قوله رحمه الله: "عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الشَّمْسُ. قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الشَّمْسُ. قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي». فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَاهُنَا ثُمَّ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ».

عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ".

قوله رضي الله عنه: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال لرجل: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي»" وفي رواية: «فَاجْدَحْ لَنَا». والجدح: هو خلط السويق بالماء. أي: اخلط السويق بالماء لنفطر.

قوله رضي الله عنه: "يا رسول الله، الشمس" يعني: عليك نهار، وذاك لِما يراه من بياض النهار، من بياض في الأفق.

قوله صلى الله عليه وسلم: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، أي: أمره بالنزول، ولعله كان في مكان عالٍ إما راكبًا أو غير ذلك.

قوله رضي الله عنه: "يا رسول الله، الشمس" أعاد عليه العذر، يعني: أمهِل فإن الشمس لم تغب.

قوله صلى الله عليه وسلم: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي». قال: فجدح له، أي: لما كرر عليه الطلب فجدح له. فشرب ثم رمى بيده هاهنا، أي: أشار إلى جهة المشرق. قال: «إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا» يعني من جهة المشرق «فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». وفي رواية: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا، وَالنَّهَارَ أَدْبَرَ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ».

والمقصود بهذا أنه يُسن للصائم أن يبادر إلى الفطر، ولو كان ذلك في وقت انتشار النور، ما دام أن الشمس غابت، فالحكم في الفطر منوط بغياب قرص الشمس، فإذا استتم غياب قرص الشمس بأن اختفى حاجبها الأعلى، فإنه يكون أفطر الصائم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» يعني: جاء وقت فطره الذي أذِن الله تعالى له فيه في قوله جل وعلا: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ البقرة: 187، والليل يحصل بسقوط قرص الشمس.