مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 64

التاريخ : 2024-06-13 03:30:58


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

(فَصلٌ)

(ويَتعَيَّنَانِ، أي: الهَديُ والأُضحِيَةُ)

 أي: إن الهدي والأضحية يتعينان فيكونان واجبين بعينيهما، لأمور ذكرها المؤلف –رحمه الله-.

أولًا: الأمر الأول قال: يتعينان (بقولِه: هذا هَديٌ، أو: أُضحِيَةٌ أو: للَّه) –عز وجل-.

فإذا تلفظ بأحد هذه الثلاث الكلمات مشيرًا إلى بدنة أو بقرة أو شاة بعينها وجبت بذلك، وتعينت هديا أو أضحية، فإذا قال: هذا هدي، أو هذه أضحية، أو هذا لله، وأشار بذلك إلى شيء من بهيمة الأنعام وجبت بذلك وتعينت هديا أو أضحية؛ لأن هذا هو اللفظ الموضوع لذلك، (لأنَّه لفظٌ يَقتَضي الإيجابَ، فتَرتَّبَ عليه مُقتَضَاهُ) ، كلفظ الوقف هذا هو الأمر الأول الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-.

ولذلك قال: (فتَرتَّبَ عليه مُقتَضَاهُ).

هذا التعليل لأنه لفظ يقتضي الإيجاب، فترتب عليه مقتضاه وهو الوجوب.

قال: (وكذا: يتعيَّنُ بـإشعَارِه، أو تَقليدِه بنيَّتِه).

هذا الأمر الثاني يتعينان الهدي والأضحية بفعل ما يدل عليه من إشعار أو تقليد.

إذًا الهدي والأضحية يتعينان ويكونان واجبين بأمور: الأمر الأول: بالقول بأن يقول هذا هدي أو هذه أضحية أو هذه لله، فإذا تلفظ بهذه الألفاظ واختار بذلك إشارة إلى بدنة أو بقرة أو شاة، وجبت بذلك وتعينت هديا أو أضحية، والعلة في ذلك واضحة، لأن هذا اللفظ موضوع لذلك، وكما ذكر المؤلف –رحمه الله-:(لأنَّه لفظٌ يَقتَضي الإيجابَ، فتَرتَّبَ عليه مُقتَضَاهُ) أي: ترتب عليه لازمه كالوقف.

هذا الأمر الأول الذي يحصل به التعيين للهدي والأضحية.

الأمر الثاني قال: (وكذا: يتعيَّنُ بـإشعَارِه، أو تَقليدِه بنيَّتِه) ، هذا هو الأمر الثاني، فيتعينان الهدي والأضحية بالفعل، لكن الفعل المقترن بالنية، والفعل يشترط فيه أن يكون دالًّا على إرادة الهدي، وذلك بإشعار أو تقليد ونحو ذلك؛ لأن الفعل مع النية يقوم مقام اللفظ إذا كان الفعل يدل على المقصود، ومثلوا له بمن بنى بناء وأذن للناس في الصلاة فيه فإنه يكون مسجدًا

قوله –رحمه الله-: (لا بالنيَّةِ حالَ الشراءِ أو السَّوقِ، كإخراجِه مالًا للصَّدَقَةِ به).

أي: لا يحصل التعيين للهدي والأضحية بمجرد النية، ولا بالنية المقترنة بفعل لا يدل على الأضحية كالشراء أو السوق، وذلك لأن جعل المشتري ما اشتراه هديا أو أضحية هو إزالة ملك على وجه القربى، فلم تؤثر فيه النية المقارنة للشراء فيه، كالعتق والوقف، كما لو اشترى الإنسان عبدًا ليعتقه أو عقارًا ليوقفه، فإنه لا يكون بذلك وقفًا، فمجرد النية لا يتعين بها الهدي ولا الأضحية، كما لو أخذ دراهم معينة يريد أن يتصدق بها هذا المثال الذي ذكره المؤلف.

قال: (كإخراجِه مالًا للصَّدَقَةِ به)، فمجرد الإخراج الذي لم يرافقه العطاء، ونقل الملك في المال لا يكون صدقة لازمة بل له أن يرجع، وهذا محل اتفاق، ومثله السَّوق سوق الهدي من خارج الحرم من غير إشعار ولا تقليل، فإنه لا يكون بذلك تعيينًا؛ لأن السوق لا يختص بالهدي، والنية وحدها ضعيفة لا يحصل التعيين بمجردها، وبهذا يعلم أن الفعل في دلالته على التعيين أضعف من القول.

فلا بد أن يكون الفعل يدل على إرادة الهدي أو الأضحية، أما إذا كان لا يدل أو كان محتملًا للدلالة، فإنه لا يفيد التعيين.

