"المطلب الرابع: تطبيقاتٌ على سدِّ الذَّرائع في المعاملات المالية المعاصرة:
من أمثلة ما مُنِعت فيه المعاملةُ سدًّا للذريعة في المعاملات المالية المعاصرة؛ قولُ من ذهب إلى تحريم تداول الأسهم نقدًا ونسيئةً؛ "خشية اتخاذ المصارف هذه العملية طريقًا للتَّمويل بالفائدة، تحت ستار عقد البيع، بتواطؤ المموِّل وطالب التَّمويل، على أن يبيع الأول الثاني أسهمًا من الأسهم الثَّابتة السعر في السوق، والمتاحة للتَّعامل، يبيعُها بثمنٍ مؤجَّل؛ لكي يبيعَها المشتري من فوره بسعرٍ نقديٍّ.
ونظرًا لأنَّ الوسائلَ - حتى لو كانت مباحةً، إذا كان يغلبُ على الظَّنِّ استعمالُها لغرضٍ محرَّم تنقلب محرَّمة، وحيث إن الأسلوب المعتاد للمصارف الربويَّة في قيامها بوظيفتها الأساسية، وهي الوساطة المالية: استخدامُ الاقتراض والتمويل بالفائدة صراحةً أو تستُّرًا؛ فإنَّ تمكين المصارف من هذه المعاملة، يجعل الغالب على الظن - إن لم يكن من المتيقن - استخدام المعاملة للتَّمويل بالفائدة، تحت ستار عقد البيع؛ لذا فإن الهيئة الشرعية لا تُوافق على استخدام الشركة للمعاملة المذكورة.
وغنيٌّ عن البيان أنَّ الشركة ممنوعةٌ، بحكم النظام السعودي من شراء الأسهم لنفسها، ومن بيع الأسهم بالأجل".
هذا مثال لما روعِي فيه سد الذرائع في الحكم من المسائل، وهو: قول من قال من أهل العلم بمنع تداول الأسهم نقدًا ونسيئة إذا كان المقصود منه التمويل، ليس الشراء للأسهم في ذاتها تربحًا بالمضاربة فيها، أو استثمارًا للمال فيها طلبًا لفوائدها وعوائدها، وهؤلاء علَّلوا التحريم بأن ذلك يفضي إلى التورُّق المنظَّم الذي ذهب جمهور العلماء إلى تحريمه، وهو: أن يتولى البائع البيع والشراء؛ ليكتسب من ذلك دون تدخُّل من العميل، فيتولى بيع الأسهم بيعها على العميل، ثم يقوم هو ببيعها نيابةً عنه؛ لأجل أن يوفِّر له النقد المطلوب فتكون الأسهم حينئذٍ وسيلةً للإقراض بربا -الإقراض بزيادة-، هذا ما ذكروه في علة تحريم هذه الصورة من المعاملات.
وبهذا يكون قد انتهى ما ذكره المؤلف -رحمه الله- من الأصول التي انتقاها فيما تُبْنَى عليه المعاملات المالية المعاصرة.