كتاب الزكاة من الروض المربع

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 63

التاريخ : 2024-12-29 04:40:18


قوله –رحمه الله-: ((فإن عجز عن البعض وقدر على البعض: بدأ بنفسه)) هذه المسألة التي أشرنا إليها سابقا عند كلامه عن لزومه الصدقة عمن يمون.

الآن إن عجز عن البعض وقدر على البعض بدأ بنفسه، أي أنه إذا كان لا يفضل عن قوته وقوت عياله ليلة العيد ويومه وعن حوائجه الأصلية إلا صاع، فالواجب عليه أن يبدأ بنفسه أولا لما تقدم من قوله ﷺ: «ابدَأ بنفسِكَ». [سبق]؛ ولأن الفطرة تبنى على النفقة، ونفقة الناس مقدمة على كل أحد، فكذلك فطرته، فيبدأ بنفسه إن عجز عن البعض وقدر على البعض، ثم يبدأ بعد نفسه بامرأته فيخرج زكاة الفطر عنها.

وعللوا ذلك قالوا: لأن نفقتها آكد من نفقة غيرها، فهي تجب مع اليسار والإعسار، وهي واجبة على سبيل المعاوضة، فتقدم الزوجة على سائر القرابات.

وقيل: يقدم الولد على الزوجة، وقيل: يقدم الولد الصغير عليها، والمذهب تقديم الزوجة على غيرها، ثم بعد امرأته يبدأ بفطرة رقيقه.

قالوا: لأن نفقة الرقيق واجبة مع اليسار والإعسار بخلاف الأقارب، فهي صلة، فيخرج عن عبده ولو مرهونًا أو مغصوبًا ليس في يده، أو غائبًا، أو لتجارة، فيخرج في جميع الأحوال عنه لأن نفقتهم واجبة عليه.

وقال ابن عقيل: يحتمل تقديمه على الزوجة، أي تقديم الرقيق على الزوجة، لأن نفقته لا تسقط بالكلية.

قال –رحمه الله-: ((فأمُّه)) أي: ثم يبدأ بعد الرقيق بأمه، لأن النبي ﷺ قدمها في البر حين سئل «مَن أَبَرُّ؟ قالَ: أمَّكَ، قلْتُ: ثمَّ مَنْ؟ قالَ: بَرَّ أُمَّكَ. قُلْتُ: ثمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمَّكَ، قلْتُ: ثمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أباكَ»[أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في سننه(5139)، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد (8344)، والبخاري (5971)، ومسلم (2548)]  ثم يبدأ بأبيه بعد ذلك لحديث، ولأنه كبعض ولده.

وقيل: يقدم الأب على الأم لقوله ﷺ: «أنتَ ومالَكَ لأبيكَ»[أخرجه ابن ماجه في سننه(2291)، قال البوصيري في مصباح الزجاجة: وإسناده صحيح على شرط البخاري]

وقيل: يستويان فيتحاصان، ثم يبدأ بعد والديه بفطرة ولده قالوا: لأن نفقته واجبة في الجملة.

وقيل: يقدم الولد الصغير في الفطرة على الوالد، بل على الزوجة كما تقدم، لأن نفقة الولد الصغير متفق عليها بخلاف الوالد.

وقيل: يقدم الولد في الفطرة على الوالد؛ لأن كبعضه أشبه الصغير، ثم يبدأ بالأقرب فالأقرب في الميراث؛ وذلك لأن الأقرب أولى من غيره.

قوله –رحمه الله-: ((فإن استوى اثنان فأكثر، ولم يفضل إلا صاع: أقرع)).

إن استوى اثنان فأكثر في الاستحقاق ممن تقدم ذكرهم كولدين أو أولاد، أو إخوة، ولم يفضل غير صاع أقرع بينهم لتساويهم، وعليه فإنه فيما إذا قلنا بتساوي الأب والأم في الاستحقاق، فإنه يقرع بينهما وليس يتحاصان، وإنما يقرع بينهما لاستوائهما في الاستحقاق، والصاع لا يجزئ إلا عن واحد منهما، هذا على الصحيح من المذهب.

وقيل: يوزع، وقيل: يخير، يوزع بمعنى يكون عنهما بالتساوي، فيدفع عن هذا نصف، وعن هذا نصف وهو معنى التحاصّ الذي ذكرته قبل قليل.

وقيل: يخيّر، أي: يخير فيما يخرج عنه.

ثم ذكر ما يتعلق بالرقيق، فقال –رحمه الله-: ((والعبد بين شركاء: عليهم صاع بحسب ملكهم فيه، كنفقته)).

يعني ذاك العبد مشترك فإن النفقة تكون عليهم جميعًا، وكذلك الصاع يكون بينهم.

وقيل: بل يخرج كل شريك صاعًا، فيكون كل شريك يخرج صاعًا مستقلًّا؛ لأنها طهرة ككفارة القتل، فتتعدد على من هي عليه بحسب عدده، ككفارة القتل، فلا تتبعض، إلا أن الرواية الأولى أصح.

قوله: ((وكذا حر وجبت نفقته على اثنين فأكثر))، يعني إذا كان الحر وجبت نفقته على اثنين من قرباته، ((فإن الصاع يوزع بينهم بحسب النفقة))، فإن كان هذا يلزمه الثلث، وهذا يلزمه ثلثان، كان على هذا ثلث صاع، وعلى هذا ثلثا الصاع.

قال: ((ويستحب أن يخرج عن الجنين)).

نقف على هذا على قوله: ويستحب أن يخرج على الجنين، أحسن الله إليكم.

  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: باب زكاة الفطر

لما فرغ المؤلف من الكلام على زكاة الأموال، وما يتعلق بها من أحكام أتبع ذلك بالكلام على زكاة الأبدان، وهي زكاة الفطر وهي ثاني قسمي الزكاة، فالزكاة إما في المال زكاة مال، وإما زكاة بدن، والحكمة في مشروعية هذه الزكاة ما بينه النبي ﷺ «طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ، طُعْمَةً لِلْمَساكِينِ»[أخرجه أبو داود في سننه(1609), وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.ووافقه الذهبي] ففيها نفع للمنفِق، ونفع للمنفَق عليه.

قوله –رحمه الله-: ((هو اسم)) مصدر، ((من: أفطر الصائم إفطارًا)).

((هو)) يعود الضمير إلى الفطر، اسم مصدر من أفطر الصائم إفطارًا، بدأ الشارح بتعريف زكاة الفطر، فعرف الفطر لغة بأنه: اسم مصدر، والمراد بالفطر هنا ترك صيام رمضان لانقضاء شهره، ولذلك أضيفت الزكاة إلى الفطر؛ لأنها تجب به، فهو من باب إضافة الشيء إلى سببه.

وتسمى زكاة الفطر الفطرة، وهي كلمة مولدة كما قال بعض أهل العلم، والأصل في الفطرة الخلقة، كما قال الله تعالى: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا[الروم: 30].

وقد زعم بعضهم أنه مما يلحن فيه العامة، وليست كذلك لاستعمال الفقهاء لها، فقالوا: تجب الفطرة وما إلى ذلك من الاستعمالات.

قوله –رحمه الله-:(( تجب على كل مسلمٍ من أهل البوادي وغيرهم)) إلى آخره.

أي: إن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم من أهل الحضر، وهذا محل اتفاق، والبوادي، ونص عليهم لوقوع الخلاف في وجوب الزكاة على أهل البوادي.

فقد قيل: إنها لا تجب على أهل البوادي، بل تجب على أهل الحضر.

قوله –رحمه الله-: ((وغيرهم)) يشمل كل مسلم، سواء كان في إقامة أو سفر، ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا كان أم كبيرًا، ودليل العموم في ذلك ما ذكره المؤلف في قول ابن عمر: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» [صحيح البخاري(1504)، ومسلم(12 - (984))]، وهذا يشمل كل مسلم في حضر أو بادية، في سفر أو إقامة، ذكرًا كان أم أنثى، كبيرًا كان أم صغيرًا، ولو يتيمًا، ولذلك تجب في ماله كزكاة المال.

ويخرج عن اليتيم وليُّه، هذا هو أول شروط وجوب زكاة الفطر وهو الإسلام، وأما الأدلة من الكتاب فقد استدل بعض أهل العلم بعموم قوله تعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ[المجادلة: 13]، وبقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى[الأعلى: 14-15].

قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز: إنها زكاة الفطر.

وقيل: وجوب زكاة الفطر يختص بالمكلف بالصوم فقط دون غير المكلفين بالصيام، فخرج بذلك الصغار، ومن ليس الصوم واجبًا عليه.

واستدلوا بذلك بقوله ﷺ من حديث ابن عباس «طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ، طُعْمَةً لِلْمَساكِينِ»[سبق]

وقيل: لا تجب في مال الصغير، والأقرب هو ما قرره المؤلف من وجوب الزكاة على عموم أهل الإسلام، وعدم وجود علة الصيام في الصغار ونحوهم مما لا يكلفون بالصيام لا يلغي فرض زكاة الفطر لعموم حديث ابن عمر رضي الله عنه «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»[سبق]،  فتخلف العلة في بعض من شملهم حديث ابن عمر لا يلغي ما دل عليه من عموم فرض زكاة الفطر على كافة أهل الإسلام.

وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن زكاة الفطر سنة مؤكدة، وليست واجبة، وقالوا: إن قول ابن عمر فرض رسول الله ﷺ أي: قدر فحمل الفرض هنا على التقدير، لا على الوجوب، واستدلوا له أيضًا بحديث قيس ابن سعد عند أحمد قال: «أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بصَدَقةِ الفطرِ قبلَ أن تَنزِلَ الزَّكاةُ، فلمَّا نزلتِ الزَّكاةُ، لم يأمُرْنا، ولَم ينهَنا، ونحنُ نفعلُهُ»[أخرجه أحمد في مسنده(23840)، وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ]، وهذا الحديث ليس فيه حجة، لأنه يجب استصحاب الأمر السابق مع عدم المانع والمعارض، فليس ثمة ما يعارض الفرض السابق في هذا الحديث، وقد فرضها الشارع وأمر بها، والظاهر أن فرضها كان في السنة الثانية من الهجرة مع فرض رمضان.

وقد حكى الإجماع على فرضية زكاة الفطر ابن المنذر –رحمه الله-فقال: أجمع أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض[الإجماع ابن المنذر(ص59)]، ومفهوم قول المصنف –رحمه الله-: تجب على كل مسلم أنها لا تجب على غير المسلم، وعنه رواية مخرجة أن زكاة الفطر تجب على المرتد، واختلفوا في الكافر الذي عنده عبد مسلم هل يجب على سيده أن يخرج الزكاة؟

ظاهر كلام أحمد أنها لا تجب على الكافر لعبده المسلم، وهذا هو المذهب.

 وعنه –رحمه الله-رواية أنها تلزم الكافر لهذا الحال، لوجوب نفقة الكافر على عبده المسلم، وهذا من جملة نفقته.

قالوا: وكذا كل كافر لزمته نفقة مسلم كالخلاف يجري فيهم أيضًا هل يلزمه أن يخرج الزكاة أو لا يلزمه، وهذا مبني على خلاف في مسألة وهي: هل وجوب الزكاة على الزوجة والأقارب المعسرين، والرقيق هل وجوب الزكاة عليهم ويتحمله من تلزمه نفقتهم؟ أم أن وجوب الزكاة متجه إلى من تلزمه النفقة على وجه أصيل؟

وهذه مسألة فيها قولان في المذهب، ولذلك قال الزركشي: "ينبني الخلاف على أن السيد هل هو متحمل أو أصيل"، يعني هل الوجوب أصيل متجه إليه أم أنه متحمل عمن تلزمه نفقته؟ وهذا فيه قولان.

ولذلك قال: "إن قلنا: متحمل وجبت عليه، وإن قلنا: أصيل لم تجب"[شرح الزركشي على مختصر الخرقي(1/401)]، فإن كانت واجبة على السيد أصالة، فإذا كان كافرًا فلا يتوجه إليه خطاب، وإن كان تحملًا، هي وجبت على الرقيق، وتحملها السيد، ففي هذه الحالة تلزمه؛ لأنها من جملة النفقة اللازمة له.

قوله –رحمه الله-: ((فضل له)) أي: عنده يوم العيد وليلته، صاع، عن قوته وقوت عياله.

وعلل ذلك بقوله: ((لأن ذلك أهم، فيجب تقديمه؛ لقوله عليه السلام: «ابدَأ بنفسِكَ، ثمَّ بمَن تعولُ»))

ولا يعتبر لوجوبها ملك نصاب.

أي إن زكاة الفطر تلزم المسلم الذي يبقى عنده يوم العيد وليلته صاع زائد عن قوت نفسه، وقوت من تلزمه نفقتهم ممن يمولهم، واستدل لذلك لقول النبي ﷺ: «ابدَأ بنفسِكَ».[سبق]

وقد ذكر المصنف الحديث ساق الحديث على أنه واحد، وهذا صنيع كثير من الفقهاء، وقد علق الحافظ بن حجر على هذا بأنه لم يره على هذا النحو أي على سياق واحد «ابدَأ بنفسِكَ، ثمَّ بمَن تعولُ»[سبق]  وإنما هما حديثان، حديث «ابدَأ بنفسِكَ»[أخرجه مسلم في صحيحه(41 - (997))]رواه مسلم من حديث جابر، «وابدأ بمن تعول في الصحيحين»[أخرجه البخاري(1426)، ومسلم(106 - (1042))] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

  

قوله –رحمه الله-:(( ولا يعتبر لوجوبها ملك نصاب)) أي: لا يشترط لوجوب زكاة الفطر ملك نصاب، لحديث ابن عمر رضي الله عنه حيث قال: "فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر على المسلمين"[سبق]، وجاء هذا الفرض مطلقًا دون قيد، فشمل من لا نصاب له؛ ولأن من ملك صاعًا قد حصل له غناء في ذلك اليوم، فاحتمل ماله المواساة، فإن فضل صاع واحد بدأ بنفسه، فإن فضل آخر بدأ بمن تلزمه البداءة بنفقته على ما سيذكر في أبواب النفقات، وسيشير المؤلف –رحمه الله-إلى ذلك فيما يستقبل، وهذا هو الشرط الثاني من شروط وجوب الزكاة الفطر، وهو أن يفضل له يوم العيد وليلته صاع عن قوته وقوت عياله هذا هو الشرط الثاني.

الشرط الأول الإسلام، والشرط الثاني أن يفضل عن قوته وقوت عياله صاع من طعام.

قوله –رحمه الله-: وإن فضل بعض صاع، أخرجه؛ لحديث: «إذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطعتُم».[صحيح البخاري(7288)، ومسلم(412 - (1337))]

أي: إن كان الفاضل بعد قوته وقوت عياله ليلة العيد ويومه بعض صاع يعني لا يفي صاعًا، فإنه يخرجه عن نفسه كنفقة القريب إذا قدر على بعضها، هكذا عللوا وهذا هو المذهب.

وعن أحمد رواية أنه لا يلزمه؛ لأنه عدم ما يؤدي به الفرض، فلم يلزمه، كمن عليه الكفارة إذا لم يملك إلا بعض رقبة، والذي يظهر -والله أعلم- أنه يخرج لحصول بعض المقصود من إخراجها وهو «أغنُوهم عن السُّؤالِ في هذا اليَومِ».[أخرجه بنحوه البيهقي في الكبرى(7739)، وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق: راوي هذا الحديث أبو معشر، ولا يحتجُّ بحديثه]

قوله –رحمه الله-: ((ويعتبر كون ذلك كله بعد حوائجه الأصلية لنفسه، أو لمن تلزمه مؤنته، من مسكن، وعبد، ودابةٍ، وثياب بذلة، ونحو ذلك)).