  

قال –رحمه الله-: (وإذا تعيَّنَت هَديًا أو أُضحَيَةً لم يجُزْ بيعُها، ولا هِبَتُها لتعلُّقِ حقِّ اللَّهِ بها، كالمنذورِ عِتقُهُ نذرَ تبرُّرٍ)

 أي: إن تعيين الهدي والأضحية ترتب عليه أنه لا يجوز نقل الملك فيها، لا بمعاوضة كالبيع، ولا بتبرع كالهبة يدل لذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمر بقسم جلود الهدي وجلالها، ونهى أن يعطى الجازر منها شيئًا، لماذا؟

لأنه في معنى البيع، إعطاء الجازر من الهدي أو الأضحية في معنى البيع، وذلك أن الجازر له أجرة، فإعطاؤه من الهدي أو الأضحية أجرة هو نوع من البيع، وكذلك لا يجوز هبتها كالبيع لما فيهما من إزالة الملك بالكلية، وذلك لأنه جعلها لله فلم يجز بيعه ولا هبته كالوقف، فالوقف لا يجوز هبته.

ولذلك قال: (وإذا تعيَّنَت هَديًا أو أُضحَيَةً لم يجُزْ بيعُها).

قال: (ولا هِبَتُها) وعلل ذلك قال: (لتعلُّقِ حقِّ اللَّهِ بها) ، فلا يجوز إخراجها هبة ولا الصدقة بها، فهو كالمنذور عتقه نذر تبرر، لعجزه عن تسليمه شرعًا، إذ إنه يلزمه أن يفي بما نذر، هذا معنى قوله: (كالمنذورِ عِتقُهُ نذرَ تبرُّرٍ)، يعني كالذي نذر أن يعتق لله –عز وجل-.

وقولهم في التعليل لعجزه عن تسليمه شرعا المقصود به أنه تعلق به حق الله، فلم يكن له أن يتصرف فيه، فليس له أن يسلمه لأحد ما دام أنه جعله لله –عز وجل-.

  

قوله –رحمه الله-: (إلَّا أن يُبدِلَها بخيرٍ مِنها فيجوزُ).

أي: إن تعيين الهدي أو الأضحية لا يمنع إبدالهما بخير منهما، فلو عين هديًا أو أضحية لم يكن هذا مانعًا من إبداله بخير منه، بل يجوز إبداله إلى ما هو خير؛ لأنه عدول عن المعين إلى خير منه من جنسه، فيجزئ عنه كما لو وجب عليه بنت لبون مثلا في الزكاة فأخرج حقَّه أعلى منها، وإنما جاز إبدالها بجنسها مع كون الإبدال نوعا من البيع؛ فلأن الإبدال لا يزيل الحق المتعلق بها من جنسها، والبدل قائم مقامها، فكأنها لم تزل في المعنى يعني هي باقية، لما بُدلت بخير منها، وإنما انتقل إلى خير منها، فكان في المعنى ضم زيادة إليها.

وعن أحمد رواية: لا يجوز إبدال ما تعين من الهدي والأضحية خير منها، وعلة هذا أنه لمَّا تعين لزم الحكم ما تم تعيينه.

قال –رحمه الله-: (وكذا: لو نَقَلَ المِلكَ فِيها، واشتَرَى خَيرًا منها، جازَ نصًّا. واختارَه الأكثرُ؛ لأنَّ المقصودَ نَفعُ الفُقرَاءِ، وهو حاصِلٌ بالبَدَلِ).

فيجوز نقل الملك فيها بالبيع أو غيره وشراء خير منها؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-ساق في حجته مائة بدنة، وقدم عليٌّ من اليمن فأشركه –صلى الله عليه وسلم-في بدنة كما رواه مسلم[ صحيح مسلم(1317)]، والاشتراك نوع من البيع أو الهبة، قالوا: فدل ذلك على جواز نقل الملك فيها، ولأنه يجوز إبدالها بخير منها، والإبدال نوع من البيع وهذا هو الصحيح من المذهب، أنه يجوز نقل الملك في الهدي والأضحية إذا تعين، شريطة أن يكون ذلك النقل إلى ما هو خير، والحقيقة إن النقل هو نوع من الإبدال، لكن الفرق أن ذلك يكون بنفس الجنس، والبيع نقل الملك قد يكون بنفس الجنس أو بغيره، ثم يحصل ما هو أعلى، هذا الفرق بين الصورتين.

فالإبدال يكون بالجنس نفسه، والنقل يكون بغير الجنس، ويشترى بما حصل من نقل الملك نظير ما عين وخيرًا منه.

  

قوله –رحمه الله-: (ويَركَبُ لحاجَةٍ فقَط بلا ضَرَرٍ)

 أي: أنه يجوز ركوب ما تعين من الهدي والأضحية بالمعروف، من غير إضرار بها، إذا احتاج إلى ذلك لقوله: (لحاجَةٍ) ودليل ذلك أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-رأي رجلا يسوق بدنة فقال: «اركبها»، فقال الرجل للنبي –صلى الله عليه وسلم-: أنها بدنة فقال: «اركبها، ويلك»[أخرجه البخاري(1689)]، قالها له في الثانية أو في الثالثة، وفي رواية قال له –صلى الله عليه وسلم-:«اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرك»[صحيح مسلم: 375 - (1324]، ومن لازم أمر النبي –صلى الله عليه وسلم-الرجل بركوب البدنة التي ساقها الرجل بالمعروف من لازم تقييد النبي –صلى الله عليه وسلم-الأمر بركوبها بالمعروف ألا يضر بها؛ لأنه إذا ركبها وحصل بذلك بضرر فإنه لا يجوز؛ لما يكون من النقص الذي يحصل بسبب ما ينالها من الضرر.

قوله –رحمه الله-: (ويَجُزُّ صُوفَهَا ونحوَه كشَعرِها ووَبَرِها إن كانَ جَزُّهُ أنفَعَ لها، ويَتصدَّقُ به وإن كانَ بَقاؤهُ أنفَعَ لها: لم يَجُزْ جَزُّهُ).

أي: إنه يجوز جز ما تعين من الهدي والأضاحي، فيقطع صوفها ووبرها وشعرها كل ذلك جائز، وله أن ينتفع به كلبنها أو يتصدق به، ولكن هذا مقيد بما إذا كان جز الصوف ينفعها كما لو كانت تسمن إذا جز صوفها، فإن كان بقاء الصوف أنفع لم يكن له ذلك، كأن يقيها الحر أو البرد ونحو ذلك.

قال: (ولا يَشرَبُ مِن لَبَنِها إلَّا ما فَضَلَ عن ولَدِها).

أي: إنه يجوز شرب لبن ما تعين من الهدي والأضحية في الفاضل منه، فلا يجوز شرب لبن ما تعين من الهدي والأضحية من غير الفاضل، فلا يشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها، فلا يجوز شرب لبن ما تعين إلا الفاضل عن الحاجة ولدها.

وذكروا في ذلك أثرًا عن علي -رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاءه يسوق بقرة معها عجل لها فقال: يا أمير المؤمنين اشتريت هذه البقرة ليضحي بها، وإنها وضعت هذا العجل فقال علي: لا تحلبها إلا فضلا عن ولدها يعني ما فضل عن ولدها، ما بقي بعد ولدها، ولأن شرب اللبن الفاضل انتفاع لا يحصل به ضرر لا على الدابة ولا على ولدها، أشبه الركوب، فإن أضر بها أو بولدها لم يكن له ذلك، ويضمن ما يكون من الضرر.

  

قوله: (ولا يُعطي جازِرَهَا أُجرَتَه مِنها لأنَّه مُعاوَضَةٌ، ويجوزُ أن يُهدِيَ له، أو يتصدَّقَ عليه مِنها).

فلا يجوز أن يعطي الجزار أجرته من الهدي أو الأضحية، وعلة ذلك أنه يكون معاوضة كما قال: لأنه معاوضة، وإنما يعطيه أجرته من ماله لما روى علي رضي الله تعالى عنه أن النبي أمره –صلى الله عليه وسلم-أمره أن يقوم على بدنه، وأن يقسم بدنه كلها لحومها وجلودها وجلالها، ولا يعطي في جزارتها شيئًا.[صحيح مسلم(1317)]

وفي لفظ قال –صلى الله عليه وسلم-: «نحن نعطيه من عندنا»[صحيح مسلم348 - (1317))] وجه ذلك واضح وقد تقدم؛ لأن ما يدفعه إلى الجزار أجرة عوض عن عمله وجزارته، ولا تجوز المعاوضة بشيء من الهدي أو الأضاحي بعد تعينه، فأما إن دفع إليه شيئًا من الهدي والأضحية لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس؛ لأنه مستحق للأخذ فهو كغيره، بل هو أولى؛ لأنه باشرها وتاقت نفسه إليه ، كما قال الفقهاء رحمهم الله.

قوله: (ولا يبيعُ جِلدَها، ولا شَيئًا مِنها، سواءٌ كانت واجِبَةً أو تطوُّعًا؛ لأنها تعيَّنَت بالذَّبح بل يَنتَفِعُ به، أي: بجلدِها، أو يَتصدَّقُ به استِحبابًا؛ لقوله عليه السلام: «لا تبيعُوا لحومَ الأضاحِي والهَديِ، وتَصدَّقُوا، واستَمتِعُوا بجُلُودِهَا».[مسند أحمد(16210)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 4/26، وقال: رواه أحمد، وفي إسناد جابر راو لم يسم] وكذا: حُكمُ جُلِّهَا).

أي: لا يجوز بيع شيء من الأضحية لا اللحم، ولا الجلد، ولا فرق بين أن تكون فريضة، أو تطوعًا لتعينها وقد سئل الإمام أحمد عن بيعها فقال: سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله تعالى، ويدل لذلك الأثر الذي تقدم قبل قليل عن علي أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمره أن يقوم على بدنه، وأن يقسم بدنه كلها لحومها وجلودها وجلالها، ولا يعطي في جزارتها شيئًا.[سبق]

فأما جواز الانتفاع بجلودها وجلالها فلا خلاف فيه أن ينتفع به هو لا خلاف فيه، لأنه جزء منها، فكما يجوز له الأكل منها، يجوز له الانتفاع بجلودها وجلالها، وقد ذكرت عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن هذا عمل الصحابة، قالت: قد كانوا ينتفعون من ضحاياهم يجملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية.

وقوله: (وكذا: حُكمُ جُلِّهَا)

أي: حكم جلها كحكم جلودها، وجل الدابة ما تجلل به، وهو ما تلبسه الدابة صيانة لها، والجل مفرد جلال، فلا يجوز بيعها لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمره أن يقسم بدنة كلها لحومها وجلودها وجلالها.[سبق]

  

قوله –رحمه الله-: (وإن تعيَّبَت بعدَ تَعْيينِهَاذبَحَهَا وأجزَأته).

أي: إن تعيبت ما عينه من الهدي أو الأضحية، فلا يخلو من حالين:

الحالة الأولى: أن يتعيب ما عينه من هدي أو أضحية ولم يكن عن واجب في الذمة، أو أنها تلفت من غير تعد أو تفريط، فيجزئه ذبحها من غير بدل هذه الحال الأولى، لأنه هو في كلام الماتن يقول: (وإن تعيَّبَت بعدَ تَعْيينِهَاذبَحَهَا وأجزَأته)، وإن تَلِفَت أو عَابَت بفعلِه أو تَفريطِه، لزِمَه البدَلُ، كسائِرِ الأمَانَاتِ) إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين.

فالآن عندنا ثلاث صور؛

الصورة الأولى: أن تتعيب الهدي أو الأضحية، ولم يكن عن واجب في الذمة.

الصورة الثانية: أن تتلف من غير تعد ولا تفريط.

الصورة الثالثة: أن تتعيب، وكانت عن واجب في الذمة.

هذه ثلاث صور، الصورة الأولى والثانية قال فيها المؤلف –رحمه الله-: وإن تعيبت بعد تعينها هذا ذبحها وأجزأت بقيد ألا تكون واجبة في الذمة، ألا تكون عن واجب في الذمة.

والصورة الثانية: أن تتلف بغير فعله ولا تفريطه، فيجزئه ذبحها من غير بدل.

إذًا يجوز ذبح ما تعيب بعد التعيين إن لم يكن عن واجب في ذمته هذه حال.

الحال الثانية أن تتلف وتتعيب من غير تعد ولا تفريط، فهنا يجزئه ذبحها من غير بدل، واستدلوا بذلك بما رواه أبو سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال: ابتعنا كبشا نضحي به فأصاب الذئب من إيلته فسألنا النبي –صلى الله عليه وسلم-فأمرنا أن نضحي به.[أخرجه أحمد في مسنده(11274) بسند ضعيف]

وأما التعليل قالوا: لأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة، فلم يمنع من الإجزاء كما لو حدث في الأضحية الواجبة فلم يمنع من الإجزاء كما لو حدث بها عيب عند ذبحها، عيب حدث في الأضحية الواجبة فلم يمنع من الإجزاء كما لو حدث بها عيب لمعالجة الذبح.

فإما إن تعيبت بفعله فعليه بدلها.

الحالة الثانية: أن يتعيب ما عينه من هدي أو أضحية، وكان عن واجب في الذمة ما معنى واجب في الذمة؟

المقصود: واجب في الذمة أن يكون إما واجبًا بنذر في ذمته، أو وجب بغير نذر كهدي المتعة والقران والدماء الواجبة في النسك بترك واجب أو فعل محذور، فمتى عين عما في ذمته شيئًا فقال: هذا واجب عليه فإنه يتعين الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمة؛ لأنه لو أوجب هديًا عليه لتعيين، فإذا كان عين هديًا وهو واجب عليه فإنه يلزمه أن يأتي بالبدل.

