الطهارة من منهج السالكين 1441

من 1441-01-02 وحتى 1441-04-02
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 3079

التاريخ : 2019-09-21 14:30:17


 

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

قال رحمه الله: (فصل وأما الصلاة: فلها شروط تتقدم عليها.

فمنها: الطهارة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» رواه البخاري ومسلم.

فمن لم يتطهر من الحدث الأكبر والأصغر والنجاسة فلا صلاة له.

والطهارة نوعان: أحدهما: الطهارة بالماء، وهي الأصل. فكل ماء نزل من السماء، أو نبع من الأرض: فهو طهور، يطهر من الأحداث والأخباث، ولو تغير لونه وطعمه أو ريحه بشيء طاهر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» رواه أهل السنن، وهو صحيح.

فإن تغير أحد أوصافه بنجاسة، فهو نجس يجب اجتنابه.

والأصل في الأشياء: الطهارة والإباحة، فإذا شك المسلم في نجاسة ماء أو ثوب أو بقعة أو غيرها، فهو طاهر، أو تيقن الطهارة، وشك في الحدث، فهو طاهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم - في الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» متفق عليه).

هذا هو الفصل الأول، وهو مبدأ الحديث عن الأحكام الشرعية الفرعية، أو التفصيلية، أو العملية.

 

  

 

قوله رحمه الله: (أما الصلاة لها شروط) المقصود من ذكر (الصلاة) هنا هو ربط طالب العلم بالحديث المتقدم؛ حديث: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة».

ولو قال قائل: وما شأن الطهارة بهذه الأركان؟

فالجواب: أن الطهارة شرط من شروط الصلاة، وهو أيضًا يفيد فائدةً أخرى بيان سبب تقديم أحكام الطهارة على أحكام الصلاة، فهذه الفائدة الثانية من ذكر الصلاة هنا؛ لأنه يمكنه أن يتكلم عن الطهارة ابتداءً.

لكن سبب ذكر المؤلف للصلاة في أول كتاب الطهارة له فائدتان:

• الفائدة الأولى: ربطه بالحديث «بني الإسلام على خمس».

• الثانية: بيان أن سبب تقديم الطهارة والحديث عنها قبل غيرها من أركان الإسلام، هو كون الطهارة مفتاح الصلاة.

ولذلك قال في بيان الرابط: (وأما الصلاة: فلها شروط تتقدم عليها) ولذلك تقدم الحديث عن أحكام الطهارة.

(فمنها: الطهارة) أي: من الشروط التي تتقدم على الصلاة، ولابد من الحديث عنها، وبيان أحكامها.

 

  

 

وقوله رحمه الله: (فله شروط تتقدم عليها) الشروط: جمع شرط، والشرط في اللغة هو العلامة، وهو في الاصطلاح، اصطلاح الأصوليين: "ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدم لذاته"، هكذا يعرِّفه الأصوليون؛ بأنه "ما يلزم من عدمه العدم"، أي: إذا عُدم فلا يوجد ما يترتب عليه، أو ما يشترط له؛ فإذا لم تكن طهارة لم تكن صلاة، "ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته"، فإذا تطهر الإنسان أو توضأ، فهل يلزم أن يصلي بهذا الوضوء؟، لا، ولذلك قالوا: "ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته"، إنما توجد الصلاة لسبب آخر، لكن لا لأجل وجود الطهارة، فالطهارة ليست هي الموجبة للصلاة، أو ليست سببًا لوجوب الصلاة، بل هي شرط لها.

قوله رحمه الله: (فلها شروط تتقدم عليها، فمنها) أي: من تلك الشروط (الطهارة) والطهارة في اللغة: النظافة، والنزاهة، وفي الاصطلاح هي أخص من ذلك، ستتبين من خلال ما ذكره المصنف رحمه الله.

 

  

 

ابتدأ المصنف قبل الحديث عن الطهارة بدليل وجوب تقديم الطهارة على الصلاة، (كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاةً بغير طهور»). «صلاةً» نكرة في سياق النفي، فتعم كل صلاة سواءً كانت صلاةً مفروضةً، أو صلاةً مستحبةً، صلاةً نهاريةً، أو صلاةً ليليةً، صلاة فيها ركوع وسجود، أو صلاة لا ركوع فيها ولا سجود كصلاة الجنازة.

فقوله: «لا يقبل الله صلاةً»، أي: لا يقبل الله صلاةً كيفما كانت هذه الصلاة، ما دام أنها صلاة شرعية؛ فإنه لا يقبل الله صلاة بغير طهور، والحديث متفق عليه.

ولكن هذا الحديث ليس في الصحيحين كما قال المصنف رحمه الله، وإنما في صحيح مسلم بلفظ: «لا تقبل صلاة بغير طهور» أي: بغير فعل الطهارة. وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ». أما هذا اللفظ الذي ذكره المؤلف رحمه الله فإنه ليس في الصحيحين؛ ولعله قال: متفق عليه، بناءً على اتفاق المعنى مع حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر رضي الله عنه.

 

  

 

قوله رحمه الله: (فمن لم يتطهر من الحدث الأكبر والحدث الأصغر والنجاسة فلا صلاة له) هذا بيان لموضوع (الطهارة) وموضعها، فالطهارة كما تقدم في التعريف أنها:

• في اللغة: النزاهة والنظافة من الأقذار.

• أما تعريف (الطهارة) في الاصطلاح، فهي: رفع الحدث وإزالة الخبث.

وهذا التعريف يستفاد من كلام المؤلف رحمه الله حيث قال: (فمن لم يتطهر من الحدث الأكبر والحدث الأصغر والنجاسة فلا صلاة له)؛ إذ هذا هو معنى الطهارة، كما أفاده المصنف رحمه الله، فرفع الحدث يشمل رفع الحدث الأصغر والحدث الأكبر، وإزالة الخبث أي إزالة النجاسة، وسيأتي إن شاء - الله وتعالى - بيان ذلك فيما نستقبل.

 

  

 

ابتدأ المصنف رحمه الله بذكر الطهارة، وبيان أنواعها فقال: (والطهارة نوعان: أحدهما: الطهارة بالماء، وهي الأصل) هذا التقسيم للطهارة هو باعتبار ما تحصل به الطهارة، باعتبار مادة الطَّهور، بالفتح.

فالطَّهور نوعان، أي: ما يحصل به التطهر، ما يحصل به رفع الحدث؛ نوعان:

 • النوع الأول: الطهارة بالماء: وهي الأصل.

• والنوع الثاني: الطهارة بالتراب، وسيأتي بيان ذلك في باب التيمم.

وإذا نظرت إلى طرق الفقهاء رحمهم الله في التقسيم، تجد أنهم يسلكون في التقسيم مسالك عديدة، فمثلًا من الفقهاء من يقسم الطهارة إلى قسمين ويقول: الطهارة حسية، ومعنوية.

وهذا بالنظر إلى ما ينتج عن التطهر، وليس بالنظر إلى مادة التطهر.

• فالطهارة الحسية هي طهارة البدن من الأحداث، والأنجاس، والأخباث.

• وأما الطهارة المعنوية فهي طهارة القلب من الشرك، والكفر، والنفاق، والمعصية، وطهارة الأخلاق من الرذائل، والسيئات وطهارة اللسان من القول السيئ.

هذا كله يندرج في معنى الطهارة، ولذلك يقولون: الشريعة جاءت بنوعين من الطهارة: طهارة حسية، وطهارة معنوية:

• الطهارة المعنوية تتعلق بالقلب والباطن.

• والطهارة الحسية تتعلق بالظاهر.

فهذه التقسيمات لا مشاحة فيها، ولا إشكال، إنما ينبغي أن يعرف الطالب أنها ليست تقسيمات متعارضة، أو متضاربة، إنما تقسيمات بالنظر إلى اعتبارات مختلفة.

