قوله - رحمه الله -: (كتاب الاعتكاف) غالب ما جرى عليه أهل التصنيف في الحديث والفقه أن يذكروا أحكام الاعتكاف عقيب أحكام الصيام، ولا غرابة في ذلك؛ فإن الله تعالى عندما ذكر آيات الصيام ذكر في آخرها الاعتكاف في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾البقرة: 187.
وقوله: (الاعتكاف) مأخوذٌ من العكوف، فهو مصدر مأخوذ من اعْتَكَفَ يَعْتَكِفُ اعْتِكَافًا، وأصل المادة يدل على لزوم الشيء؛ فالاعتكاف هو لزوم شيء.
وفي الاصطلاح الشرعي: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى.
والمسجد المقصود به ما بُني للصلوات الخمس؛ قال الله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾النور: 36، ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾التوبة: 18 فهذا هو المقصود.
وليس المقصود بالمسجد موضع الصلاة؛ لأن موضع الصلاة يُسمى مسجدًا، ولو لم يكن مبنيًّا لذلك، إنما المقصود بالمسجد: المكان المبني المعد للصلوات الخمس.
وقوله: (لطاعة الله) بيان للغرض والغاية من الاعتكاف، وأن المقصود به طاعة الله - عز وجل -، والمقصود بالطاعة هنا كل ما يُتعبد به لله - عز وجل - من العبادات في المساجد؛ من تلاوة القرآن والذكر وتعلم العلم وتعليمه والصلاة وسائر أوجه العبادات، فالطاعة المقصود بها هنا الطاعة التي تختص هذه البقعة وما يمكن أن يكون فيها من أوجه القربات.