خلاصة الكلام في هذا المقطع من كلام المؤلف أنه إذا تعيب الهدي والأضحية بعد التعيين، فهل يجزئ أن يذبحها معيبة، أم لابد من البدل؟

هذه المسألة الجواب على هذا السؤال أن يقال: لا يخلو ما تعيب من الهدي أو الأضحية المعينين من حالين؛ الحال الأولى: أن يتعيب ما عينه من هدي أو أضحية، ولم يكن عن واجب في الذمة ولم يحصل منه تعد ولا تفريط هذان قيدان ألا يكون عن واجب في الذمة، وألا يحصل منه تعد ولا تفريط، فهنا يجزئه ذبحه من غير بدن.

وشاهده أو دليله حديث أبي سعيد في الكبش الذي أصاب الذئب من إيلته فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-لهم ضحوا به.[سبق]

الحالة الثانية أن يتعيب ما عينه من هدي أو أضحية وكان واجبًا في ذمته إما وجوب بالنذر أو وجوب بالشرع.

الوجوب بالنذر أن يلزم نفسه، الوجوب بالشرع كهدي المتعة والقران أو نحو ذلك، ففي هذه الحال إذا تعين هدي وتعيب وهو واجب في ذمته، كحاج عين هديا لمتعته، فأصابه عيب من غير تعد ولا تفريط، فهل يجزئه الهدي به بعد تعيبه أو لا؟

الجواب: لا بد لهم البدل؛ والعلة أن الهدي ثابت في ذمته سليما صحيحًا قبل التعيين، فكونه تعيب لا تبرأ ذمته بهذا المعيب، بل لا بد له من بدل.

طبعا هذا إذا كان واجبا، لكن لو شخص اشترى هدي في أول ذي الحجة وهذه يسأل عنها كثير، لو شخص اشترى أضحية أو هديًا، ثم تعيب هل يجزئه أن يضحي به مع وجود العيب أو لا بد له من بدل؟

المذهب تجزئه لأنه اشتراها سليمة، وعيَّنها سليمة، وطرأ عليها العيب، لا يلزمه أن يستبدل، وشيخنا –رحمه الله-يفتي بالثاني شيخنا ابن عثيمين يرى أنها إذا تعيبت ولو كان من غير تعد ولا تفريط، فإنه لا يجزئه أن يضحي بها بعد أن تعيبت، ولو لم تكن عن واجب في الذمة يعني شيخنا –رحمه الله-يرى أنه في كل الصور إنها إذا تعيبت فإنه لا بد من استبدال.

قوله –رحمه الله-: (وليسَ له استرجَاعُ مَعيبٍ وضَالٍّ ونحوِه وجَدَه).

أي: أنه ليس لمن نحر بدل ما عطب أو تعيب أو ضل أو سرق، ليس له أن يسترجع ما عطب أو تعيب أو ضل أو سرق إذا وجده، فإذا اشترى شاة وعينها أضحية عن نذر، وتعيبت الواجب عليه ذبح بدلها أليس كذلك؟

الواجب عليه بدلها، فماذا يصنع بالمتعيب هل له أن يسترجعه؟

الجواب: لا، يذبح المعيب والبدل، فليس له استرجاعه هذا معنى قوله: (وليسَ له استرجَاعُ مَعيبٍ وضَالٍّ ونحوِه وجَدَه)، واحتجوا لذلك بما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أهدت هديين، فأضلتهما فبعث إليها ابن الزبير بهديين مكانهما فنحرتهما، ثم عاد الضالان فنحرتهما رضي الله تعالى عنها يعني ضيعت هديين، ونحرت مكانهما، ثم وجدت ما قال فنحرتهما وقالت: هذا سنة الهدي، والمراد سنة النبي –صلى الله عليه وسلم-.[صحيح ابن خزيمة(2925)، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير: رواه الدارقطني من حديث القاسم ابن محمد عنها وصححه]

وعللوا ذلك أيضًا بأنه تعلق حق الله تعالى بهذا المعيب أو الضال لكونه أوجبه على نفسه، فلا يسقط هذا بالبدل.

وعن أحمد رواية أخرى: أن له أن يسترجعه، وأن يتصرف فيه بما شاء، وهذا القول أقرب إلى الصواب، وبهذا يكون قد انتهى ما يتعلق بمسائل تعيين الهدي والأضحية، وما يترتب على التعيين من أحكام.

والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق