وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان ومنه الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والإنابة والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى، والدليل قوله تعالى: ] وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [ ، فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر، والدليل قوله تعالى: ]وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [. وفي الحديث: ( الدعاء مخ العبادة ) والدليل قوله تعالى: ] وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [ ، ودليل الخوف قوله تعالى: ] إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [، ودليل الرجاء قوله تعالى: ] فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [، ودليل التوكل قوله تعالى: ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[، وقال: ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[، ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى: ]إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[، ودليل الخشية قوله تعالى: ]فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي[، ودليل الإنابة قوله تعالى: ]وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ[، ودليل الاستعانة قوله تعالى: ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[، وفي الحديث: (إذا استعنت فاستعن بالله ). ودليل الاستعاذة قوله تعالى: ] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [، وقوله تعالى: ] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[، ودليل الاستغاثة قوله تعالى: ] إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ[، ودليل الذبح قوله تعالى: ] قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[، ومن السنة: ( لعن الله من ذبح لغير الله )، ودليل النذر قوله تعالى: ]يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً[.
قوله رحمه الله: (وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان..), هذا بداية تفصيل لما يجب إفراد الله سبحانه وتعالى به من العبادات.
قوله رحمه الله: (مثل الإسلام والإيمان والإحسان) يفهم منه أن المؤلف رحمه الله لن يستوعب ذكر العبادات، إنما مقصوده التمثيل لأهمها، وبدأ رحمه الله في ذكر العبادات بذكر
أصولها، فأصول العبادات الإسلام والإيمان والإحسان، فكل العبادات ترجع إلى هذه الأنواع الثلاثة، الإسلام ترجع إليه عبادات الجوارح الظاهرة، والإيمان يرجع إليه عبادات القلب، والإحسان هو منتهى العبادة القلبية، فهذه الأمثلة الثلاثة هي مراتب الدين، ولذلك لما جاء جبريل وسأل عنها في حديث عمر رضي الله عنه في الحديث الطويل المشهور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم))[أخرجه مسلم (9)] فوصف ما تضمنه الحديث بأنه الدين أو أمر الدين, فهذه المراتب الثلاث هي مراتب الدين وهي أصوله.
قوله رحمه الله: (ومنه الدعاء)، بعدما تقدم فرّع المؤلف رحمه الله أمثلةً, فقال : (ومنه الدعاء)، الدعاء والدعوة في كتاب الله عز وجل يراد بها دعاء العبادة ودعاء المسألة, دعاء العبادة هو كل عبادة يتقرب بها الإنسان لله عز وجل, ودعاء المسألة هو ما ينزله العبد بربه من الحوائج.
هذه الأمثلة منها ما هو عبادات قلبية وهو الأكثر والغالب, ومنها ما هو عبادات فعلية.
ومنها ما هو عبادات قولية. فمثل رحمه الله لجميع العبادات: العبادات القولية، العبادات الفعلية، العبادات القلبية.
قوله رحمه الله: (وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى).
ذكر المؤلف رحمه الله أمثلة للعبادة، والضابط الذي ينتظم جميع العبادات : هو " أن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة " وهناك تعريف آخر وهو أسهل وأوضح وهو أن يقال: " العبادة كل ما أمر الله به ورسوله سواء كان أمرَ وجوبٍ أو أمر استحباب فإنه عبادة " ولذلك من الأحسن أن يضاف للتعريف الأول للعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة الواجبة والمستحبة؛ حتى يتضح أن العبادات لا تقتصر فقط على الواجبات، بل حتى المستحبات داخلة في مسمى العبادة.
قوله رحمه الله:(والدليل...) يقول رحمه الله في الاستدلال لهذه لأمثلة التي ذكرها من العبادات: (والدليل قوله تعالى:]وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً[). هذا دليل لجملة ما تقدم من العبادات، فكل عبادة يصح الاستدلال على عدم جواز صرفها لغير الله تعالى بقوله سبحانه وتعالى: ]وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً[وقد تقدم الكلام على هذه الآية، وقلنا: إن المساجد هنا هي أماكن العبادة، جمع مسجد وهو اسم مكان العبادة، فإن الله سبحانه وتعالى جعل أماكن العبادة مستحقةً له، وهذا يفهم منه أن ما يكون فيها يجب أن يكون له، ولذا أكد ذلك بقوله:]فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً[وهذا يشمل النهي عن دعاء المسألة ودعاء العبادة، وقوله: ]أَحَداً[نكرة في سياق النهي فتفيد العموم كائناً من كان.
قال رحمه الله: (فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر), أي: من صرف أيَّ نوعٍ من أنواع العبادات لغير الله عز وجل ولو أفرد بقية العبادات لله سبحانه وأخلصها له فإنه لا ينفعه، بل هو مشرك.
قال: (والدليل قوله تعالى:]وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[).هذا دليل على عدم جواز صرف العبادة لغير الله عز وجل، وأن من صرف شيئاً منها فقد كفر ]وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ[ فالشرط في قوله: ]وَمَنْ يَدْعُ[ جوابه في قوله: ]فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ[ وهذا فيه التهديد والوعيد لكل من دعا غير الله عز وجل، فمن يدعو مع الله إلهاً آخر ملكاً مقرباً، أو نبياً مرسلاً، أو حجراً أو صنماً أو غير ذلك، كل ذلك يدخل في هذه الآية، وفائدة قوله تعالى: ]لا بُرْهَانَ لَهُ[: أنه وصف كاشف، وفائدة الوصف الكاشف: زيادة البيان والتوضيح والتسجيل على هؤلاء الذين صرفوا العبادة لغير الله بأنهم صرفوها بلا بينة ولا برهان. وفي هذه الآية قال: ]فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ[ ثم صرح بالحكم على هؤلاء فقال: ]إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[فحكم عليهم بالكفر لأن الخطاب فيمن دعا مع الله إلهاً آخر، فأخبر بأن حسابه عند ربه، وأنه لا يفلح الكافرون، فتبينت نتيجة الحساب، وهي عدم الفلاح، فنفى عنه تحصيل المطلوب والأمن من المرهوب. وهذه الآية دالة، ووجه دلالتها على أن من صرف شيئاً فقد أشرك ]وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ[ قوله: ] إلهاً [نكرة في سياق الشرط فتعم كل مدعو. وتعم أيضاً كل دعاء، فالعموم في المدعو والعموم في الفعل أيضاً، وهو الدعاء، واعلم أنه يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله قاعدة مفيدة، فقال: " وَكُلُّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ فِيهِ دُعَاءَ الْمُشْرِكِينَ لِأَوْثَانِهِمْ فَالْمُرَادُ بِهِ دُعَاءُ الْعِبَادَةِ الْمُتَضَمِّنُ دُعَاءَ الْمَسْأَلَةِ"، فإذا ضبطت هذا الضابط واستحضرته أراحك فيما ذكره الله عز وجل من الدعاء والدعوة عن المشركين في كتابه. فان المقصود به دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة.
قال رحمه الله في الاستدلال على أفراد العبادات التي مثل بها:
قوله رحمه الله: (وفي الحديث: " الدعاء مخ العبادة" ) هذا الحديث رواه الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه، وهو حديث متكلم فيه، وأصح منه ويحصل به المقصود في الاستدلال: اللفظ الآخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء هو العبادة " وأدلة كون الدعاء عبادةً كثيرة واضحة.
قال رحمه الله: (والدليل قوله تعالى: ]وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[). فيه أيضاً الاستدلال على الدعاء في قوله: ]ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[، والدعاء المأمور به في الآية: دعاء العبادة ودعاء المسألة.
فإذا كان دعاء عبادة فإن استجابته هي الإثابة من الله سبحانه وتعالى عليه.
وإذا كان دعاء مسألة فاستجابته حصول مقصود الداعي والإثابة عليه أيضاً؛ لأن كل من دعا ولو كان دعاؤه بأمر دنيوي فإنه يثاب على دعائه، يعني لو قال: اللهم ارزقني مركباً هنيئاً وزوجةً صالحة، وبيتاً واسعاً فهذه من أمور الدنيا مما يتمتع به في الدنيا، إذا سأل الله عز وجل فإن استجابة الله له تكون بإثابته عليه، وهذا محقق لكل داعٍ.
الأمر الثاني: وهو حصول مطلوبه فهذا قد يحصل وقد لا يحصل، بناءً على حكمة الله عز وجل في تحقيق مطلوب العبد أو ادخار ذلك له في الآخرة أو دفع شرٍ عنه نظير ما دعا أو مثل ما دعا.
الأولى: أن دعاء المسألة من العبادة، والثانية: أن المراد بالدعاء السابق في أول الآية ما هو أعمّ من دعاء المسألة وهو دعاء العبادة.
قوله رحمه الله: (ودليل الخوف قوله تعالى: ]فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ([اعلم أن الخوف الذي يجب إفراد الله سبحانه وتعالى به هو خوف السر، فهذا نهى الله سبحانه وتعالى عن صرفه لغيره، وخوف السر: هو الخوف الذي يتقرب به الخائف للمخوف ويتعبد به الخائف للمخوف منه، وذلك بأن يستحضره في الغيب والشهادة وفي السر والعلن، ولذلك سماه العلماء بخوف السر يعني: الخوف العبادي الذي يحمل الإنسان على فعل الطاعات وترك المنكرات، فهذا لا يجوز صرفه لغير الله، ومن صرفه لغير الله فقد أشرك شركاً أكبر يحرِّم عليه الجنة ويوجب له النار.
والنوع الثاني: من أنواع الخوف التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها عباده المؤمنين هو الخوف المقعد عن الطاعة أو الخوف الحامل على المعصية، فهذا الخوف ليس من الشرك، ولكنه معصية يعاقب عليها الإنسان، فإذا حمل الخوف الإنسان على ترك الجهاد مثلاً أو حمله على ترك طلب العلم أو حمله على عدم فعل ما يجب عليه فإنه معصية يأثم عليها, إلا أنه ليس من الشرك.
أما النوع الثالث من الخوف: فهو الخوف الطبيعي، والخوف الطبيعي منه ما هو مذموم ومنه ما ليس بمذموم، مثال الذي ليس بمذموم قوله تعالى: ]فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ[ في قصة موسى عليه السلام، فهذا الخوف ليس بمذموم، لأنه خوف مما يوجب الخوف، ويحصل منه الخوف عادة، أما الخوف الذي ينشأ عن الأوهام فإنه خوف مذموم، ومن الخوف ما يكون جبناً فإنه مذموم، لكنه ليس بشرك، ولكنه يكون من المعاصي.
قوله رحمه الله: (ودليل الرجاء قوله تعالى: ] فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [) ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الرجاء بعد الخوف، لأنه قرينه، فالإنسان له جناحان يطير بهما، الخوف والرجاء، وبهما يبلغ المأمن، وسيأتي تفصيل ما يتعلق بالخوف والرجاء وأيهما يغلب في شرحٍ مفصل.
قوله رحمه الله: (ودليل التوكل قوله تعالى: ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[وقال تعالى: ] وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [) والتوكل هو صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المحبوب ودفع المكروه , وهذا يجب إفراد الله سبحانه وتعالى به لفظاً وعقداً، أما لفظاً فلا يجوز أن تقول: توكلت على فلان، إنما تقول: وكلت فلاناً، وأما عقداً فلا يجوز أن تركن بقلبك وأن تعتمد على غير الله جل وعلا فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه وتعالى، بل يجب تمحيض الاعتماد وتخليصه من كل نظرٍ إلى مخلوق أو سبب،
قال رحمه الله في الاستدلال على التوكل:]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[ أي: كافيه، وهذا فيه الأمر بالتوكل، وفيه أن المتوكل على الله يحصّل مطلوبه.
قوله رحمه الله: (ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى: ]إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[) الرغبة: هي الصدق في الرجاء، والرهبة: هي الصدق في الخوف، فالرغبة إذاً: نوع من الرجاء وهي أعلاه، والرهبة نوع من الخوف وهو منتهاه.
والخشوع: هو الذل لله عز وجل، واعلم أن الذل أمر لا تستقيم العبادة بغيره، وهو من أركان العبادة العظيمة التي ينشأ عنها الكثير من العبادات القلبية من الإخبات، والإنابة، والتواضع، وغير ذلك من عبادات القلب، ولذلك قال:]وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[هذا في بيان مجمل حالهم أنهم خاشعون لله سبحانه وتعالى.
قوله رحمه الله: (ودليل الخشية قوله تعالى: ]فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي[) الخشية نوع من الخوف، لكنها تفارق الخوف بأنها خوف مع علم، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: ]إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[ فالخشية خوف مع علم، وذكرت فروق أخرى، ولكن هذا أبرزها.
قوله رحمه الله: (ودليل الإنابة قوله تعالى: ] وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ[) الإنابة: هي الرجوع، وحقيقة الإنابة عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه.
قوله رحمه الله: (ودليل الاستعانة قوله تعالى: ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[) الاستعانة: طلب العون، وطلب العون من الله جل وعلا يكون على الأمور الدينية وعلى الأمور الدنيوية. فإن لم يحصل من الله عون للفتى فإنه لا يحصل شيئاً، ولا يصيب غرضاً، وقد ذكره الله في كتابه بعد العبادة؛ لأنها فرع الإقرار بعبودية الله سبحانه وتعالى، فإن من أقرّ بأن الله هو المعبود طلب العون منه وحده، لأن المعبود هو الكامل في أوصافه جل وعلا، ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ [ فيه إثبات ألوهيته سبحانه وتعالى، ] وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [ فيه إثبات ربوبيته، لأنه إنما يستعان بالمالك الرازق المدبر الخالق الذي بيده الأمر وله الأمر كله جلّ وعلا.
قال: وفي الحديث: (( إذا استعنت فاستعن بالله )). واعلم أن إفراد الله بالاستعانة وإخلاص الاستعانة به سبحانه دون غيره وإخلاص الاستعانة له كل هذا في استعانة العبادة، وأما الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه وهو حاضر أو وهو غائب ويتصل به إما مباشرة أو بكتاب فإن هذا ليس محذوراً، ولا يخل بالتوحيد، ولكن تركه من كمال العبد، ولذلك كان الأصل في سؤال الناس وطلبهم النهي.