وهو قول الأبْهَريِّ من المالكية، وابن حزم من الظاهريَّة".
إذًا هذا القول الثاني، الأصل عنده أن كل معاملةٍ يُنطلق في الحكم عليها من ماذا؟ من التحريم، ولابد أن تأتي بدليل من الكتاب أو من السنة على إباحتها وإلا إذا لم تجد دليلًا من الكتاب والسنة على الإباحة فماذا تحكم عليها؟ تحكم عليها بالتحريم، وهذا هو مذهب ابن حزم من الظاهرية، وقول الأبهري من المالكية، يعني قول الأقلين إذا قارنت هذا بذاك وجدت أن هذا القول قول يشبه أن يكون شاذًّا؛ ولذلك ذكر في القول الأول الذي هو قول أكثر الحنفية، ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة: "وقد حكى بعضهم الإجماع عليه".
بما أن هذه قاعدة وبهذا الحجم والأهمية فيما يتعلق بالحكم على المعاملة؛ فإنك تحتاج إلى أن تعرف ما هو الأصل الذي اعتمدت عليه؛ أي: ما هو الدليل الذي اعتمدت عليه هذه القاعدة؟ من أين استفيدت هذه القاعدة من أدلة الكتاب والسنة؟
يقول رحمه الله: "ولقد استدلَّ كل فريق بأدلة من الكتاب، والسنة، والنَّظر".
ما معنى النظر؟ يعني الأدلة العقلية.
"ولما كانت أدلتهم كثيرة متشعِّبة، اقتصرتُ على ما يتعلَّق منها بالمعاملات فقط".
طبعًا العقل ليس دليلًا مستقلًّا في إثبات الأحكام، لكن العلماء يذكرون الدليل العقلي لتكميل وجه الاستدلال بالكتاب والسنة؛ للتكميل والتتميم، وإلا فإن العقل وحده لا يستقل بإثبات الأحكام الشرعية؛ ولذلك لا يذكر العلماء من الأدلة المجمع عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس، العقل له مدخل في القياس؛ لأنه إلحاق النظير بنظيره، وهذا فيه إعمال للعقل، لكن العقل في ذاته ليس مقصورًا على القياس، بل قد يكون بالقياس، وقد يكون بغيره من أوجه الاستدلال، وهو دليلٌ تابعٌ وليس دليلًا أصليًّا.