القواعد الأربع

من 2024-07-07 وحتى 2043-08-20
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 38

التاريخ : 2024-07-06 08:34:30


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال –رحمه الله-تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مباركًا أينما كنت، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذن استغفر، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.

"اعلم أرشدك الله لطاعته! أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصًا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56].

فإذا عرفت أنّ الله خلقك لعبادته فاعلم: أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة كما قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ [التوبة: 17].

 فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها، وأحبط العمل، وصار صاحبه من الخالدين في النار، عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك، لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة، وهي الشرك بالله، وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه).

هذه الرسالة الموجزة المختصرة مكونة من مقدمة، وأربع قواعد.

الإمام –رحمه الله-بدأ هذه المقدمة بذكر كلام لطيف مهم يحتاجه كل مسلم في كل أمر يقبل عليه، بل لا ينفك الإنسان لحظة من اللحظات من حاجاته إلى ما ذكره في مقدمته –رحمه الله-بدأ الإمام –رحمه الله-هذه الرسالة بالدعاء لقارئها وسامعها والمطلع عليها.

(فقال –رحمه الله-: بسم الله الرحمن الرحيم أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مباركًا أينما كنت، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة).

البداءة بالدعاء للسامع والقارئ والمطالع، هو من موجبات قبول القول، ومن دواعي الإنصات للمتكلم، فإن الدعاء يبدي شفقة ورحمة وحرصًا ونصحًا يستوجب القبول.

ولهذا بدأ المصنف –رحمه الله-هذه الرسالة بالدعاء لقارئها ومطالعها فقال: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم دعا الله –عز وجل-وتوسل إليه بدعائه باسمه "الله"، وبأسمائه الحسنى، كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[الأعراف: 180] وباسمه الكريم الموجب للعطاء، وبعظيم خلقه وقدرته رب العرش العظيم، فإن التوسل إليه بأعظم خلقه مما يوجب عطاءه، لأن الإجابة مبنية على أمرين:

الأمر الأول: ألا يكون المسئول بخيلًا فهو الكريم –جل وعلا-.

والثاني: ألا يكون المسئول عاجزًا، فإذا كان المسئول عاجزًا، ولو كان كريمًا فإنه لا يعطي.

فإذا توفر في المسئول وصفان؛ الكرم وهو البذل والعطاء، والقدرة والقوة وهي التمكن من إيصال المطلوب ودفع المكروه تحقق للسائل ما يؤمل.

لذلك قدم بين يدي السؤال وتوسل إلى الله –عز وجل-بهذين الوصفين بألوهيته المقتضية لكمالاته في أسمائه وصفاته وأفعاله، وبكرمه الموجب لعطائه، وبقدرته الموجب لتبليغه عبده ما يؤمله وما يسأله، أيضًا عطف على هذا الدعاء دعاء آخر، قال: أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتولاك في الدنيا والآخرة، وهذه هي الدعوة الأولى التي دعا بها المصنف للقارئ ودعا فيها بولاية الله لمن يقرأ هذه الرسالة ويطالعها أو يستمع إليها، فنسأل الله أن يستجيب هذا الدعاء، وأن يتولانا برحمته في الدنيا والآخرة.

وقوله: أن يتولاك أي: أن ينصرك وأن يؤيدك، وأن يكون قائمًا بحوائجك ومصالحك في دنياك وآخراك، فإن الولاية مقتضاها أن يبلغ الله تعالى العبد ما يؤمل من خيري الدنيا والآخرة.

ولذلك قال: (أن يتولاك في الدنيا والآخرة) ، وقد أخبر الله تعالى بفضله أنه ولي الذين آمنوا، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ[الأعراف: 196]، يتولاهم بفضله، وإنعامه وإحسانه ودفاعه جل في علاه، ثم ذكر بعد ذلك دعوة ثانية فقال: (وأن يجعلك مباركًا أينما كنت)، أي: أن ييسرك نافعا للخلق، فإن من دلائل الخير أن يوفق الله تعالى العبد إلى أن ينفع الخلق، فإن نفع الخلق موجب لعطاء الله وبره وإحسانه.

ولذلك كان من نعم الله على أوليائه أن يجعلهم مباركين، وهذا نبي الله عيسى -عليه السلام- يذكر فيه جملة ما منَّ الله تعالى به عليه قال: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا[مريم: 30-31]، ومعنى كون الإنسان مباركًا أينما كان أن يجعله معلمًا للخير عاملًا به، داعيًا إليه، نافعًا لعباده، ناصحًا لهم في قوله وعمله وإرادته واجتهاده، ولهذا يكون العبد مباركًا إذا اجتمعت في هذه الخصال، وذلك من فضل الله تعالى على من يمنُّ عليه بهذه العطايا، ثم دعا بعد ذلك بثلاثة خصال من حصَّلها فاز بسعادة الدارين.

قال –رحمه الله-: (وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر)، وهذا الدعاء في مقدمة هذه الرسالة اقتبسه المؤلف –رحمه الله-من صنيع ابن القيم –رحمه الله-في كتابه [الوابل الصيب] فإنه افتتح الرسالة بهذه الدعوات أن يجعل الله تعالى العبد شاكرًا إذا أعطي، صابرًا إذا ابتلي، مستغفرًا إذا أذنب، فقد قال ابن القيم –رحمه الله-في كتاب [الوابل الصيب] في مقدمته:

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله تعالى المسئول المرجو الإجابة أن يتولاكم في الدنيا والآخرة، وأن يسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن يجعلكم ممن إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، ثم قال –رحمه الله-قال ابن القيم: فإن هذه الأمور الثلاثة عنوان سعادة العبد وعلامة الفلاح في الدنيا والآخرة، وقد اقتبس هذا الشيخُ –رحمه الله- فذكرها هنا، فإن الإنسان لا ينفك عن واحد من أحوال ثلاثة، إما أن ينعم عليه فإذا أنعم عليه فحق النعمة أن تشكر، كما قال الله –جل وعلا-: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم: 7]، وقال تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[سبأ: 13]، هذه هي الحال الأولى للإنسان أن يشكر الله تعالى أن ينعم ما عليه فحق النعمة أن يشكر العبد الله –عز وجل-عليها.

 وشكر النعمة يتحقق بثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن يعترف بها، وأن الله تعالى هو المنعم بها، الاعتراف بها بقلبه أن يقر بقلبه أن هذا فضل الله أن هذا إنعامه، أن هذا إحسانه.

الثاني: أن يتحدث بها، كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ[الضحى: 11].

أما الثالث: أن يصرفها، وأن يستعملها في طاعة الله –عز وجل-، فإن بذلك يتحقق شكر نعمة الله –عز وجل-إذا صرفها لله –عز وجل-وصرفها فيما يحب ويرضى، كان ذلك من شكر النعمة.

أما الحال الثانية: أن يبتلى الإنسان بمحن وبلايا، فهنا الواجب عليه أن يصبر، وأن يقابل ما ابتلي به بالصبر، والصبر يتحقق بعدم الجزع بالقلب، بأن يحبس قلبه عن التسخط بالمقدور، وأن يحبس لسانه عن أن يتكلم بما يخالف حال الصابرين.

وأما ثالث خصال الصبر أن يحفظ جوارحه عن أن يبدي تسخطًا بلطم أو شق جيب أو نحو ذلك مما يظهر الجزع وعدم الصبر على أقدار الله وأقضيته، وبهذا يتحقق للعبد مرتبتان عظيمتان؛

المرتبة الأولى: الشكر عند النعمة.

والمرتبة الثانية: الصبر عند البلاء.

وهذا لا يكون إلا للمؤمن كما جاي في صحيح الإمام مسلم من حديث صهيب أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر وكان خيرًا لهُ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له».[صحيح مسلم(64 - (2999)]

أما الخصلة الثالثة التي لا بد للإنسان منها هو أن يستغفر إذا أذنب، والذنب هو المخالفة، ولا بد للإنسان من ذنب كما جاء في الحديث الصحيح من حديث أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه قال –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «كلُّ ابنِ آدمَ خَطاءٌ وخيرُ الخطائينَ التَّوابونَ»[أخرجه الترمذي في سننه(2499)، وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ] فلا بد من ذنب، ولا يعالج الذنب ولا يمحى ولا يزول إلا بالاستغفار والتوبة.

ولذلك كان الإنسان محتاجًا إلى هذه الخصال الثلاثة؛ صبر، شكر، توبة واستغفار، لأن الصبر والشكر قد ينقص، وقد يخل به الإنسان لسبب من الأسباب، فعلاج ذلك بالتوبة للعزيز الغفار، والإنابة إليه جل في علاه ليدفع الإنسان عن نفسه سوء وشؤم مخالفة أمر الله –عز وجل-، وشؤم المعاصي.

قال –رحمه الله-: (فإن هؤلاء الثلاث) يعني هؤلاء الخصال الثلاث (عنوان السعادة)

 أي: هي مفاتيح السعادة هي أبوابها، هي ما يحصل بها للإنسان خير الدنيا والآخرة، إذا ابتلي صبر، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا أذنب استغفر.

ثم قال –رحمه الله-: (اعلم أرشدك الله لطاعته)

 بعد المقدمة السابقة والتي تضمنت دعاء وسؤالًا دخل إلى المقصود، ولذلك نبه لدخوله إلى المقصود بقوله: (اعلم أرشدك الله).

(اعلم) تقال عادة في كلام العرب عند لفت الانتباه إلى معلوم ضروري مهم يحتاجه الإنسان، سواء كان ذلك في أمر دينه أو في أمر دنياه، وقد جاء في القرآن جاء في أعظم معلوم وهو العلم بالتوحيد في قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ[محمد: 19]، وجاء في بعض الأحكام كقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ[الأنفال: 41] الآية، فجاء هذا الأسلوب وهذه الصيغة في كلام الله –عز وجل-في لفت الأنظار إلى أصل الشريعة، وهي توحيد الله –عز وجل-وإلى فروع الشرائع بالتنبيه إلى أحكام مهمة يحتاجها الناس.

يقول –رحمه الله-: (اعلم أرشدك الله) والدعاء له بالرشد هو أن يسلم من الغي، فالرشد هو السلامة من الغي، وهي التوفيق إلى الرشاد، ولا يكون الإنسان راشدًا إلا إذا اتبع ملة إبراهيم، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ[البقرة: 130]، والسفه ضد الرشد.

فقوله: (اعلم أرشدك الله) أي: هداك لما تسلم به من السفه، والسفه هو الإعراض عن ملة إبراهيم، هو الخروج عن هدي المرسلين صلوات الله وسلامه عليه.

  

يقول: (اعلم أرشدك الله)، أي: دلك ووفقك، فالإرشاد هنا يتضمن الدلالة والتوفيق إلى العمل الصالح.

(اعلم أرشدك الله لطاعته! أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصًا له الدين)

 هذا هو مقصود الرسالة، بيان ملة إبراهيم وبيان القواعد التي تضبط بها هذه الملة، وتتميز بها عن سائر الملل.

قوله: (اعلم أرشدك الله لطاعته! أن الحنيفية ملة إبراهيم)

 الحنيفية مأخوذة من الحنيف، ولأهل اللغة في معنى الحنيف قولان:

القول الأول: أن الحنيف هو المستقيم.

والمعنى الثاني: أن الحنيف هو المائل المعوج.

وكلاهما يصدق على هذه الكلمة، فإن الحنيف من الأضداد يطلق على المائل، ويطلق على المستقيم، وغالب استعمال الحنيف في الميل عن الضلال والشرك والكفر إلى التوحيد والإسلام والهدى.

ولذلك وصف بهذا الوصف إمام الموحدين إبراهيم عليه السلام، فالحنيف هو القائم بالحق، الحنيف هو القائم بالتوحيد، الحنيف هو المطيع لرب العالمين الحنيف هو من وصفه الله –عز وجل-بالإخلاص كما قال جل في علاه ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[النحل: 120]، حنيفًا أي: قائمًا على التوحيد منصرفًا عن الشرك.

ولذلك قال: حنيفًا قانتًا أي: طائعًا حنيفًا أي: مستقيمًا على الإسلام والتوحيد، ولم يكن من المشركين أي سالمًا من خصالهم وأعمالهم.

وقد قال الله تعالى في بيان منزلة الحنيفية، وأنها دينه الذي لا يرضى سواه قال –جل وعلا-: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة: 5].

وأمر رسوله –صلى الله عليه وسلم-أن يبين الملة التي يتبعها، وينتهج طريقها ويلتزمها ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[البقرة: 135]، وقد بين الله –عز وجل-سلامة طريق إبراهيم عليه السلام من كل الانحرافات، ومن كل الضلالات، وشتى صنوف السبل الخارجة عن الهدى، فقال تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[آل عمران: 67]، فأخبر –جل وعلا-عن إبراهيم أنه سالم من طريق اليهود الخارج عن الصراط المستقيم، أنه سالم من طريق النصارى المنحرفين عن الطريق السليم، وقائم على الإسلام، فمن أراد السلامة فليلتزم سبيله وطريقه.

وقد قال الله تعالى: ﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[آل عمران: 95]، وقد أمر الله رسوله صلوات الله وسلامه عليه أن يحمد الله –عز وجل-على ما من به، على ما من عليه به من توحيد الله تعالى فقال: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا[الأنعام: 161] أي قائمًا على الحق مجافيا للباطل﴿دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[الأنعام: 161]، كل هذه الآيات تبين وتجلي أن إبراهيم عليه السلام لم يكن إلا على التوحيد، على الحنيفية.

  

ولهذا قال المصنف –رحمه الله-: واعلم (أن الحنيفية ملة إبراهيم) هذا وصف للحنيفية أو بدل، فإن ملة إبراهيم هي الحنيفية.

يقول –رحمه الله-في بيان هذه الملة قال: (أن تعبد الله مخلصًا له الدين) ، فملة إبراهيم عليه السلام هي أن تعبد الله مخلصًا له الدين، وقد بين النبي –صلى الله عليه وسلم-أن ما جاء به من الهدى ودين الحق هو الحنيفية، جاء ذلك في المسند من حديث عائشة أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «إنِّي أُرسِلتُ بالحنيفيةِ السَّمحَةِ»[مسند أحمد(22291)، وقال الهيثمي في المجمع:رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ ضَعِيفٌ]، فأخبر النبي –صلى الله عليه وسلم-أن الذي أرسله الله تعالى به من الدين هو الحنيفية السمحة.

أيها الإخوة؛ الحنيفية السمحة وصفان لهذه الشريعة في العقائد والشرائع، الحنيفية في التوحيد والعقيدة والسمحة في الشرائع والأحكام، فهذا الدين يسر سمح لا مشقة فيه ولا عناء، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ[القمر: 17]، فهذه الحنيفية هي التوحيد وهي عبادة الله وحده، والسماحة في سلامة هذا السبيل من كل انحراف وضلال.

وقد جاء في المسند أيضًا من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-: «سُئِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الأديانِ أحبُّ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؟ قال: الحَنيفةُ السَّمْحةُ»[مسند أحمد(2107)،وعلقه البخاري في "صحيحه" 1/93 في الإيمان: باب الدين يسر، وحَسنَ الحافظ إسناده في "الفتح]

 ما الفرق بين الحنيفية والسمحة؟

الحنيفية في الاعتقاد، والسمحة في الشرائع والفروع والأحكام، وقد بين الله –جل وعلا-كمال هذه الشريعة في عقائدها وأعمالها فقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[المائدة: 3]، الحديث الآن هل هو عن أعمال وشرائع أو عن عقائد ودين يدين به لله –عز وجل-به في باطنه؟

الحديث عن عقائد، ولذلك قال في بيان العقيدة التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم("اعلم أرشدك الله لطاعته! أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصًا له الدين) ، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم-يخبر بأنه عليها، وأنه جاء بها أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين.

وهذه حقيقة "لا إله إلا الله" أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين، هذه حقيقة أن لا إله إلا الله، فهذا يشمل إخلاص العمل وإفراد العبادة لله –عز وجل-في القول، وفي الفعل، في الظاهر، وفي الباطن، فيما أوجب وفرض، وفيما ندب إليه وحث من الأعمال.

وقوله –رحمه الله-: (مخلصًا) أي: خالصًا من عبادة سواه، وهذا هو الغاية والمقصود من الخلق، فالإخلاص هو إرادة وجه الله، هذا معنى الإخلاص أن لا تقصد بعملك إلا الله، ألا تطلب أجرا من سواه، ألا ترغب في عطاء وفضل، ولا تقصد بعمل إلا الله –جل وعلا-كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56].

ولذلك قال المصنف –رحمه الله-في الاستدلال على أن ما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-وأن ملة إبراهيم هي أن تعبد الله مخلصًا قال: كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56]، هذا بيان أن الحنيفية التي كان عليها إبراهيم عليه السلام، وصار عليها النبي –صلى الله عليه وسلم-هي غاية الخلق، فإن الله تعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبدوه وحده لا شريك له، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56]، وقوله: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾استثناء لبيان أنه لم يقصد بالخلق غاية من الغايات، ولا حاجة من الحاجات إلا أن يعبدوه وحده لا شريك له.

ولتأكيد هذا المعنى قال –جل وعلا-بعد هذا: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ[الذاريات: 57]، فليس لله نفع في هذا الخلق إلا أن يحققوا العبادة له، ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[الذاريات: 57-58].

ثم قال –رحمه الله-: (فإذا عرفت أنّ الله خلقك لعبادته فاعلم: أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد) هذا التسلسل والترتيب بعد أن ذكر الدليل، وبين الدليل أن الغاية والمقصود من هذا الخلق العبادة.

قال –رحمه الله-: (فإذا عرفت) أي: أدركت وعلمت أن الله خلقك لعبادته أي: لأن تفرده بالطاعة أن تفرده بالعبادة، أن تفرده بالقصد، ألا تريد إلا وجهه، لا تريد سواه –سبحانه وبحمده-هذا هو الغاية التي من أجلها خلق الله تعالى الخلق.

انتقل من هذا إلى بيان ما هي العبادة، الله خلقنا لعبادته كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56]، فما هي العبادة التي خلق الله تعالى الخلق لها؟

قال –رحمه الله-: (فاعلم: أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد)

 أي: لا يمكن أن تحقق الغاية من الوجود والمقصود من الخلق إلا إذا حققت التوحيد بإفراد الله –عز وجل-بالعبادة معنى إفراد الله –عز وجل-بالعبادة ألا تعبد إلا الله، ألا تعبد سواه، قد يقول بعض الناس هذا أمر متيسر لكل مسلم، والواقع أن هذا يقع فيه خلل كبير في حياة كثير من الناس من حيث لا يشعرون.

ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-لما أخبر وحذر من خطر عبادة غير الله –عز وجل-والشرك قال: «اللهم إني أعوذُ بك أن أشركَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفرُك لما لا أعلمُ»[أخرجه البخاري في الأدب المفرد(716)] فالشرك منه الخفي والجلي، منه الدقيق والظاهر، منه الصغير والكبير، فينبغي للمؤمن أن يحذر من التورط فيه، ولو كان الإنسان آمنا على نفسه من الشرك، لأمنه إبراهيم عليه السلام على نفسه وولده.

إبراهيم الذي حطم الأصنام فجعلهم جذاذًا إلا كبيرًا لهم، ماذا قال بعد أن أظهره الله تعالى ورزقه ما رزقه من الفتوحات والعطايا والهبات قال: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ[إبراهيم: 35]، فسأل الله –عز وجل-أن يجنبه وبنيه أن يعبدوا الأصنام، وهو الذي كسرها، فقضية الشرك قضية خطيرة يزينها الشيطان بصور ومسالك عديدة، لذلك يجب على المؤمن أن يعرف أن التوحيد ليس أمرًا لا يحتاج إلى تكرار وتنبه ووعي لخطورة مخالفته والخروج عنه، بل ينبغي للمؤمن أن يسأل الله –عز وجل-أن يرزقه الإخلاص والتوحيد، وأن يثبته على ذلك لأن الثبات عليه هو مفتاح النجاة في الدنيا والآخرة، فمفتاح الجنة "لا إله إلا الله"، وليس الشأن في أن تقول: "لا إله إلا الله"، وأنت لم تأت بها على النحو الذي شرعت من إخلاص العبادة له جل في علاه.

بل يجب على المؤمن هذه الكلمة لله –عز وجل-ولا يسوِّ بالله غيره.

يقول –رحمه الله-: (كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلا مع الطهارة)

 هذا بيان أن التوحيد لا يتحقق بالصلاة وبالزكاة وبالصوم وبالحج، بل لا بد مع هذه الأعمال كلها مع كل الشرائع، لا بد من أصل يبنى عليه كل هذا العمل، وهو إفراد الله بالعبادة.

لذلك كان الركن الأول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم يأتي بعد ذلك العمل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، كل هذه تأتي تابعة للأصل وهو شهادة أن لا إله إلا الله.

والتوحيد في العبادات هو روحها، هو سبب قبولها بها تقبل وينجح العبد، وبها ترد ويخسر العبد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ لا يَقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصًا، وابتُغِيَ به وجهُه»[أخرجه النسائي في المجتبى(3140)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع] فلا بد في الأعمال من التوحيد، وإلا فإنها لا تقبل ومثل لها بمثال ظاهر يدركه كل مسلم.

قال: (كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلا مع الطهارة)

أي: أنه كما أن الصلاة لا تصلح إلا بالطهارة، فكذلك كل العبادات كل الطاعات لا تصلح إلا مع التوحيد، أرأيتم رجلا جاء وقد أحدث، واستقبل القبلة وكبر، قرأ الفاتحة وأطال القراءة، بعدها ركع وأطال الركوع، ثم سجد وأطال السجود، ثم قام وأتم صلاته على أكمل ما يكون صورة، لكنه من غير وضوء هل تقبل صلاته أو لا؟

لا تقبل؛ «إنَّ اللهَ لا يقبلُ صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتَّى يتوضَأ»[صحيح البخاري(6954)، ومسلم(2 - (225)]، هكذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم-، كذلك لو أن شخصا صلى وصام وزكى وحج وبر والديه وأحسن إلى جيرانه وفعل ما فعل من ألوان القربات، لكن أشرك بالله غيره لم يحقق "لا إله إلا الله"، فإن هذه العبادات جميعها لا ينتفع منها بشيء، كما قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا[الفرقان: 23]، وقد جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-فقال يا رسول الله كما في المسند بإسناد جيد من حديث أبي أمامة الباهلي قال يا رسول الله: أرأيت الرجل يقاتل يبتغي الأجر والذكر ما له؟ أي شيء ينال وأي فائدة يحصل؟ قال:« لا شيء له» أعاد على النبي السؤال، رجل يقاتل والقتال فيه تعريض للنفس وما دون النفس تلف وهلاك، يقاتل يبتغي الأجر من الله، عنده إرادة وقصد لكن يريد معه فائدة أخرى وهي أن يثني الناس عليه وأن يمدحوه، ما له؟ قال: «لا شيء له» ، ثم كرر السؤال مرة ثالثة فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ لا يقبلُ من العملِ إلَّا ما كان خالصًا يُبتغَى به وجهُه»[سبق] فكما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فكذلك العبادة لا تقبل إلا مع التوحيد الخالص.

يقول: (فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة)

 هذا قياس جلي وواضح، وتنظير وتمثيل يفهم به المقصود، الشرك إذا دخل العبادة أفسدها كما أن الصلاة من غير طهارة تفسدها، كما أن الحدث في الصلاة يفسدها كذلك العبادة إذا دخلها شرك فإنها تذهب هباء منثورًا.

الأدلة كثيرة، ومنها ما تقدم الرجل يقاتل يبتغي الأجر والذكر ما له قال: لا شيء له، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ»[صحيح مسلم(46 - (2985)] أي: أحبطت عمله، فلم يكن له من هذا العمل شيء، إذ إنه ما مقبول، فما تركه الله فهو مطروح، وما طرحه الله فلا ينفع، ما طرحه الله لا نفع فيه.