وهذا يمكن أن يجري على كل ما يقسمه الإنسان، أنتم الآن مجموعة من الحضور يمكن أن يتم  التقسيم وفق معايير عديدة، مثلًا من يلبس عمامة بيضاء، أو عمامة حمراء، أنتم مثلًا بالنظر إلى نوع غطاء الرأس، ثلاثة أنواع: من يغطي بعمامة، ومن يغطي بكوفية طاقية، ومن لا غطاء على رأسه لا بكوفية، ولا بعمامة، هناك تقسيم آخر بالنظر إلى جهاتكم التي جئتم منها، يمكن التقسيم إلى خمسة أو ستة، على حسب عدد الجهات التي قدمتم منها.

إذًا الشيء نفسه يمكن أن تقسمه إلى عدة أقسام بالنظر إلى اعتبارات مختلفة، فقوله رحمه الله: (الطهارة نوعان) هذا باعتبار ماذا؟، بالنظر إلى مادة التطهر، ما يحصل به التطهر، الذي يسمى الطَّهور، بالفتح، أي: مادة التطهير.

 

  

قوله رحمه الله: (أحدهما: الطهارة بالماء) أي: الطهارة التي يستعمل فيها الماء، فالباء هنا للسببية، أي: الطهارة الحاصلة باستعمال الماء، (وهي الأصل) بالنظر إلى أنها المأمور بها أولًا، والتي لا عدول عنها إلا لعذر.

يقول الله - جل وعلا - في هذا النوع من الطهارة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}؛ وهذا يشمل نوعي الطهارة، ما يتعلق بالطهارة من الحدث الأصغر، والطهارة من الحدث الأكبر، بل ويشمل أيضًا نوعي الطهارة الذين ذكرهما المؤلف رحمه الله، وهو الطهارة بالماء، والطهارة بالتراب؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}

يقول رحمه الله: بعد أن ذكر القسم الأول: (فكل ماءٍ نزل من السماء، أو نبع من الأرض، فهو طهور) هذا بيان لمعنى الماء الذي تحصل به الطهارة، يقول رحمه الله: (فكل ماءٍ نزل من السماء) أي: من العلو، والمقصود بالسماء هنا العلو عمومًا، سواء كان ذلك من السحاب، أو كان ذلك من الندى الذي يحصل منه ماءٌ، أو كان ذلك من الجبال، فكل ماء نازلٍ من علو، يدخل في قوله رحمه الله: (فكل ماء نزل من السماء) أي: من جهة العلو.

قوله رحمه الله: (أو نبع من الأرض) أي: خرج منها، سواءً كان ذلك من العيون، أو الآبار، أو غير ذلك مما يكون منه الماء.

قوله رحمه الله: (فهو طهورٌ) أي: يستعمل في الطهارة، فقوله: (فهو طهور) فَعول، وهو بالفتح آلة ما يتطهر به، كالسحور، والوقود، وقيل: بل فعول بمعنى فاعل، أي: طاهر فهو يكون في هذه الحال قد جيء به على صيغة المبالغة.

  

والمقصود: إثبات حكم الطَّهورية لكل ماء نزل من السماء، أو نبع من الأرض، وذلك أن الماء إما أن ينزل من السماء، أو ينبع من الأرض، فكل ماء نزل من السماء، أو نبع من الأرض، فهو طهور يستعمل في الطهارة بأنواعها، سواءً كانت الطهارة طهارة رفع حدث، أو كانت طهارة إزالة خبث؛ ولذلك قال رحمه الله: (يطهر من الأحداث والأخباث) أي: يستعمل للطهارة في رفع الأحداث، والأحداث جمع حدث، والحدث وصفٌ يقوم بالبدن يمنعه من الصلاة ونحوها، هذا تعريف الحدث.

قوله رحمه الله: (أو الأخباث) والأخباث جمع خبث، والمقصود به النجس، أو النجاسة، فكل ماءٍ نزل من السماء، أو نبع من الأرض، إذا استعمل في رفع الأحداث، أو إزالة الأخباث، ارتفعت الأحداث، وزالت الأخباث.

  

ثم بعد أن ذكر الماء الذي يستعمل للطهارة، ذكر ما يمكن أن يطرأ على هذا الماء من تغيرات، فقال رحمه الله: (ولو تغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر) قوله: (ولو) هنا إشارة إلى الخلاف، وهذا أول نوع ذكره المؤلف رحمه الله من الطوارئ التي تطرأ على الماء، وتُحدث فيه نوعًا من التغيير.

قوله رحمه الله: (ولو تغير لونه) لون ماذا؟ الماء النازل من السماء، أو النابع من الأرض، وهو الماء الطهور، (أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر) أي: فإنه يرفع الأحداث ويزيل الأخباث؛ لأنه قال: (يطهِّر ... ولو تغير لونه أو طعمه أو ريحه).

فإن قيل: ما حد هذا التغير الذي لا يرفع عن الماء الوصف الذي جعله الشارع فيه من رفع الأحداث وإزالة الأخباث؟ بمعنى أن أحدًا لو استعمل ماءً تغير لونه، فما هو التغير الذي لا يخرج هذا الماء عن أنه يجوز استعماله في رفع الأحداث والأخباث؟

فالجواب على هذا السؤال: أنه ما دام أن هذا التغير لم ينقل السائل عن اسم الماء عند الإطلاق فإنه يجوز استعماله، أما إذا نقله فأصبح لا يقال عنه ماء: إنما لابد من تقييد، كأن يقال: ماء ورد، أو يقال: ماء زهر، أو غير ذلك من التغيرات.

أو أنه انتقل إلى عين أخرى، انتقل إلى اسم آخر، كأن ينتقل مثلًا إلى أن يسمى عصيرًا أو شايًا أو قهوةً، فهنا انتقل عن اسم الماء.

إذًا الحد الذي لا يؤثر فيه التغير هو: ألا ينتقل السائل عن اسم الماء المطلق، فإن انتقل عن اسم الماء المطلق، لم يجز استعماله في رفع الأحداث، وكذلك في إزالة الأخباث على المذهب؛ إذ قوله رحمه الله: (ولو تغير لونه أو طعمه أو ريحه) لابد من تقييده: (ولو تغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر) بشرط ماذا؟ أن يصح إطلاق اسم الماء المطلق عليه، أن يبقى له اسم الماء المطلق، فإن كان قد زال عنه اسم الماء المطلق، عند ذلك لا يجوز استعماله في رفع الأحداث، ولا في إزالة الأخباث، على المذهب.

(كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الماء طهور لا ينجسه شيء » رواه أهل السنن، وهو صحيح) هذا بيان لصحة ما ذكر، وهو أنه مادام اسمه ماء، فإنه يصح استعماله في الطهارة، ولا يمنع من ذلك أن يجري عليه تغيرٌ في لونه، أو في رائحته، أو في طعمه، ما دام أنه يسمى ماءً.

هذا النوع الأول من التغيير، وبيان أثر هذا التغيير، وأثر هذا التغيير هو أنه لا يزول عنه وصف الطَّهورية، ما دام أن اسم الماء باقٍ.

أما إذا انتقل عن هذا الاسم، وأصبح لا يسمى ماءً عند الإطلاق، أو تغير اسم السائل، فعند ذلك يخرج عن كونه ماءً، فلا يصح استعماله في رفع الأحداث، وكذلك في إزالة الأخباث على المذهب.

  

النوع الثاني من التغير، أشار إليه بقوله: (فإن تغير أحد أوصافه بنجاسة فهو نجس يجب اجتنابه) هذا النوع الثاني من التغير، هو أن يتغير بنجاسة، وذلك بأن يتغير لونه، أو طعمه، أو رائحته، فعند ذلك يكون نجسًا.

ولم يفرق المؤلف - رحمه الله - بين أن يكون النجس الذي غير طعم الماء، أو لونه، أو رائحته، بين أن يكون في الماء، أو خارجًا عنه، فكل نجس غير الماء، أو غير أحد أوصاف الماء، فإن الماء يكون نجسًا سواء كان ذلك في الماء، أو كان خارجًا عنه.

ولذلك قال رحمه الله: (يجب اجتنابه) أي: تركه، وعدم استعماله في رفع الأحداث، وإزالة الأخباث؛ لأنه نجسٌ، يجب تجنبه، ولا يجوز استعماله في حصول الطهارة التي مقصودها التخلي من النجاسات.

  

فهمنا من كلام المؤلف أن الماء ينقسم إلى قسمين: طهور، ونجس.

الطَّهور: هو الماء النازل من السماء، أو النابع من الأرض، أو الماء الذي تغير أحد أوصافه بطاهر، لم ينقله عن اسم الماء المطلق، هذا هو (الطَّهور). على كلام المؤلف، الماء النازل من السماء، أو النابع من الأرض.

ويمكن أن نختصر هذا ونقول: الماء الباقي على أصل خلقته، أو الماء الذي تغير أحد أوصافه بطاهر، لم ينقله عن اسم الماء المطلق.

هذا هو (الطَّهور).

وأما القسم الثاني فهو (ما تغير أحد أوصافه بنجاسة) سواءً كانت فيه، أو خارجًا عنه، هذا ما ذكره المصنف رحمه الله فيما يتعلق بتقسيم الماء، وهو الراجح من أقوال العلماء.

  

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس.

• الطَّهور: هو الباقي على خلقته.

• الطاهر: هو ما تغير أحد أوصافه بطاهر.

• النجس: هو ما تغير أحد أوصافه بنجاسة وقعت فيه.

هذا تقسيم غالب الفقهاء للماء، والصحيح ما قاله المؤلف رحمه الله.

  

قوله رحمه الله: (والأصل في الأشياء الطهارة والإباحة) هذا البيان من المصنف رحمه الله هو لقطع الوساوس والشكوك التي تَرِدُ على الإنسان في حقيقة ما يجده من ماء.

قوله رحمه الله: (والأصل في الأشياء) أي: في عمومها، و(الأشياء) هنا يشمل كل شيء، الماء وغير الماء، وهذا من الاستدلال بالعام على الخاص، ويتكلم الآن عن أنواع الماء، أو عن الماء المستعمل في الطهارة، ولكنه جاء بما هو أوسع وأعم من القضية التي تتعلق بباب الطهارة؛ فقال: (والأصل في الأشياء الطهارة والإباحة) ومعنى قوله: (والأصل في الأشياء الطهارة) أي: القاعدة المستمرة، والأمر المستصحب، في الحكم على الأشياء أنها طاهرة، فلا تنجس، ولا ينجس منها شيء، إلا ما دل عليه الدليل، فهذا أصل لكل ما يباشر الإنسان من الأشياء، أن (الأصل) فيها الطهارة، وأدلة هذا (الأصل) كثيرة.

وأما الثاني مما ذكره في هذا (الأصل) فهو (الإباحة) أن الأصل في الأشياء أنها مباحة، وهذا ما أجمع عليه جماهير الفقهاء، وقد حكى بعضهم الإجماع على هذا (الأصل)، وأن الأصل في الأشياء الإباحة.

فما يتعلق ببحثنا ودراستنا، وهو ما يتعلق بالمياه نقول: المياه كلها، سواء كانت في البحار، أو كانت في الأنهار، أو كانت في الآبار، أو كانت في العيون، أو نزلت من الجبال، أو نزلت من السماء، أو حوتها الأواني، جميع ما في الأرض من مياه، الأصل فيها الطهارة، حتى تتغير أوصافها أو أحد أوصافها بنجاسةٍ، سواءً كانت واقعةً فيها، أو خارجةً عنها.

وكذلك الأصل في كل الأرض الطهارة سواء كان ذلك في جبالها، أو ترابها، أو أشجارها، أو سباخها، أو ما صنعه الإنسان من المصنوعات، الأصل فيها الطهارة.

 قال المصنف رحمه الله في منظومته:

والأصل في مياهنا الطهارة *** والأرض والثياب والحجارة

وهذا معنى قوله رحمه الله: (والأصل في الأشياء الطهارة والإباحة).

  

ثم ذكر ما يمكن أن يطرأ من شك على هذا الأصل، وما تأثير هذا الشك؟ فقال: (فإن شك المسلم في نجاسة ماءٍ أو ثوبٍ أو بقعة أو غيرها، فهو طاهر) هذا تطبيق للقاعدة، إعمالًا للقاعدة المتقدمة، أن (الأصل في الأشياء الطهارة والإباحة).

أما إذا طرأ على الإنسان شكٌّ، والشك هو التردد بين أمرين، لا ترجيح لأحدهما عن الآخر، إذا شك المسلم في نجاسة ماء، فشك هل هذا الماء تغير أحد أوصافه، أو إحدى صفاته، إما بنجاسة وقعت فيه، أو خارجة عنه، أو شك في نجاسة ثوبٍ، هل أصابته نجاسة أو لا؟، أو في نجاسة بقعة أصابتها نجاسة أو لا؟، أو غيرها من الأشياء، فما هو الحكم المستصحب؟ الأصل الطهارة، معنى هذا أن يحكم لها بماذا؟ بالطهارة أم بالنجاسة؟، يحكم لها بالطهارة.

وماذا عن هذا الشك أين يذهب؟، الشك لا أثر له في هذه الحال، وهذا معنى (الأصل)؛ إذ إن (الأصل) معناها القاعدة المستمرة، والأمر المستصحب الذي يرجع إليه عند الاختلاف، والاشتباه، والشك، فالأصل بقاء ما كان على ما كان، وهذه الأشياء كانت طاهرةً، فلا ينقل عن هذا الأصل إلا ببينة وبرهان.

ولذلك قال أيضًا: في ذكر فروع هذه القاعدة، قال: (أو تيقن الطهارة وشك في الحدث، فهو طاهر) تقدم لنا أن الطهارة كم نوعًا؟ نوعان؛ الطهارة رفع الحدث وإزالة الخبث، قوله: (فإذا شك المسلم في طهارة ماء أو ثوب أو بقعة) هذا من أي النوعين يتصل برفع الأحداث أو بإزالة الأخباث؟ بإزالة الأخباث.

أما قوله: (أو تيقن الطهارة وشك في الحدث) هذا فيما يتعلق برفع الأحداث، فإذا تيقن أنه قد توضأ، ثم شك هل حصل معه ناقض أو لم يحصل! فما هو الحكم؟ هل يحكم بأنه طاهر أم أنه محدث؟ يحكم بأنه طاهر. بناءً على الأصل المعتمد، وهو: الأصل بقاء ما كان على ما كان، وقد تطهر فلا يرفع هذا الحكم إلا بدليل ويقين.

ولذلك ذكر المصنف رحمه الله دليل هذا الأصل؛ فقال: (لقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة)، أي: يشك في صلاته هل خرج منه شيء أو لم يخرج منه شيء؟ قال: («لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» متفق عليه).

الآن إذا تردد الإنسان هل حصل منه ناقض، أو لم يحصل، فهنا الأصل بقاء الطهارة، وهي ما كان سابقًا، وهذا الشك الطارئ لا يلتفت إليه، إلا أن يتيقن بزوال الطهارة، وذلك بأمر حسي، وهو إما أن يكون سماعًا، وهذا قوله: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا»  أو لوجود الريح، «أو يجد ريحًا» فيشم رائحة الخارج.

أما دون هذين الأمرين فمهما حصل من شك، فإنه لا يلتفت إليه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «لا ينصرف» أي: لا ينتقل عن صلاته، ويخرج منها «حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»، وهذا إعمالٌ للأصل المتقدم، وهو أن: الأصل بقاء ما كان على ما كان.

وله صلة بالقاعدة الكبرى الشهيرة، "وهي أن اليقين لا يزول بالشك" فمادام الإنسان متيقنًا من طهارته، فلا يرتفع هذا اليقين إلا بيقين، ولذلك قال: (وترجع الأحكام لليقين فلا يزيل الشك لليقين) لا يقوى الشك على إزالة اليقين إلا بيقين.

 هذا ما يتعلق بما ذكره المصنف رحمه الله في مقدمة باب كتاب الطهارة، وهو ما يتعلق بالمياه.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق