صفحة جديدة 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
المؤلف قسم ما يتعلق بوقت إخراج زكاة الفطر إلى عدة أقسام:
القسم الأول: بين فيه وقت الوجوب.
القسم الثاني: بين فيه وقت الجواز.
القسم الثالث: بين فيه وقت الأفضلية.
القسم الرابع: بين فيه وقت الكراهة كراهة الإخراج.
القسم الخامس: بين فيه التحريم.
بهذا يتبين أن وقت إخراج وجوب الزكاة تجري فيه الأحكام الخمسة التي ذكرناها: الوجوب، الاستحباب، الكراهة، التحريم، الإباحة.
وقت الوجوب لزكاة الفطر:
يقول –رحمه الله-: وتجب الفطر بغروب الشمس ليلة عيد الفطر لإضافتها إلى الفطر، والإضافة تقتضي الاختصاص والسببية، وأول زمن يقع فيه الفطر من جميع رمضان: مغيب الشمس من ليلة الفطر.
ومعنى هذا الكلام أن زكاة الفطر لا تجب إلا بدخول ليلة عيد الفطر، ودخول ليلة الفطر يكون بغروب شمس آخر يوم من أيام رمضان.
ووجه ذلك أن الزكاة أضيفت في الأخبار إلى الفطر، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ مِن رَمَضَانَ»[صحيح البخاري(1503)، ومسلم(12 - (984))] فكانت هذه الإضافة دالة على أنها صدقة تجب بالفطر كزكاة المال، وذلك لأن الإضافة دليل الاختصاص، والسبب أخص بحكمه من غيره، ومن حيث المعنى هذا من حيث دلالة اللفظ.
أما من حيث المعنى فإن أول زمن يقع فيه الفطر من جميع رمضان هو مغيب الشمس من ليلة الفطر.
وقال المؤلف: من جميع رمضان ليخرج بذلك عن الفطر الذي يكون في أيام رمضان، لأنه فطر من بعض رمضان لا من كله وجميعه.
وعن الإمام أحمد رواية أن وقت الوجوب يمتد إلى طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر، وعنه يجب بطلوع الفجر، وعنه رواية يمتد إلى أن يصلي العيد.
فهذه أربعة أقوال وهي روايات عن الإمام أحمد، المذهب هو ما ذكر المؤلف من أن زكاة الفطر تجب بغروب شمس آخر يوم من أيام رمضان.
والرواية الثانية: أن ذلك يمتد إلى طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر.
والرواية الثالثة: أنه يجب بطلوع الفجر منه أي: من يوم العيد يوم الفطر.
والثالث يمتد إلى أن يصلي العيد.
ما الفرق بين الرواية الثانية والرواية الثالثة؟
الرواية الثانية يقول: يمتد وقت الوجوب إلى طلوع الفجر.
والثالثة يقول: يجب بطلوع الفجر.
هل في فرق بين القولين بين الرواية الثانية والثالثة؟
الفرق أنه يجب بغروب الشمس، ولكن هذا الوجوب لا ينتهي فقط بغروب الشمس، فلو أنه تزوج عقد بعد غروب الشمس، فإنها تجب عليه، يعني وقت الوجوب يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فكل هذا وقت الوجوب.
وأما على الرواية الثالثة، فإنه يجب طلوع الفجر ليس ثمة وقت يمتد إليه، إنما هو بطلوع الفجر، فإذا طلع الفجر ثبت الوجوب هذا مقتضى الظاهر في عدهم لهاتين الرواتين، لكن هل هناك فارق عملي؟
الفرق في الإيجاب لا في الرفع، بمعنى أنه متى ما وجد الموجب ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فإنه يثبت الحكم، إذا كان الموجب موجودًا.
أما إذا زال الموجب فهل يكون الوجوب ثابتًا، الوجوب ثابت بغروب الشمس، لكن لو وجد الموجب بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فإنه يثبت وجوب النفقة مثل ما ذكرت قبل قليل لو أنه عقد على امرأة بعد غروب الشمس وقبل طلوع الفجر، تلزمه نفقته على الرواية الثانية، ولا تلزمه على الرواية الأولى.
لكن ما الفرق بين هذا القول وبين القول الثالث أنها بطلوع الفجر؟
الفرق في زوال الموجب، مثاله على الرواية الثالثة لو مات قبل طلوع فجر يوم العيد، لم تجب عليه.
وعلى القول الثاني تجب، لأنها تجب بطلوع الفجر، والثالث تجب بغروب الشمس، لكن يمتد الوجوب إلى طلوع الفجر، ولو أنه طلق بعد غروب الشمس طلاق بائنًا لم تجب على القول الثالث، وتجب على القول الثاني.
إذا زال الموجب بعد غروب الشمس، يطلق طلاقًا بائنًا بعد غروب الشمس ليلة العيد على القول الأول تجب الزكاة ولا ما تجب؟
تجب.
على القول الثاني تجب أو لا تجب؟
تجب؛ لأنه يمتد من غروب الشمس إلى طلوع الفجر مثل ما وجب موجب النفقة ثبت وجوب الزكاة، وإذا ارتفع تجب عليه الزكاة على الرواية الأولى، يعني الرواية الثانية متقاطعة مع القول الأول والقول الثالث، ففيما العموم والخصوص الوجهي يعني هناك نقطة التقاء بين القولين في القول الثاني، لكن على القول الأول والثاني متقابلان، فإذا وجد بعد غروب الشمس الموجب لا يؤثر، إذا ارتفع فإنه لا يسقط وجوب الزكاة.
الكلام على هل وجد المقتضي لوجوب الزكاة أو لم يوجد هنا الفارق.
إذًا ثمرة الخلاف فيما يتعلق بالرواية الثانية والرواية الرابعة التي فيها امتداد وقت الوجوب هو فيما إذا زال المقتضي، فإذا زال المقتضي قبل نهاية الوقت الممتد لم تجب.
وإذا وجد المقتضي في الوقت الممتد وجبت.
مثال ذلك: رجل أسلم بعد غروب الشمس على القول بالامتداد سواء لطلوع الفجر أو لصلاة العيد تلزمه زكاة الفطر أو لا تلزمه؟
إذا أسلم بعد غروب الشمس لزمته على الروايات الثلاث لماذا؟
لأنه وجد السبب المقتضي لوجوب زكاة الفطر في وقت الوجوب، أو قبل وقت الوجوب إذا قلنا وقت الوجوب هو طلوع الفجر يعني في وقت الامتداد أو في وقت الوجوب.
أما إذا زال المقتضي بمعنى طلقت طلاقًا بائنًا مع غروب الشمس آخر يوم من أيام رمضان، فعلى المذهب تلزمه زكاتها، لكن على الأقوال الثلاثة لا تلزمه، لأنه يلزم أن يمتد مقتضي الوجوب إلى نهاية الوقت، إما صلاة العيد هذا على الرواية الثانية والرابعة.
وأما على رواية أنها بطلوع الفجر فهو قد زال المقتضي قبل وقت الوجوب.
يقول: فمن أسلم الآن يأتي بما يترتب على القول الذي قرره وهو المذهب أنه تجب زكاة الفطر بغروب الشمس ليلة الفطر.
قال: فمن أسلم بعده أي: بعد غروب شمس ليلة الفطر أو ملك عبدًا بعد الغروب أو تزوج زوجة ودخل بها بعد الغروب أو ولد له بعد الغروب: لم تلزمه فطرته في جميع ذلك؛ لعدم وجود سبب الوجوب.
وعلى الروايات الثلاث الأخرى يلزمه فطرته لوجود سبب الوجوب قبل انقضاء وقت الوجوب، فإن أسلم بعد غروب الشمس، أو ملك عبدًا بعد غروب الشمس، أو تزوج زوجة بعد غروب الشمس، أو ولد له بعد غروب الشمس، فهل تلزمه زكاة الفطر على القول بأن الوقت يمتد لطلوع الفجر الثاني أو يمتد إلى صلاة العيد؟
الجواب: نعم.
أما على القول بأن وقت الوجوب بطلوع فجر يوم العيد، فيلزمه بلا ريب.
أما إن وجد السبب بعد غروب الشمس، فلا تجب زكاة الفطر لفوات وقت الوجوب، وهو ما أشار إليه في قوله: لم تلزمه فطرته في جميع ذلك؛ لعدم وجود سبب الوجوب هذا على المذهب.
أما على رواية الامتداد، فعلى رواية الامتداد وقت الوجوب لا ينقضي بغروب الشمس، فإذا وجد سبب من أسباب وجوب زكاة الفطر بعد غروب الشمس إلى نهاية وقت الامتداد سواء كان ذلك بطلوع الفجر أو بصلاة العيد، فإنها تلزم زكاة الفطر حينئذ.
مثال ذلك: رجل أسلم بعد غروب الشمس وجد السبب المقتضي في وقت الوجوب وهو الممتد تجب عليه زكاة الفطر، كذا رجل تزوج أو رجل ولد له بعد غروب شمس آخر يوم من أيام رمضان في وقت الامتداد إلى طلوع الفجر على رواية أو إلى صلاة العيد على الرواية الأخرى، فإنه تلزمه.
أما إذا زال سبب الوجوب فإن كان سبب الوجوب زال في الوقت الممتد، فالظاهر أنه لا يجب.
مثاله: رجل طلق امرأته طلاق بائنًا بعد غروب شمس آخر يوم من أيام رمضان، وقبل طلوع الفجر أو قبل صلاة العيد، أي أنه طلق في الوقت الممتد، ففي هذه الحال لا تلزمه زكاة الفطر، لأنه لم يستوعب الوقت الذي تجب فيه الزكاة فقد زال سبب الوجوب في الوقت الممتد.
قال: وإن وجدت هذه الأشياء قبله قبل الوجوب تلزم الفطر لمن ذكر؛ لوجود السبب.
أي إن وقت وجوب زكاة الفطر مغيب شمس آخر يوم من أيام رمضان، فإن من أسلم بعد ذلك أو تزوج أو ولد له ولد، لم يلزمه فطرته لعدم وجود سبب الوجوب.
ومتى وجد قبل الغروب ما يسقط وجوب النفقة من زوجة أو قريب بنحو موت أو طلاق أو يسار قريب فلا تجب عليه لهم زكاة الفطر لزوال السبب قبل زمن الوجوب.
وكذلك إذا زال السبب في زمن الوجوب الذي هو وقت الامتداد في الوقت الممتد.
حكم تعجيل زكاة الفطر:
قوله –رحمه الله-: ويجوز إخراجها معجلة قبل العيد بيومين فقط لما روى البخاري بإسناده عن ابن عمر: «فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ مِن رَمَضَانَ» وقال في آخره: «وكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بيَومٍ أوْ يَومَيْنِ».[أخرجه البخاري في صحيحه(1511)]
قال الشارح: وعلم من قوله: فقط أنها لا تجزئ قبلهما لقوله عليه الصلاة والسلام: «أغنوهُم عن الطلبِ في هذا اليومِ»[ أخرجه الدارقطني "2/152، 153]، ومتى قدمها بالزمن الكثير، فات الإغناء المذكور، فيجوز إخراج زكاة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين لما ذكر ابن عمر رضي الله تعالى عنه.
فإن قوله: كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين إشارة إلى جميع الصحابة، فيكون إجماعًا، ولأن تعجيل كذلك لا يخل بمقصودها إذ يحصل الإغناء لهم يوم العيد إذ الظاهر بقاء زكاة الفطر أو بقاء بعضها إلى يوم العيد.
وأفاد كلام المؤلف أنه لا يجزئ إخراج زكاة الفطر قبل يومين من يوم العيد، وهذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب، وهو من مفردات مذهب الحنابلة للحديث الذي ذكره الشارح، ومتى قدمها بكثير فات الإغناء في يوم العيد.
وعن الإمام أحمد رواية يجوز تقديمها بثلاثة أيام.
وقيل: يجوز تقديمها بخمسة عشرة يوما، وحكي رواية عن الإمام أحمد.
وقيل: يجوز تقديمها بشهر ذكرها القاضي في الشرح الصغير.
والأقرب -والله تعالى أعلم- أن تقدير تقديمها بيوم أو يومين ليس على وجه التحديد، بل هو ذكر لما كان عليه العمل، وهو فعل لا يدل على الإلزام، بل يدل على اتساع في إخراجها، فما كان قرابة اليومين يتسامح فيه.
قوله –رحمه الله-: وإخراج يوم العيد قبل مضيه إلى الصلاة أفضل لحديث ابن عمر السابق أول الباب.
أي: إن أفضل وقت إخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل صلاة العيد لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه حيث قال: إن النبي ﷺ أمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، ولأن المقصود إغناء الفقراء في هذا اليوم عن السؤال من أجل أن يشاركوا الموسرين في الفرح والسرور.
وهذا يتحقق بإخراجها في هذا الوقت على وجه متيقن.
قال: وتكره في باقيه أي: باقي يوم العيد، بعد الصلاة.
أي: إنه يكره أن تخرج زكاة الفطر في باقي يوم العيد، وهو ثالث أوقات إجزاء إخراجها هذا ثالث أوقات إجزاء الإخراج.
الأول: في وقت الوجوب.
الثاني: قبل وقت الوجوب بيوم أو يومين.
الثالث: في يوم العيد.
هذه كلها أوقات على ما ذكر المؤلف الإخراج فيها مجزئ.
قال –رحمه الله-: وتكره أي: إنه يجوز إخراجها في هذا الوقت، إلا أنه مكروه لأن إخراجها بعد الصلاة يفوت بعض المقصود من إغناء الفقراء في هذا اليوم، فلا يحصل لهم الغناء إلا بعد الصلاة، والذي يريد أن يعطيهم ليغنيهم فإنه يجب عليه أن يعطيهم إياها قبل الصلاة لأجل أن يشملهم الفرح جميع اليوم.
والدليل على الإجزاء دخولها في قول النبي ﷺ في حديث ابن عباس «أغنُوهم في هذا اليومِ» [ أخرجه الدارقطني "2/152، 153] وإخراجها في يوم العيد بعد الصلاة مما يتحقق به هذا المعنى، ولو لم يكن ذلك على وجه الكمال.
وثمة قول بأنه لا يجزئ إخراجها بعد صلاة العيد، لأن النبي ﷺ أمر أن تؤدى قبل صلاة العيد، والأمر يقتضي الوجوب، وهذا هو الأقرب فيما يظهر والله أعلم.
لأنه إذا أخرجها بعد الصلاة لم يتحقق المأمور به من إغنائهم عن الطلب في هذا اليوم، إذ قد يقع الطلب في أثنائه.
وقد جاء في رواية «أغنوهم عنِ الطَّوافِ في هذا اليومِ»[أخرجه البيهقي في الكبرى(7739)، وابن زنجويه في الأموال(41)بسند ضعيف] وهو يشمل جميع اليوم.
قال –رحمه الله-: ويقضيه بعد يومه ويكون آثمًا بتأخيرها عنه؛ لمخالفته أمر النبي ﷺ بقوله: «أغنوهُم في هذا اليومِ» رواه الدار قطني من حديث ابن عمر.
أي: إن من فوت إخراجها في وقتها، يخرجها بعد يوم العيد قضاء على وجه الوجوب، والدليل على الإثم بتأخيرها ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من أن النبي ﷺ أمر بإغنائهم
في هذا اليوم، فإذا لم يخرجها فيه كان ذلك مخالفًا لما أمر به.
وأما كون من أخر الفطر عن يوم العيد يأثم، فهذا جلي واضح لمخالفته أمر النبي ﷺ، ولأنه أخر الواجب عن وقته.
وقد قال النبي ﷺ: «أغنوهم عنِ الطَّوافِ في هذا اليومِ».[سبق]
قوله –رحمه الله-: ولمن وجبت عليه فطرة غيره، إخراجها مع فطرته مكان نفسه.
أي: فلا يجب أن يخرجها بمكان من وجبت عليه.
فمثلًا: رجل وجبت عليه زكاة زوجه أو ولده وهو في بلد غير بلد زوجه أو ولده، فإنه يجوز أن يخرجها مكان إخراج ما وجب عليه، ولا يلزمه أن يخرجها في بلد من أخرجها عنه، والأمر في ذلك واسع.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
صفحة جديدة 1
قوله –رحمه الله-: ويجوز إخراجها معجلة قبل العيد بيومين فقط لما روى البخاري بإسناده عن ابن عمر: «فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ مِن رَمَضَانَ» وقال في آخره: «وكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بيَومٍ أوْ يَومَيْنِ».[أخرجه البخاري في صحيحه(1511)]
قال الشارح: وعلم من قوله: فقط أنها لا تجزئ قبلهما لقوله عليه الصلاة والسلام: «أغنوهُم عن الطلبِ في هذا اليومِ»[ أخرجه الدارقطني "2/152، 153]، ومتى قدمها بالزمن الكثير، فات الإغناء المذكور، فيجوز إخراج زكاة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين لما ذكر ابن عمر رضي الله تعالى عنه.
فإن قوله: كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين إشارة إلى جميع الصحابة، فيكون إجماعًا، ولأن تعجيل كذلك لا يخل بمقصودها إذ يحصل الإغناء لهم يوم العيد إذ الظاهر بقاء زكاة الفطر أو بقاء بعضها إلى يوم العيد.
وأفاد كلام المؤلف أنه لا يجزئ إخراج زكاة الفطر قبل يومين من يوم العيد، وهذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب، وهو من مفردات مذهب الحنابلة للحديث الذي ذكره الشارح، ومتى قدمها بكثير فات الإغناء في يوم العيد.
وعن الإمام أحمد رواية يجوز تقديمها بثلاثة أيام.
وقيل: يجوز تقديمها بخمسة عشرة يوما، وحكي رواية عن الإمام أحمد.
وقيل: يجوز تقديمها بشهر ذكرها القاضي في الشرح الصغير.
والأقرب -والله تعالى أعلم- أن تقدير تقديمها بيوم أو يومين ليس على وجه التحديد، بل هو ذكر لما كان عليه العمل، وهو فعل لا يدل على الإلزام، بل يدل على اتساع في إخراجها، فما كان قرابة اليومين يتسامح فيه.
قوله –رحمه الله-: وإخراج يوم العيد قبل مضيه إلى الصلاة أفضل لحديث ابن عمر السابق أول الباب.
أي: إن أفضل وقت إخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل صلاة العيد لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه حيث قال: إن النبي ﷺ أمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، ولأن المقصود إغناء الفقراء في هذا اليوم عن السؤال من أجل أن يشاركوا الموسرين في الفرح والسرور.
وهذا يتحقق بإخراجها في هذا الوقت على وجه متيقن.
قال: وتكره في باقيه أي: باقي يوم العيد، بعد الصلاة.
أي: إنه يكره أن تخرج زكاة الفطر في باقي يوم العيد، وهو ثالث أوقات إجزاء إخراجها هذا ثالث أوقات إجزاء الإخراج.
الأول: في وقت الوجوب.
الثاني: قبل وقت الوجوب بيوم أو يومين.
الثالث: في يوم العيد.
هذه كلها أوقات على ما ذكر المؤلف الإخراج فيها مجزئ.
قال –رحمه الله-: وتكره أي: إنه يجوز إخراجها في هذا الوقت، إلا أنه مكروه لأن إخراجها بعد الصلاة يفوت بعض المقصود من إغناء الفقراء في هذا اليوم، فلا يحصل لهم الغناء إلا بعد الصلاة، والذي يريد أن يعطيهم ليغنيهم فإنه يجب عليه أن يعطيهم إياها قبل الصلاة لأجل أن يشملهم الفرح جميع اليوم.
والدليل على الإجزاء دخولها في قول النبي ﷺ في حديث ابن عباس «أغنُوهم في هذا اليومِ» [ أخرجه الدارقطني "2/152، 153] وإخراجها في يوم العيد بعد الصلاة مما يتحقق به هذا المعنى، ولو لم يكن ذلك على وجه الكمال.
وثمة قول بأنه لا يجزئ إخراجها بعد صلاة العيد، لأن النبي ﷺ أمر أن تؤدى قبل صلاة العيد، والأمر يقتضي الوجوب، وهذا هو الأقرب فيما يظهر والله أعلم.
لأنه إذا أخرجها بعد الصلاة لم يتحقق المأمور به من إغنائهم عن الطلب في هذا اليوم، إذ قد يقع الطلب في أثنائه.
وقد جاء في رواية «أغنوهم عنِ الطَّوافِ في هذا اليومِ»[أخرجه البيهقي في الكبرى(7739)، وابن زنجويه في الأموال(41)بسند ضعيف] وهو يشمل جميع اليوم.
قال –رحمه الله-: ويقضيه بعد يومه ويكون آثمًا بتأخيرها عنه؛ لمخالفته أمر النبي ﷺ بقوله: «أغنوهُم في هذا اليومِ» رواه الدار قطني من حديث ابن عمر.
أي: إن من فوت إخراجها في وقتها، يخرجها بعد يوم العيد قضاء على وجه الوجوب، والدليل على الإثم بتأخيرها ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من أن النبي ﷺ أمر بإغنائهم
في هذا اليوم، فإذا لم يخرجها فيه كان ذلك مخالفًا لما أمر به.
وأما كون من أخر الفطر عن يوم العيد يأثم، فهذا جلي واضح لمخالفته أمر النبي ﷺ، ولأنه أخر الواجب عن وقته.
وقد قال النبي ﷺ: «أغنوهم عنِ الطَّوافِ في هذا اليومِ».[سبق]
قوله –رحمه الله-: ولمن وجبت عليه فطرة غيره، إخراجها مع فطرته مكان نفسه.
أي: فلا يجب أن يخرجها بمكان من وجبت عليه.
فمثلًا: رجل وجبت عليه زكاة زوجه أو ولده وهو في بلد غير بلد زوجه أو ولده، فإنه يجوز أن يخرجها مكان إخراج ما وجب عليه، ولا يلزمه أن يخرجها في بلد من أخرجها عنه، والأمر في ذلك واسع.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.