِّ المشركين؟ هل الشرك مما تنهى عنه العقول كما تنهى عنه الشرائع؟ لماذا كان هذا الذنب خارجًا عن مغفرة الله؛ إذ إنَّ مغفرة الله لا تصيب من وقع في الشرك ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48]؟