تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1543

التاريخ : 2018-03-12 15:24:42


"والباء المثبتة التي وردت في القرآن هي باء السببية؛ ردًّا على القدرية الجبرية الذين يقولون: (لا ارتباط بين الأعمال وجزائها، ولا هي أسبابٌ لها، وإنما غايتها أن تكون أمارة).

والسنة النبويَّة هي أن عموم مشيئة الله وقُدرته لا تُنافي ربط الأسباب بالمسببات وارتباطها بها، وكل طائفةٍ من أهل الباطل تركت نوعًا من الحق".

هذه قاعدة مهمة في معرفة أسباب الضلال، أسباب الضلال أنَّ كل فئةٍ من فئات الضلالة لم تأخذ النصوص لمجموعها، إنما أخذت بعض النص وتركت البعض، فما عندها من الحق هو ببعض ما عندها مما دلت عليه الأدلة، لكنه لم يكتمل في حقها صواب النظر، ولم يكتمل في حقها معرفة الهدى؛ لأنها عَوْرَاء، نظرت إلى النصوص بعينٍ وأغفلت بقية النصوص التي تكتمل بها هدايات القرآن وهدايات ما جاء به سيد الأنام - صلوات الله وسلامه عليه -.

هذه لفتة في غاية الأهمية؛ أنَّ كل طائفة من أهل الباطل - أي: من المنحرفين عن الصراط المستقيم الخارجين عن طريق أهل السنة والجماعة - إنما أخذت ببعض الحق وتركت بعضه؛ فالجبريَّة أخذوا بالنصوص الدالة على ما اعتقدوه من قُدرة الله ونفوذ أمره، وأولئك أخذوا ببعض النصوص التي دلَّت على بعض ما لديهم من أنَّ العبد له فعل، وله عمل، وله تأثير، فلما لم تكتمل الرؤية لهؤلاء وهؤلاء وَلَجُوا جَنَبَات الطريق وتركوا الصراط المستقيم. والحق هو في لزوم الصراط المستقيم الوسط الذي يترك الانحراف يمنةً أو يسرة.

  

"وكل طائفةٍ من أهل الباطل تركت نوعًا من الحق؛ فإنها ارتكبت لأجله نوعًا من الباطل، بل أنواعًا، فهَدَى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه.

الصِنف الثالث: الذين زعموا أن فائدة العبادة رياضةُ النفوس واستعدادها لفيض العلوم والمعارف عليها، وخروج قواها من قوى النفس السبعية والبهيمية، فلو عُطِّلَت العبادة لالتحقت بنفوس السباع والبهائم، فالعبادة تخرجها إلى مشابهة العقول، فتصير قابلةً لانتقاش صور المعارف فيها. وهذا يقوله طائفتان".

هذا هو المسلك الثالث: الذين أثبتوا العلة والحكمة في الشرائع، لكنهم قصروا ذلك على وجهٍ من وجوه المقاصد في العبادات، قالوا: "المقصود بالعبادات رياضة النفوس"، أي: ارْتِيَاضُها؛ بتهذيبها، وخروجها عن مقتضيات المعاني الرديئة من خصال السِّباع أو الخصال البهيمية التي تُخْرِج الإنسان عن السمو؛ ولهذا يرون كل ما جاءت به الشريعة من أمرٍ ونهي إنما هو لأجل تحقيق هذه الغاية، وهذا معنى صحيح في الجملة، لكنهم ضلوا حيث قصروا الغاية والحكمة في هذه الصورة، ثم إنه ترتب على هذا القصر للحكمة بهذا الأمر أنواع من الضلالات، وهو ما أشار إليه في أقسام هؤلاء الذين غَلَوْا في تفسير حِكمة الشريعة بهذا المقصد؛ فوقعوا في نوعين من الضلال.

  

يقول - رحمه الله -: "وهذا يقوله طائفتان:

إحداهما: مَن يَقْرَبُ إلى الإسلام والشرائع مِن الفلاسفة القائلين بقِدَم العالَم وعدم الفاعل المختار.

والطائفة الثانية: من تفلسف من صوفية الإسلام وتقرَّب إلى الفلاسفة؛ فإنهم يزعمون أنَّ العبادات رياضاتٌ لاستعداد النفوس للمعارف العقلية ومخالفة العوائد.

ثم من هؤلاء من لا يوجب العبادة إلا بهذا المعنى، فإذا حصل لها ذلك بقي متحَيِّرًا في حفظ أوراده أو الاشتغال بالوارد عنها، ومنهم من يوجب القيام بالأوراد وعدم الإخلال بها، وهم صنفان أيضًا".

هذا ثمرة ذلك؛ حيث إن هؤلاء يقولون: إن النفوس إذا ارتاضت وبلغت منزلةً من السمو والعلو فإنه يَتخلى في هذه الحال عن الحاجة إلى الأمر والنهي، لا تكون عنده حاجة إلى الأمر والنهي؛ لأن نفسه سمتْ، حصَّل مقصود الشريعة في الأمر والنهي وهو سمو النفس، وبالتالي يقعون في إشكال أنهم إذا بلغ أحدهم هذه المنزلة كما يزعمون؛ فهل يلتزم بشرائع الإسلام؛ الأمر والنهي، أو أنها تسقط عنه؛ لأنه بلغ منزلة اليقين كما يزعمون، وهي منزلة الرياضة للنفوس التي يخرج بها الإنسان عن خصال النقص التي تقتضيها الجبلة والطبيعة؟!

يقول - رحمه الله - فيما يفعله هؤلاء إذا حصل عندهم هذه المرتبة وبلغوا هذه المنزلة: "وهم صنفان أيضًا: أحدهما: من يقول بوجوبها حفظًا للقانون وضبطًا للناموس" يعني: حفظ الشرائع، التزام الأمر والنهي؛ لأجل أن يمضي حكم الله، وأيضًا لئلا يختل النظام، لا لأنها ضرورة والعباد بحاجة إليها، بل لأن ذلك إذا تُرِك اختل النظام، فيدَّعي من ليس بالغًا هذه المنزلة - منزلة الرياضة التامة واليقين - يدَّعي أنه قد بلغ وهو لم يبلغ، فالإلزام بها لمجرد الضبط وليس للحاجة إليها.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق