قال: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَصُومُهُ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ".
قوله رضي الله عنه: "صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء، وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان تَرَكَ" هذا لبيان أن صيام عاشوراء قبل فرض رمضان لم يكن واجبًا؛ لأنه أخبر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والفعل لا يقتضي الوجوب، إنما يقتضي الاستحباب، هذا هو الأصل، الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أنها تفيد الاستحباب، لا تفيد الوجوب، وهذا وجه الاستدلال بهذا الحديث على أنه لا يجب إلا صوم رمضان.
ودليلُ عدم وجوبه أيضًا واستقرار عدم الوجوب أنه بعد فرض رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم صوم عاشوراء.
واختلف العلماء رحمهم الله في قول ابن عمر: "فلما فُرض رمضان تَرَكَ صيام عاشوراء" هل هذا الترك كلي، أو ترك الترغيب الشديد فيه، أو ترك فريضته كما قال بعض أهل العلم؟ كل هذه أقوال يحتملها قول ابن عمر رضي الله عنه، وأقربها أن الذي تركه النبي صلى الله عليه وسلم هو التأكيد على صومه والحث عليه، والأمر به على وجه التأكيد، لا على وجه الوجوب؛ لأن الصحيح من قولي العلماء أن صيام عاشوراء لم يكن واجبًا قبل فرض رمضان، وهذا قول جمهور العلماء، وهو المشهور عند الشافعية رحمهم الله، وذهب الحنفية إلى أن صوم عاشوراء قبل فرض رمضان كان واجبًا، وهو وجه عند الشافعية.
قوله رحمه الله: "وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه" فلعله لم يثبت عنده فضيلته، أو ظن أن الفضيلة التي جاءت فيه كانت قبل فرض صوم رمضان.
والذي دلت عليه الأحاديث الأخرى أن فضيلة صوم عاشوراء ثابتة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن قالوا له من الصحابة: إن اليهود تصومه، قال: «لَئِنْ عِشْتُ الْقَابِلَ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» مسلم (1134) فمات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يدرك العام القابل.
فهذا دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مات كان يصومه، ولم يترك صيامه، فبهذا يتبين أن قول ابن عمر: "فلما فرض رمضان ترك" محمول على ترك الوجوب، أو ترك التأكيد، وهذا الأقرب أنه ترك التأكيد.