"المطلب الثَّاني: ضابط الغرر الممنوع في المعاملات:
منعُ الغرر أصلٌ عظيمٌ من أصول الشريعة، في باب المعاملات في المبايعات، وسائر المعاوضات؛ فإنَّه لمَّا كان الخلقُ في ضرورةٍ إلى المُعَاوضات، اقتضت حكمةُ أحكم الحاكمين تحقيقَ هذا المقصود، مع نفي الغَرَر عن مصادر العقود ومواردها؛ لتُتَمَّمَ بذلك مصالحُ العباد، وتُحصَّن أموالهم من الضياع، وتُقطع المنازعاتُ والمخاصمات بينهم".
"والأصل في ذلك: ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: «نَهَى رَسُولُ الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» أخرجه مسلم (1513) .
وقد دخل تحت هذا النَّهي مسائلُ كثيرة؛ فمن ذلك: النَّهيُ عن بيع حَبَل الحَبَلة، والملاقيح، والمضامين، وبيع الثمر قبل بدوِّ صلاحه، وبيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع المعجوز عن تسليمه، كبيع الطير في الهواء، ونحو ذلك من البياعات التي هي نوعٌ من الغرر المجهول العاقبة، الدَّائر بين العطب والسلامة، سواءٌ كان الغرر في العقد أو العوض أو الأجل".
هذا بيان أن الغرر جاءت الشريعة بمنعه، وذكر لذلك أمثلة وأصلًا.
ثم بعد هذا يُشير الآن إلى مسألة مهمة وهي: هل الشريعة منعت كل غرر بالكلية، أم أن الغرر المنهي عنه له صفات ينبغي أن يُراعيها من يبحث عن الغرر في المعاملات؟
الجواب: أنَّ الشريعة لم تُلْغِ الغرر بالكليَّة، بل منعت منه ما كان على صفات؛ ولهذا قال -رحمه الله- في المطلب الثَّاني:"ضابط الغرر الممنوع في المعاملات".
هذا يُشْعِر ويُفْهِم ماذا؟ أن ثمَّة غررًا مأذونًا فيه لا تمنعه الشريعة.