التطبيق الثاني.
ثانيًا: حسم الأوراق التجارية (الشَّيكات والسَّندات لأمرٍ وسندات السَّحب) لا يجوز لما فيه من ربا النَّسيئة، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلاميِّ الدُّوليِّ، في دورته السابعة، ما يلي: "إنَّ حسم (خصم) الأوراق التجارية غيرُ جائزٍ شرعًا؛ لأنَّه يؤول إلى ربا النَّسيئة المحرم". ومثلُه ما جاء في قرارات مجلس المجمع الفقهيِّ الإسلاميِّ التَّابع لرابطة العالم الإسلاميِّ في دورته السَّادسة عشرة: "لا يجوزُ حسمُ الأوراق التجارية (الشيكات، السندات الإذنيَّة، الكمبيالات)؛ لما فيه من بيع الدَّين لغير المدين، على وجهٍ يشتمل على الرِّبا".
"حسم الأوراق التجارية"، الأوراق التجارية هي الشيكات، تعتبر ورقة تجارية، أو السندات لأمر التي تتضمن دفع مبالغ بعد أجل، وسندات السحب التي تقتضي السحب الفوري لشيء من الأموال، أو في أجلٍ محدد.
وثمَّة فُرُوقات بين السندات لأمر والسندات لسحب، هذه يعرفها الدارسون لأنواع الأوراق التجارية.
المقصود المثال، فإذا كان مع الإنسان شيك وقام ببيعه، الشيك مؤجَّل، الشيك عبارة عن ماذا؟ عبارة عن قدر من المال في ذمَّة مصدر الشيك، عندما تحمل شيكًا بألف ريـال من جهة من الجهات، حقيقة هذا الشيك: إثبات أن ذمَّة مُصْدِر الشيك مشغولة لك بهذا القدر المالي الذي في الشيك.
أحيانًا يكون الشيك مؤجَّلًا ليس حال الصرف، بعد شهر، بعد ستة أشهر، فيأتي حامل الشيك يريد أن يستفيد من المبلغ حالًّا، فماذا يصنع؟
يقوم ببيع هذا الشيك، ولن يبيعه بقيمته التي تكون بعد ستة أشهر، فإذا كان الشيك فيه ألف ريـال فإنه سيبيعه بثمانمائة ريـال، اليوم، فماذا يستفيد مشتري الشيك؟ يستفيد مشتري الشيك الفارق بين قيمة الشيك الحالية وقيمته المؤجلة.
هذه الصورة من حسم الأوراق التجارية، وهي لا تجوز؛ لأنها تتضمن بيع الدَيْن على غير من هو عليه بربا –بزيادة-؛ ولذلك عللَّ جماعة من أهل العلم التحريم بأنه: من ربا النسيئة؛ لأن المفروض أنك إذا بعت هذا الشيك يكون تقابُض بينك وبين المشتري، وهنا تأجيل وتأخير.
وعلَّله بعضهم بأنه: بيع الدين لغير من هو عليه على وجهٍ يشتمل على الربا -والمقصود بالربا ربا النسيئة-.
هذا تطبيق في المعاملات المالية المعاصرة لبعض الصور المتضمنة للربا.
لكن من المهم -كما ذكرنا قبل قليل فيما أشار إليه ابن كثير - أن يتأنى الإنسان في الحكم على مسألة من المسائل بأنها محرَّمة لأجل معنًى من المعاني لاسيما فيما يتعلق بالربا؛ لأنه يلتبس الأمر في كثير من الأحيان.
فعلى سبيل المثال: التأمين يمنعه بعض أهل العلم؛ بعلَّة أن التأمين ربا، ويقول: من أوجه تحريم التأمين أنه يتضمن ربا؟ قيل له: كيف جاء الربا؟ يقول: لأن المؤَمِّن يدفع مبلغًا مقابل أنه إذا حصل عليه حادث، أو كارثة، أو مصيبة، أخذ تعويضًا نقديًّا أكثر مما بذل، فيكون هذا ربا.
ولكن هذا الملحظ غير واضح في تحريم التأمين؛ لأن المعاقدة ليست على قدر من المال، على قدر من المال أعطيك ألف على أن تعوِّضَني حادثًا بقيمة عشرة آلاف، قد يكون حادث، قد لا يكون حادث، قد يكون حادث دون الألف، قد يكون بقدر الألف، قد يكون بأكثر من الألف، فملحظ الربا هنا غير واضح فيما يتعلق بعقد التأمين، فتبرير أو تعليل تحريم عقد التأمين بأنه يشتمل على الربا ليس صحيحًا، وإن كان قد قال به بعض أهل العلم المعاصرين، فلابد لطالب العلم أن يُحرر ويتحرى في تحقق وجود الوصف الموجب للتحريم، وإذا انتفى وصف لا يعني انتفاء بقية الأوصاف، قد يوجد وصف آخر موجب للتحريم غير هذا الوصف.