ولذلك قال –رحمه الله-: (فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة)

الرجل صلى فقبل أن يسلم حصل منه حدث ما حكم هذه الصلاة؟

غلبه الحدث وسبقه الحدث حتى حصل منه ما ينقض وضوءه أتقبل صلاته أم لا بد من إعادتها؟

لا تقبل صلاته، بل لا بد من إعادتها.

كذلك الشرك إذا دخل العبادة أفسدها، السؤال ما هو الشرك؟

  

الشرك ضد التوحيد، وعماد الشرك وأصله تسوية غير الله بالله، لو قيل لك عرف الشرك؟

فقل: الشرك تسوية غير الله بالله هذا هو الشرك، مدار الشرك على هذا المعنى، لذلك المشركون يوم القيامة يقولون: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ[الشعراء: 97-98]، فسووا غير الله بالله فكانوا بذلك مشركين، وقد قال الله تعالى في محكم التنزيل، قال –سبحانه وبحمده-: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ[الأنعام: 1].

قال –رحمه الله-: فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها، وأحبط العمل، وصار صاحبه من الخالدين في النار، عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك، لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة).

إذا عرفت مما تقدم أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها أي: لم تعد صالحة ولا مقبولة وأحبطها أي: أذهب أجرها، وأزال نفعها، وصار صاحبه أي: صاحب الشرك من الخالدين في النار لقول الله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ[المائدة: 72]، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-فيما رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود «من لقِيَه يُشرِكُ به دخل النَّارَ» [صحيح البخاري(1238)، ومسلم(150 - (92)] هذا معنى قوله –رحمه الله-: (وصار صاحبه من الخالدين في النار).

عرفت أيها الموفق أن أهم ما عليك أي: أوجب ما ينبغي أن تعتني إليه، وأخطر ما ينبغي أن تلفت النظر إليه أن أهم ما عليك معرفة ذلك أي: معرفة التوحيد وما ينقضه، معرفة كيف تحقق العبادة لله وحده وكيف تسلم من عبادة سواه.

فإذا عرفت ذلك يقول –رحمه الله-: (عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك، لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة)

 أي: يخلصك من الشرك، الشرك شبكة وتوصيف الشرك بأنه شبكة مطابق للواقع، لأن الشرك يبدأ شيئًا فشيئًا حتى يأخذ بالإنسان من كل جهاته،  كما قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ[المجادلة: 19]

 يتمكن الشيطان من الإنسان خطوة خطوة، درجة درجة، حتى تكون كالشبكة التي تعلق بها قدمه، فيعجز عن إزالتها بقدمه، ثم قد يعالجها بيديه، فتعلق يداه، حتى لا يتمكن من الخلاص ويقع فيما يوجب حجب مغفرة الله –عز وجل-.

قال: (لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة)

أي: من هذا البلاء العظيم الذي إذا تورط فيه العبد فسدت دنياه، وخربت آخرته.

هذه المقدمة التي خلاصتها بيان ملة إبراهيم، بيان الحنيفية التي جاء بها المرسلون صلوات الله وسلامه عليهم، وأن عبادة الله وحده لا شريك له، وهي أن تعبد الله مخلصًا له الدين، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[البينة: 5]، ولا يتحقق ذلك إلا بالخوف من الشرك والسلامة من الشرك في الظاهر والباطن، كما أمر الله –عز وجل-وأوجب على عباده أن يتجنبوا الشرك وأهله.

كيف يتحقق هذا؟

قال: (وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه)، هذه القواعد الأربعة كلها دائرة على بيان ملة إبراهيم، بيان الحنيفية، بيان ما يضادها، فهذه القواعد دائرة على بيان ما يسلم به الإنسان من الشرك من عبادة غير الله –عز وجل-، من تسوية الله بغيره، وهذا هو عنوان الخسار في الدنيا والآخرة.

قال: (وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه)، فهي أربع قواعد دليلها الاستقراء والتتبع لأدلة الكتاب والسنة والواقع في حال الأمة، ثم هذه القواعد لها من الأدلة في كتاب الله ما يعززها ويصدقها.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق