قال –رحمه الله-في ذكر هذه القواعد:
قال –رحمه الله-القاعدة الأولى أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يقرون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لجميع الأمور، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام، والدليل قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾[يونس: 31].
هذه هي القاعدة الأولى المصنف –رحمه الله-قال في بداية عرضه للقواعد بعد المقدمة، وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله في كتابه القواعد جمع قاعدة، والقاعدة هي الأصل الأس وهي الأساس الذي يبنى عليه غيره، وتطلق القواعد في الأصل على الأسس الحسية كقواعد البيت، وقواعد البناء، وقواعد الكرسي، وقواعد ما يكون فيه قواعد من الأمور الحسية، لكن يطلق أيضًا على الأمور المعنوية، ومنه هذا الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-فإنه ذكر قواعد هي قواعد بتحقيق التوحيد في القلب، وهي قواعد معنوية.
أما الحسية فنظير قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾[البقرة: 127]، وفي قوله –جل وعلا-: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾[النحل: 26].
وأما القواعد المعنوية في كل أمر يبنى عليه غيره مما هو من مدركات العقول والأذهان والأفهام، وتعريف القاعدة في الاصطلاح: قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها، فتعرف القواعد أو القاعدة بأنها قضية كلية، سواء كانت القاعدة في أمر التوحيد قواعد كلية توحيدية، قواعد كلية فقهية إذا كانت في الفقه، قواعد كلية أصولية إذا كانت في الأصول، وهلم جرًّا.
إذًا المقصود أن القاعدة هي قضية كلية بمعنى أنها أمر واسع شامل يندرج تحته فروع، تندرج تحته جزئيات، يندرج تحته مسائل، يندرج تحته تفصيل، هذه القواعد الأربع هي ما ذكره المؤلف –رحمه الله-في بيان دعوة الرسل وما يتحقق بتحقيق ملة إبراهيم.
سؤال قبل أن نتكلم عن القواعد ألسنا ذكرنا قبل قليل أن جميع المرسلين جاءوا بالتوحيد، والله –عز وجل-قد ذكر ذلك فقال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل: 36]، فلماذا تضاف هذه الملة إلى إبراهيم مع أنها ملة جميع المرسلين لماذا يقال ملة إبراهيم؟ ولا يضاف إلى غيره بما أن الرسل جميعهم من نوح عليه السلام إلى خاتمهم كانوا على التوحيد؟
الجواب على هذا أن إبراهيم عليه السلام جاء وقد طبق الشرك الأرض، فدعا الناس إلى عبادة الله وحده، هذا جواب، ولذلك أضيف دين التوحيد إليه، ملة إبراهيم، أي: دين إبراهيم وهو توحيد الله –عز وجل-وقيل في سبب الإضافة: أن الناس لا يزالون بعده ينتسبون إليه، فإن جميع المرسلين الذين جاءوا بعد إبراهيم عليه السلام هم من ذريته، فكانت ملة إبراهيم هي الجامع لكل الشرائع والأديان والرسالات التي جاءت بعده.
فلذلك أضيفت إليه عليه الصلاة والسلام هذا جواب آخر، وكلاهما يصلح أن يكون جوابا ولعل الجواب في الأمرين.
القاعدة الأولى التي ذكرها الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-في القواعد الأربع.
قال: ( أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يقرون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لجميع الأمور، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام) ، هذه قضية مهمة جدا في تعريف ما الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-، النبي –صلى الله عليه وسلم-جاء يدعو الناس إلى "لا إله إلا الله" يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فما معنى لا إله إلا الله؟
معنى "لا إله إلا الله" لا معبود حق إلا الله، لا يستحق العبادة سواه، هذا هو معنى لا إله إلا الله، وهو الذي دلت عليه الأدلة في الكتاب والسنة، هناك من يفسر لا إله إلا الله أنه لا خالق إلا الله، وهذا تفسير مغلوط يبينه هذه القاعدة التي تميز الحنيفية عن غيرها توضح معنى لا إله إلا الله وهي أن الذين بعث بهم النبي –صلى الله عليه وسلم-وهم مشركو مكة جاءهم النبي –صلى الله عليه وسلم-فأمرهم أن يعبدوا الله وحده لا شريك له هل كانوا ينكرون أن الله هو الخالق؟
الجواب: لا ، كانوا يقرون بأن الله هو الخالق ويقول: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[الزخرف: 87]، فكانوا يقرون بأن خالق السماوات والأرض وأن خالقهم ومدبرهم ومصرفهم هو الله جل في علاه، لكنهم كانوا يشركون معه غيره.
فلم يكن الخلاف بين النبي –صلى الله عليه وسلم-وقومه من الذي خلق؟ من هو الرب؟ كان الخلاف بين النبي –صلى الله عليه وسلم-وقومه في العبودية، كانوا يصرفون العبادة إلى آلهه شتى، وكان يأمرهم ألا يعبدوا إلا الله وحده ،كما قال –جل وعلا-فيما قص عن تعجب المشركين قال: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص: 5]، يعني يستغرب كيف يطلب منا محمد أن نعبد إلا إلها واحدًا، فكان الخلاف بين النبي –صلى الله عليه وسلم-وبين قومه ليس في أن الله هو الخالق، فهم يقرون بأن الله هو الخالق ولا فيمن هو الرازق، ولا فيمن هو المدبر، ولا فيمن هو المصرف، إنما خلافهم كان مع النبي –صلى الله عليه وسلم-فيمن يستحق العبادة وحده لا شريك له.
لذلك القاعدة هنا تقول: أن تعلم أن الكافرين الذين قاتلهم النبي –صلى الله عليه وسلم-مقرون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر، وهذا يعني أنهم يقرون بأن الله رب العالمين، ما في خلاف بين المشركين وبين النبي –صلى الله عليه وسلم-في أن الله هو الرب، لكنهم خالفوا في أن الله هو المستحق للعبادة وحده.
ولذلك لما أقروا أن الله هو الخالق المدبر الرازق، لم يدخلوا في الإسلام.
ولذلك قال: (ولم يدخلهم ذلك في الإسلام) ، والدليل قول الله تعالى، أي اقرأ دليل أنهم يقرون بالربوبية لله وأنهم ما زالوا على الشرك قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾[يونس: 31]، أي الذي يفعل هذا هو الله، من الذي سيقول هذا؟ المشركون الذي بعث فيهم –صلى الله عليه وسلم-سيقولون الله لكنهم لا يستجيبون بأنه لا إله غيره.
ولذلك قال: ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ﴾[يونس: 32]، والحق أنه يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، فإذا صرفتم العبادة إلى غيره فقد وقعتم في الضلال.
إذًا هذه القاعدة الأولى يتبين بها أن كل من أقر بالربوبية، ولم يفرد الله بالتوحيد لم يفرد الله بالعبادة، فإنه لم يأت بالحنيفية التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فلا تتحقق الحنيفية لأحد إلا بأن يقر بأنه لا إله إلا الله، ولا يكفيه في تحقيق الحنيفية أن يقر بأن الله هو الخالق، أو أن الله هو الرازق، أو أن الله هو المدبر، فإن ذلك كله مما كان يقر به المشركون.
ولذلك قال الله تعالى لهم: ﴿قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾[المؤمنون: 87] أي: كيف لا تتقون الشرك؟ كيف لا تتقون صرف العبادة لغيره جل في علاه؟
خلاصة القاعدة الأولى أن التوحيد لا يتحقق، الحنيفية لا تتحقق، ملة إبراهيم لا تتحقق، إلا بالإقرار بأنه لا إله إلا الله، وأن الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق المدبر لا يثبت التوحيد ولا ينتفع به الإنسان إذا أقر به مجردًا عن أن يفرد الله تعالى بالعبادة.
لعلنا نقف على هذا، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.