أي: يشترط في الصاع الفاضل عن قوته وقوت عياله، أن يكون زائدًا عن حوائجه الأصلية، والحوائج الأصلية المراد بها الكسوة والمسكن وسائر ما لا بد منه كالخادم والدابة وثياب بذلة أي ثياب مهنة، والفرش، والغطاء، والماعون ونحو ذلك مما يندرج في هذا الضابط، وهو ما لا بد له منه.

وألحق الموفق كتب العلم التي يحتاج إليها للنظر فيها والحفظ.

وقال أيضًا: وللمرأة حلي للبس أو لكراء تحتاج إليه، فيكون فاضل عن كل ما لا بد له منه، لا على وجه الضرورة، إنما على وجه الضرورة والحاجة، هذا هو الشرط الثالث.

ويمكن أن يكون قيدًا في الشرط الثاني، أن يكون فاضلًا عن حوائجه الأصلية، يمكن أن يكون ملحقًا بالشرط الثاني، ويمكن أن يجعل شرطا ثالثا، أن يكون ما لديه من فاضل عن قوته وقوت يومه زائدًا على حوائجه الأصلية.

  

قال: ((ولا يمنعها الدين؛ لأنها ليست واجبة في المال إلا بطلبه))، أي: إن زكاة الفطر لا يسقط وجوبها عن المسلم لاشتغال ذمته بدين، فاشتغال ذمته بدين لم يطالب به، لا يسقط وجوب زكاة الفطر عن المسلم، هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وذلك لتأكدها حيث عمم النبي ﷺ فرضها على كل مسلم قدر عليها؛ ولأنها تجب على البدن، والدين لا يؤثر فيه بخلاف زكاة الأموال، فإنه يؤثر في وجوبها الدين على نحو ما تقدم، وهذه من المواطن التي تختلف فيها زكاة الفطر عن زكاة المال، فإن زكاة الفطر لا يؤثر فيها الدين على ما ذكر المؤلف –رحمه الله- فيما إذا كان قد طلب به.

أما إن طلب بالدين، فإن زكاة الفطر قد تسقط حينئذ لوجوب أداء الدين بالطلب، وقد قضي بكونه حق آدمي معين، وبكونه أسبق سببًا، فالدين تعلق بالمال وزكاة الفطر تتعلق بالذمة، وإنما منعها بطلبه من أجل إيفاء الدين للمطالب به، لقول النبي ﷺ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ».[صحيح البخاري(2287)، ومسلم(33 - (1564) )]

وعن أحمد رواية أن الدين يمنع وجوب زكاة الفطر مطلقًا سواء كان مطالبًا به أو لا، وعنه رواية ثالثة أنه لا يمنع الدين زكاة الفطر مطلقًا, سواء طلب به أو لم يطالب.

فهي ثلاثة روايات عن الإمام أحمد، المذهب التفريق بين الدين الذي يطالب به، والدين الذي لا يطالب به.

قوله –رحمه الله-: ((فيخرج زكاة الفطر عن نفسه لما تقدم، وعن مسلم يمونه من الزوجات، والأقارب، وخادم زوجة إن لزمته مؤنته، وزوجة عبده، وقريبه الذي يلزمه إعفافه؛ لعموم قوله عليه السلام: «أدُّوا الفطرةَ عمَّن تمونونَ». [ أخرجه الدارقطني في سننه(2078)]))

أي إن الواجب في زكاة الفطر أن يخرجها المسلم عن نفسه، لما تقدم في حديث ابن عمر «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»[سبق]  ولما روى جابر مرفوعًا «ابدَأ بنفسِكَ». [سبق]

وكذلك يجب على المسلم أن يخرجها عن مسلم يقوم بنفقته، وكلفته، وكفايته، في إطعامه وإسقائه من الزوجات والأقارب الذين تلزمه نفقتهم والخدم ونحوهم.

وقد ذكر المصنف –رحمه الله-جملة من هؤلاء فقال: من الزوجات، والأقارب، وخادم زوجة إن لزمته مؤنته، أي الإنفاق عليه، وزوجة عبده، وقريبه الذي يلزمه إعفافه؛ والمقصود بقوله: الذي يلزمه إعفافه أي يلزمه الإنفاق عليه، فالإعفاف هنا ليس المقصود به ما يتعلق بالفرج، إنما ما يتعلق بالحاجة إلى الطعام والشراب والكفاية.

واستدلوا لهذا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «أمر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بصدقةِ الفطرِ عن الصغيرِ والكبير ِوالحُرّ والعبدِ ممَّنْ تمونونَ»[أخرجه الدارقطني في سننه(2078)، وقال: . رَفَعَهُ الْقَاسِمُ وَلَيْسَ بِقَوِيّ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ] ، وجاء عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يعطي صدقة الفطر عن جميع أهله صغيرهم وكبيرهم، عمن يعول، وعن رقيقه، وعن رقيق نسائه.

أما من يمونوهم من الكفار إن كان ينفق على غير مسلم، فلا تلزمه فطرة من يمونه من الكفار؛ لأنها إنما فرضت على المسلمين، فإن كان عنده قريب تلزمه النفقة عليه، وهو غير مسلم فإنه لا يلزمه أن يخرج عنه زكاة الفطر، لأن زكاة الفطر طهرة للمخرج عنه، والكافر لا يطهره إلا الإسلام.

قوله: ((ولا تلزمه فطرة أجير وظئر استأجرهما بطعامهما، ولا من وجبت نفقته في بيت المال)).

أي: أنه لا تجب على المسلم زكاة الفطر عن مستأجر أو ظئر استأجرهما بطعامهما، يعني كانت الأجرة كفايتهما طعامًا، فإذا كان الأجير استأجر وأجرته كفايته طعامًا سواء كان المستأجر أجيرًا لعمل، أو كان المستأجر ظئرًا للإرضاع، فلا يلزمه أن يخرج زكاة الفطر؛ لأن الواجب هنا أجرة وليس مؤنة لازمة له من غير مقابل.

وكذلك لا تجب على المسلم فطرة من نفقته في بيت المال، أي من يجب أن ينفق عليه من بيت المال كاللقيط؛ لأنه ليس بإنفاق، بل إيصال مال فيه حقه، وهذا لا حق له.

قوله –رحمه الله-: ((ولو تبرع بمؤنة شخص جميع شهر رمضان أدى فطرته؛ لعموم الحديث السابق، بخلاف ما لو تبرع به بعض الشهر)).

أي: إن من تبرع بمؤنة شخص جميع الشهر فأطعمه وسقاه، لزمته فطرته، نص عليه أحمد لعموم «أدُّوا صدقةَ الفطرِ عمَّنْ تمونون»[سبق]  وهذا ممن يمون.

قالوا: ولأنه شخص أنفق عليه فلزمته فطرته كعبده، واختار أبو الخطاب أنها لا تلزمه فطرته؛ لأنها لا تلزمه مؤنته، فلم تلزمه فطرته كما لو لم يمونه، وهذا قول أكثر أهل العلم، وهو الصحيح فيما يظهر والله أعلم، وما جاء عن الإمام أحمد محمول على الاستحباب، لا على الوجوب.

والحديث محمول عمن تلزمه مؤنته، لا على حقيقة المؤنة بمعنى مجرد الإطعام، وقالوا أيضًا إن قوله: «عمَّنْ تمونون» أو مما تمونون فعل مضارع يقتضي الحال أو الاستقبال دون الماضي.

ولهذا قالوا: إن مقتضى هذا أن يمون ولو أدرك ذلك في بعض الشهر، وليس في جميعه، وهم قصروه على ما إذا ما نهوا جميع الشهر.

ولهذا قال ابن عقيل قياس مذهبنا أنه إذا مانه آخر ليلة وجبت فطرته، قياسا على من ملك عبدا عند غروب الشمس.

والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن ذلك على وجه الاستحباب، لا على وجه الوجوب.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق