الرئيسية > المستوى الأول > أسباب حياة القلوب > منظومة أسباب حياة القلوب> (32) ومن ذاك إحساس المحب لقلبه |
---|
... إحساسُ المحبِّ لقلبهِ |
|
بضربٍ وتحريكٍ إلى اللهِ دائما |
أي: من دلائل صحة القلب، ومن دلائل سلامة الفؤاد، ومن دلائل وقاية القلب مما يكون من أسباب الهلاك أو المرض أن ينجذب القلب إلى الله عزَّ وجل، هذا معنى قوله رحمه الله: "إحساسُ المحبِّ لقلبهِ بضربٍ" بضربٍ أي: بحركة واضطراب إلى أن يصل إلى مُبتغاه.
وأضاف الحركة للقلب؛ لأن القلب هو السائر إلى الله جلَّ في عُلاه، فالسائر الحقيقي سيرُ القلوب لا سير الأبدان، فالأبدان تتبع القلب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله».
وإنما يكون صلاح القلب بإقباله على ربه، فإذا تحرك القلب نحو الله عزَّ وجل بالطاعة والإحسان والقيام بحقوق الرحمن جلَّ في عُلاه انقادت الجوارح ولا بُد، إلا أن يكون هناك عجز، وإذا كان هناك عجز بلغ الإنسان الأجر والثواب ولو لم يعمل، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء:100]، فالله عزَّ وجل بلَّغه مبتغاه لما حال دونه ودون ما يبتغي حائلٌ خارج عن اختياره وهو الموت.
وكما جاء في حديث أنس وفي حديث جابر في خبر الذين تخلفوا عن غزوة تبوك "غزوة ذات العُسرة" لأجل العُذر، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أقوامًا في المدينة ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا شاركوكم في الآجر، قالوا: وهم في المدينة يا رسول الله؟ قال: وهم في المدينة، حبسهم العُذر»، وفي رواية: «حبسهم المرض»، فهؤلاء بلغوا ما بلغوا من الأجر والثواب والفضل بما فتح الله تعالى عليهم من النية الصالحة، والعزيمة الصادقة، والرغبة الجازمة في إدراك طاعة الله عزَّ وجل، لكن عجزوا عن ذلك بأبدانهم فبلغهم الله آمالهم، وأدركوا ما يؤملون من الأجور بما قام في قلوبهم من صحة الإقبال على الله عزَّ وجل.
هذا ما فُهم من كلام المؤلف رحمه الله في قوله:
ومِنْ ذاك إحساسُ المحبِّ لقلبهِ |
بضربٍ وتحريكٍ إلى اللهِ |
أي: في السير إليه، والسير إلى الله عزَّ وجل الناس فيه متفاوتون، أشار إلى ذلك الحديث الذي في الصحيحين من حديث أبي هريرة: «من تقرب إلى شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولا»، فالناس متفاوتون في السعي إلى الله عزَّ وجل، وكلما حفز الإنسان نفسه في طاعة الله عزَّ وجل أدرك من الإقبال من ربه ما يكون عونًا له على المزيد.
ولهذا أهل الطاعة لما يجدونه من بهجة الطاعة ونعيمها تُقلقهم أنفسهم إذا فقدوا الطاعة، وتجد منهم ألمًا على فوات ما كان من طاعة، وتجد منهم تحملًا للمشاق في سبيل القيام بطاعة الله عزَّ وجل، يُشير إلى ذلك قول الحق جلَّ في عُلاه: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة:16]، فالله عزَّ وجل أخبر عن هؤلاء أن جنوبهم تتجافى أي: تُبعد عن أماكن النوم؛ لما في قلوبهم من الابتهاج بلقاء الله عزَّ وجل، ولما في قلوبهم من السرور بمناجاته، فلما تحرك القلب تبعه البدن فكان التجافي للجنوب تابعًا لعظيم الرغبة، فلا تقر جنوبهم على حالٍ في فُرشهم بل يجدون ما يُقلقهم للقيام بين يدي ربهم جلَّ في عُلاه، وهذا من تحرك القلب وسفره وعظيم رغبته فيما عند الله تعالى دائمًا.
فالانجذاب إلى الله تعالى لا ينقطع، بل المؤمن دائم الرغبة فيما عند الله حتى في سياق الموت، تأتيه البشائر فيرى من ملائكة الرحمة ما ينجذب به إلى لقاء ربه فيحب لقاء ربه، «ومن أحب لقاء الله أحب الله لقائه»، وذاك في حال السياق عندما يرى المؤمن من البشائر والروح والريحان ما يُسر به فينجذب إلى لقاء ربه فيرغب في لقاءه جلَّ وعلا بمفارقة بدنه لروحه، فيتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه».
جميع الحقوق محفوظة لمنصة اسوار المعرفة@2021 - تصميم وبرمجة إنجاز إن