وفيها دوامُ الذكرِ في كلِّ حالةٍ |
يَرَى الأنسَ بالطاعاتِ لله مغْنما |
هذا هو السبب الثاني عشر من أسباب صحة القلب، وعلامات صحته أن يشتغل الإنسان بذكر الله عزَّ وجل، والذكر هو من أجل العبادات، وأرفع القُربات، وأعظم القربات نفعًا في تحقيق صلاح القلب واستقامته، ولهذا جاء في الصحيح من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر بربه كمثل الحي والميت»، فهذا التمثيل هو بيان لعظيم أثر الذكر في القلب، فكلما زاد الإنسان ذكرًا لله عزَّ وجل زاد منه قربًا، وزاد له حبًا، وزاد لشرعه تعظيمًا وقيامًا.
فالذكر من أعظم ما يُعين الإنسان على القيام بحقوق الله عزَّ وجل، ولكن الذكر الذي يُثمر هذه الثمار هو ما كان في القلب واللسان والجوارح، فإن الذكر يكون بالقلب تفكرًا في آيات الله وأسمائه وصفاته وجلاله وعظمته، ويكون باللسان تحميدًا وتمجيدًا وتسبيحًا وتلاوةً لكتابه وأمرًا بالمعروف ونهيا عن المنكر وتعلمًا للعلم وتعليمًا له، وما إلى ذلك مما يكون من عمل اللسان فكله من ذكر الله، فالذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح في العمل بطاعة الله عزَّ وجل.
ويقول رحمه الله في الذكر الذي هو من أسباب صلاح القلب وعلامات استقامته في كل حاله، أو في كل حالة أن يكون ذكره دائمًا، لا مقتصرًا على حالٍ من الأحوال، وهذا ما كان عليه حال سيد الآنام صلوات الله وسلامه عليه، ففي الصحيح من حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يذكر الله في كل أحيانه»، يعني في كل أوقاته، فلا يخلو وقتٌ من أوقاته من ذكر الله عزَّ وجل.
وقد يقول قول قائل: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن وهو جنب كما في الحديث الصحيح عند الخمسة من حديث علي؛ «لم يكن يحبسه شيءٌ من القرآن إلا الجنابة»؟
فالجواب على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر ربه بقلبه، حتى في حالات امتناعه من تلاوة القرآن، وكمان أن الإنسان يذكر الله بلسانه حتى وهو على جنابة، فإنه لا يُمنع من ذكر الله عزَّ وجل بلسانه تسبيحًا وتحميدًا وتمجيدًا.
فقوله رحمه الله: «يذكر الله على كل أحيانه» يعني بقلبه وبلسانه وبجوارحه، فلا يخلوا حالٌ من أحواله من ذكر الله عزَّ وجل.
فالسبب الثالث عشر من أسباب صلاح القلب واستقامته، أن يرى الفوز والسبق والنجاة والنجاح في قيامه بطاعة الله عزَّ وجل، ولا يكون هذا إلا من أصحاب القلوب السليمة التي تُدرك أن الغنيمة والربح والفائدة في تحقيق طاعة الله عزَّ وجل.
ولهذا يقول: "يَرَى الأنسَ" الإنشراح والبهجة، "بالطاعاتِ" أي: بالقيام بها، "مغْنما" أي: ثمرةً ونتيجة تحفزه على مزيد عمل، وهذا ما أشرت إليه قبل قليل من أن من رحمة الله بعباده أن يُذيقهم بعض ثمار الصالحات، فيكون هذا حاملًا لهم على الاستزادة، وأن يُذيقهم شيئًا من عقوبات المعاصي والسيئات ليكون رادعًا لهم عن أن يمضوا في شيءٍ منها، وما كان من بلايا الدنيا من بلاء يتصل بالسيئة فإنه مُذكرٌ للإنسان أنها ليست دار قرار، وأنه لا يدوم لها حال في نعيمٍ وقرار، بل هي سريعة الارتحال.
"يَرَى الأنسَ بالطاعاتِ لله مغْنما" أي: يرى طاعة الله عزَّ وجل غنيمةً يفوز بها، وينجح بها.
جميع الحقوق محفوظة لمنصة اسوار المعرفة@2021 - تصميم وبرمجة إنجاز إن