بدأ المصنف -رحمه الله- بالسائمة، فبين زكاة السائمة قائلا: ( فأما السائمة: فالأصل فيها حديث أنس أن أبا بكر رضي الله عنهما، كتب له : « هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله : في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم، في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة، ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها »[ صحيح البخاري: باب الزكاة، حديث رقم:1386.] ).
المصنف -رحمه الله- ابتدأ أولًا بزكاة السائمة، والسبب في هذا أن زكاة السائمة أكثر أنواع الأموال تفصيلًا فيما يتعلق بالأنصبة، وفيما يتعلق بالقدر الواجب في الأموال، فبهيمة الأنعام ثلاثة أصناف، عندنا ثلاثة أنصبة، ثم إنها متفاوتة، وليست على درجة واحدة.
ولذلك كان حديث أبي بكر في بيان ما يجب من الزكاة في بهيمة الأنعام أطول ما يكون فيما يتعلق زكاة بهيمة الأنعام، ثم ذكر زكاة النقدين، الذهب والفضة، وأيضا أن بهيمة الأنعام كانت في الزمن السابق كانت أنفس أموال العرب، وبالتالي احتيج إلى بيانها وتقديمها.
طبعًا في زمننا المعاصر بهيمة الأنعام هي نوع من الأموال لكن ليست هي أهم تجارات الناس، ولا أوسع تجارات الناس، فالأموال تنوعت، وتفننت، وكثرت، واختلفت، وأصبح ما يتعلق ببهيمة الأنعام صنف من الأموال، ولكنه ليس أنفسها ولا أهمها.
يقول رحمه الله: (فأما السائمة). قلنا في تعريفها هي التي ترعى الحول أو أكثره، (فالأصل فيها). معنى الأصل الدليل، قوله (فالأصل فيها). يعني الدليل، والأصل يطلق في كلام العلماء، ويراد به الدليل، ويراد به الحكم القاعدة المستمرة، ويراد به الأمر المستصحب، ويراد به الراجح، فقوله هنا (فالأصل فيها). يعني الدليل الذي يرجع إليه في تفاصيل أحكام السائمة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه أن أبا بكر كتب له «هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله» وجاء بتفصيلها ابتداءً بذكر أسنان الإبل والقدر الواجب في أعدادها.
قال -رحمه الله- فيما نقله من حديث أنس قال أبو بكر رضي الله عنه: «في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم، في كل خمسٍ شاةٌ». فمن كان عنده دون أربع وعشرين فما دون من الإبل، يجب شاة في كل خمس، ففي الخمس شاة، وفي العشر شاتان، وفي الخمسة عشر ثلاث، وفي العشرين أربع شياة، وقوله بعد ذلك.
والشاة هي ما تيسر من الغنم، ما بين النبي صلى الله عليه وسلم سنها هل هي جذعة أو أكبر أو أصغر، فيصدق فيما يجب أو يتحقق الواجب فيما يخرجه في زكاة بهيمة الأنعام من الإبل شاة، أي كيفما كانت، على أن تكون من أوسط المال لا من أردئه، ولا من أحسنه.
«فإذا بلغت خمسًا وعشرين». هذا مبدأ النصاب فيما يتعلق بوجوب الزكاة، زكاة الإبل من الإبل، فمبدأ النصاب إجمالًا خمس، لكن الواجب فيه شاة، ثم مبدأ الزكاة فيما يتعلق بوجوب الزكاة من الإبل خمس وعشرون.
يقول -رحمه الله-: «فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاض». فيها بنت مخاض، أي الواجب فيها بنت مخاض، وهب بكرة لها سنةٌ، وسميت بنت مخاض؛ لأن أمها في غالب الحال تكون قد مخضت أي حملت، لكن ليس شرطًا.
وقوله «بنت مخاض». يعني تأهلت للحمل، ولا يجب أن تكون قد حملت، بل الشرط أن تبلغ سنًة، إذا قوله صلى الله عليه وسلم أو قول أبي بكر في بيان ما أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم، في ما إذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاض، بنت المخاض كم؟، بكرة لها كم؟، بكرة لها سنة.
«فإن لم تكن». إذا ما وجد بنت مخاض، «فابن لبون ذكر». أي من عدم بنت المخاض، جاز له أن يخرج، أن يدفع بابن لبون ذكر، وما هو ابن لبون؟، ابن لبون ما له سنتان من الإبل، فهنا جبر نقص الوصف بكون الواجب أنثى، بزيادة السن في الذكر، هذا جبر للنقص الحاصل؛ لأن بنت المخاض أطيب من ابن اللبون، فلما تعذرت بنت المخاض، أتى بعوضًا من الذكور لكنه أعلى سنًا وهو ابن لبون.
قال: «فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين ففيها بنت لبون أنثى». وقوله: «بنت لبون أنثى». أنثى للتأكيد وإلا فبنت لبون واضح أنها أنثى، لكن قوله: «أنثى ». لتأكيد الوصف، وأن المطلوب هو هذا الجنس، هو هذا الوصف في هذا الجنس، وهو أن يكون أنثى، وبنت اللبون بكرة لها سنتان، وسميت بذلك لأن الغالب أن أمها قد ولدت وصارت ذات لبن، لكن هذا كما تقدم في بنت المخاض، ليس شرطًا والمقصود أن تبلغ كم؟ أن تبلغ سنتين بنت اللبون.
قال: «فإذا بلغت ستًّا وأربعين إلى ستين، ففيها حقةٌ طروقة الجمل». أي: الواجب فيها بكرة لها ثلاث سنوات، وسميت بذلك، لماذا سميت بهذا الاسم؟، لأنها استحقت أن يحمل عليها، فلذلك سموها "حقة"، وأن يطرقها الجمل، يعني تصلح للقاح.
قوله: «فإذا بلغت واحدًا وستين إلى خمسٍ وسبعين ففيها جذعة». وهذا أعلى السن الواجب في الزكاة، زكاة الإبل، أعلى سن الجذعة، ففيها جذعة، والجذعة هي بكرة لها أربع سنين، وهي ما أسقطت أسنان اللبن وظهر لها غيرها، أسنان ما بعد اللبن.
«فإذا بلغت ستًّا وسبعين». الآن خمس وسبعين هو أعلى الذروة فيما يجب من أسنان الإبل، فالواجب عندنا بنت مخاض، وبنت لبون، وحقة، وجذعة، ولاحظ أن الواجب في الجميع إناث، وإنما جاء البدل فقط في واحد وهو في بنت المخاض إذا فقدت، أو لم توجد فيجب ابن لبون ذكر، وإلا في الأصل المطلوب إناث في الزكاة، ولأنها أطيب وأرغب وهي التي يراد بها الدر والنسل، فلذلك كانت مقدمة.
قال: «فإذا بلغت ستًّا وسبعين إلى تسعين، ففيها بنتا لبون». يعني فيها بكرتان لهما سنتان، «فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة، ففيها حقتان طروقة الجمل». بكرتان لهما ثلاث سنين.
« فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة». ففي مائة وخمسين كم؟، ثلاث حقق، أو أربع بنات لبون.
وهكذا على هذا النسق، فتقسيمها بحيث أنها تستوي كل خمسين فيها حقة، وكل أربعين فيها بنت لبون، وطبعًا سيأتي الأوقاص، الوقص هو موجود على كل حال مثلا مائة وخمس وسبعين، هذه الخمسة تهمل، ما ينظر إليها، وقد يأتي الإشارة إليه.
قال: «فإذا زادت على عشرين مائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة». ثم قال: «ومن لم يكن معه إلا أربعٌ من الإبل فلي فيها صدقة». إذا مبدأ نصاب الإبل خمس، والواجب فيه شاة، يستمر وجوب الشاة إلى أربعٍ وعشرين، فإذا بغلت خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاض.
«إلا أن يشاء ربها». يعني إذا شاء تصدق فجعل أول نصاب الإبل خمسه، ولم يوجب فيها من جنسها، لأنه يحتاج إليه رب المال، فلو أوجب فيها من جنسها لنقصت.
تلاحظون أنه بين الانتقال من شاة إلى شاتين، إلى ثلاث، إلى أربع، من بنت مخاض، إلى بنت لبون، من بنت لبون، إلى حقة فيه أعداد لا يجب فيها شيء، هذه يسميها العلماء الوقص، الوقص هو ما بين الفرضين، هذا تعريف الوقص، وليس فيه شيء، وهو تبعٌ للفرض، الوقص هو ما بين الفرضين هذا تعريفه، ليس فيه شيء وهو تبعٌ للفرض قبله، ولم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم في الوقص الذي بين الفرضين شيئًا، عفوًا وترغيبًا للملاك، وشكرًا لهم على أداء الحق.
والوقص لا يوجد في شيء من الأموال الزكوية إلا في بهيمة الأنعام فقط، أما ما عداه فإنه لا وقص فيه.