الطهارة من منهج السالكين 1441

من 1441-01-02 وحتى 1441-04-02
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 2645

التاريخ : 2019-10-05 11:36:03

طباعة الصفحة   

باب نواقض الوضوء:

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

يقول المصنف رحمه الله: (باب نواقض الوضوء: وهي الخارج من السبيلين مطلقًا، والدم الكثير ونحوه، وزوال العقل بنومٍ أو غيره، وأكل لحم الجزور، ومس المرأة بشهوة، ومس الفرج، وتغسيل الميت، والردة، وهي تحبط الأعمال كلها؛ لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} سورة النساء الآية (43).

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» رواه مسلم صحيح مسلم: 828.

وقَالَ: «كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ أَمَرَنَا أَنْ لاَ نَنْزِعَهُ ثَلاَثًا إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» رواه النسائي سنن النسائي: 159, سنن الترمذي 96).

يقول المصنف رحمه الله: (باب نواقض الوضوء) أي: هذا باب نواقض الوضوء، وأتى به بعد الوضوء؛ لأنه يبطله ويفسده، فناقض الشيء مبطله، وناقض الشيء مفسده، فالنواقض جمع ناقض، والناقض هو المفسد المبطل، فنواقض الوضوء مفسداته ومبطلاته، فكلما وجد شيءٌ من هذه النواقض فسد وضوؤه، ولم تصح صلاته؛ لأنه محدث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» صحيح البخاري ( 2 ), (6954).

هذه النواقض ذكرها المؤلف رحمه الله عدًّا فقال: (وهي الخارج من السبيلين).

    

وقبل أن نذكر ذلك عددًا كما صنع المؤلف رحمه الله، ينبغي أن يعلم أن الأصل في النواقض التوقيف، فلا يقال في شيءٍ من الأشياء، إنه ينقض الوضوء حتى يقوم الدليل على أنه ناقض، فمن قال: ينتقض الوضوء بمس النجاسة مثلًا قيل له: ما الدليل على ذلك؟، لابد من إقامة الدليل على كل ناقض، ولذلك سنقف مع كل ناقض لنطلب دليلَ ذلك.

وقد ذكر المؤلف رحمه الله جملةً من الأدلة بعد ذكره لهذه النواقض.

إذًا الأصل في النواقض التوقيف، لابد من دليل على كل ناقض.

    

يقول رحمه الله في عدها (وهي) أي: نواقض الوضوء، (الخارج من السبيلين مطلقًا). (الخارج من السبيلين)؛ أي: ما خرج من القبل والدبر، وجميع الخارج من الدبر ناقض للوضوء، سواءً كان طاهرًا أو نجسًا، فالريح مثلًا تنقض الوضوء، المني ينقض الوضوء، وقد قيل بطهارتهما.

وأما بقيَّة النجاسات كالبول والدم والغائط وما له جرم، كل ذلك ينقض الوضوء، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحدث لما سئل عنه: «فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ» صحيح البخاري: 135.

بل بيَّن ذلك أبو هريرة رضي الله عنه، لما سأل عن الحدث قال: «فساءٌ أو ضراط»؛ فكل خارج  من السبيلين فإنه ينقض الوضوء، وهذا محل إجماع هذا هو الناقض الأول.

    

الناقض الثاني الذي ذكره المصنف رحمه الله قال: (والدم الكثير ونحوه )؛ (الدم) أي: دم الإنسان، (الكثير) الخارج من غير السبيلين، أما الخارج من السبيلين، فقد تقدم ذكره في الناقض الأول.

لكن قوله: (والدم الكثير) يعني إذا خرج من غير السبيلين، كما لو أرعف أو خرج من أذنه، أو من عينه، أو من فمه دمٌ كثير، أو جرح فخرج منه دمٌ كثير، فإن هذا الدم نجسٌ ينقض الوضوء على ما ذكره المؤلف رحمه الله.

فإن مما ينقض الوضوء خروج الدم الكثير من غير السبيلين، والمقصود بـ(الكثير)؛ الفاحش عرفًا، وقيده بـ(الكثير) لأنهم فرَّقوا في الخارج من بدن الإنسان بين الكثير وغيره، فيما إذا كان من غير السبيلين.

    

وقد صحح المؤلف رحمه الله في موضع آخر أن الدم الكثير لا ينقض الوضوء، وأن القيء لا ينقض الوضوء؛ لأنه لم يرد دليلٌ بيِّن على نقض الوضوء بها، والأصل بقاء الطهارة، وما جاء من أن القيء يوجب الطهارة لا دليل فيه، فقد استدلوا بأن «النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ» كما جاء في السنن، لكن هذا لا يدل على الوجوب؛ إذ الوضوء قد يكون للاستحباب لا للوجوب؛ فالفعل الذي تجرد من الأمر، يدل على الاستحباب في قول جمهور الأصوليين، إذًا ما ذكره المؤلف هنا جرى فيه على المذهب، ولعله رجحه في وقت من الأوقات، لكن الذي رجحه - رحمه الله - في الاختيارات الجلية، أن الدم والقيء ونحوهما مما يخرج من بدن الإنسان لا ينقض الوضوء قليله ولا كثيره، وبهذا يكون هذا الناقض ملغيًّا بالنظر إلى ترجيح المصنف رحمه الله، ولعل له قولين رحمه الله.

قال: (ونحوه) أي: كالقيء، والصديد والقيح ونحو ذلك، والكلام فيها كالدم.

    

قال في الناقض الثالث، قال: (وزوال العقل بنومٍ أو غيره). (زوال العقل) أي: ذهابه، والعقل قوة ونعمة أنعم الله بها على العبد، بها يدرك الأشياء النافعة من العلوم والمعارف، وبها يصل إلى توقي الأضرار والشرور، وهو مناط التكليف، العقل مناط التكليف، فإن غير العاقل لا يكلف، والعقل يُعرف بآثاره، وهو ما يكون من الإنسان من التصرفات.

فقوله رحمه الله: (زوال العقل) أي: ذهابه، وذهابه إمَّا أن يرتفع بالكلية، هذه حال وصورة وذلك بالجنون ونحوه، وإمَّا أن يغطى العقل دون ذهابٍ بالكلية كالنوم والإغماء والسُّكر ونحو ذلك.

وقد ذكر المؤلف رحمه الله لزوال العقل صورةً واحدةً اختصارًا قال: (بنومٍ). وهذا من الرفع الكلي أو التغطية؟ هذا من التغطية.

قال رحمه الله: (وزوال العقل بنومٍ أو غيره) ودليل ذلك ما جاء في حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه أنه قال: «كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرنا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام إلا من جنابة، ولكن نتوضأ ونمسح على الخفاف من غائط وبولٍ ونوم».

وقد جاء في حديث معاوية: «إنَّ الْعَيْنَيْنِ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنَانِ اسْتُطْلِقَ الْوِكَاءُ» مسند الإمام أحمد: (17342)  وهذا يدل على أن النوم مظِنة الحدث، فلذلك كان ناقضًا؛ لأن الشريعة تقيم المظنة مقام المئنة، وهذه قاعدة، أن الشريعة تقيم الأمر المظنون مقام المحقق إذا كان غالبًا، الشريعة تقيم المظنون مقام المحقق الموجود إذا كان غالبًا.

ثم قال رحمه الله: (أو غيره) كإغماء وسُكرٍ وبنجٍ ونحو ذلك.

    

الناقض الرابع الذي ذكره المصنف رحمه الله: (وأكل لحم الجزور) أي: إن مما ينقض الوضوء، أكل لحم الإبل، على اختلاف أنواعها، سواءً كانت ذات سنام أو كانت ذات سنامين، صغيرة كبيرة، ذكرًا أو أنثى.

ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من لحم الغنم فقال: «إِنْ شِئْتَ»، وسئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: «نَعَمْ» صحيح مسلم: 828 فجزم صلى الله عليه وسلم للوضوء من لحم الإبل، وعلق الوضوء من لحم الغنم بمشيئة السائل.

فأخذ الإمام أحمد من هذا أنه يجب الوضوء من لحم الإبل، وأن أكل لحم الإبل ناقضٌ للوضوء، وقد أشار المصنف إلى اختلاف أهل العلم في ذلك، والجمهور على أن الوضوء من لحم الإبل مستحبٌّ ليس واجبًا.

ومن قال بالنقض، وهو مذهب الحنابلة، واختيار الشيخ رحمه الله لا يفرق، منهم من يخصه باللحم دون غيره، من قال بالنقض منهم من يخصه باللحم دون غيره، ومنهم من يجعله عامًّا لجميع أجزائه، فيقول النقض بكل أجزائه، يحصل النقض بالأكل من جميع أجزاء الإبل سواءً من اللحم أو الشحم أو الكرش أو القلب أو المصران أو الكبد؛ لأنه داخل في حكم اللحم، وفي لفظه ومعناه، والتفريق بين أجزائه لابد من دليل، وهذا القول هو الأصوب.

إذا قيل بأن لحم الإبل ينقض الوضوء، فإنه يعم كلَّ أجزائه بلا استثناء، فتخصيص الكبد والمصارين ونحوها بأنها لا تنقض الوضوء، لا دليل عليه.

    

الخامس من نواقض الوضوء التي ذكرها المؤلف رحمه الله: (ومسُّ المرأة بشهوة) أي: مما ينقض الوضوء لمس المرأة بشهوة، لمس المرأة بلذة وشهوة، فإنه ناقض، واستُدلَّ لذلك بقول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} سورة النساء الآية (43)، وقد اختلف المفسرون رحمهم الله في معنى قوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} هل المراد الجماع، أم أن المراد اللمس باليد، أم أن المراد اللمس الذي يكون مظنة خروج ناقض من المذي ونحوه وهو اللمس بشهوة؟

والمصنف رحمه الله حمل الآية على هذا المعنى، وجعل ذلك أولى ما يدخل في الآية جمعًا بين الآية والأحاديث، فإن الآية دلت على أن لمس المرأة مما يوجب الوضوء، لكن ذلك مقيد بما إذا كان لشهوة.

فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه مس بعض نسائه، لكنه لم يتوضأ صلى الله عليه وسلم، وذاك أنه مسٌّ لا شهوة فيه.

    

السادس من نواقض الوضوء مس الفرج، قال: (ومس الفرج) والفرج المراد به القبل، وبعضهم قال: القبل والدبر، ولكن الصحيح أن مس الفرج يراد به القبل؛ لحديث: «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ» سنن النسائي: باب الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ (275) حديث رقم: 449، وقد جاء ذلك مخصصًا للذكر في قوله: «من مس ذكره فليتوضأ» في حديث بسرة بنت صفوان.

وهذا في ظاهر كلام المؤلف على إطلاقه سواءً كان بشهوة أو لم يكن لشهوة.

والقول الثاني أن مس الفرج لا ينقض الوضوء إلا إذا كان بشهوة، وهذا هو الأقرب إلى الصواب، فقد جاء في حديث طلق بن علي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ» مسند أحمد: حديث طلق بن على حديث رقم: 16722، خلاصة حكم المحدث: صحيح أو حسن.

    

ثم قال المصنف في ذكر الناقض السابع: (وتغسيل الميت) أي: إنَّ مما ينقض الوضوء، غسل الميت، والأصل فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، الذي رواه أحمد وأصحاب السنن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» سنن أبي داود: 3163 وهذا الحديث فيه نظر، من حيث ثبوته، وكذلك من حيث دلالته؛ ولذلك الصحيح أن تغسيل الميت ليس ناقضًا للوضوء، حتى يقوم الدليل على ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه شيءٌ في هذا، والحديث لو عملنا بظاهره لقلنا: إن غسل الميت يوجب الغسل وليس الوضوء فقط، لقوله: «مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ» ولم يقل: فليتوضأ، «وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» سنن أبي داود: 3163.

    

الثامن من النواقض التي ذكرها المؤلف الردة، قال: (والردة) والردة هي الرجوع عن الإسلام، والخروج عن دين الإسلام، بمكفر من المكفرات القولية أو العملية، فالردة ناقضة للوضوء؛ لأنها تحبط كل عمل ومنه الطهارة، فإنها تحبط الطهارة، ودليل ذلك أن الله أخبر بإحباطها العمل قال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} سورة الزمر الآية (65) قال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة الأنعام الآية (88) فالردة تحبط العمل ومنه الطهارة.

    

بعد أن ذكر المصنف رحمه الله النواقض وجملتها ثمانية فيما عدَّ رحمه الله، ذكر أدلةً فقال: (لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} سورة النساء  الآية (43)) وهذا دليل لناقضين:

- الناقض الأول الخارج من السبيلين مطلقًا؛ لأنه لا يكون إلا في الغائط.

- ومس المرأة بشهوة.

(وقال سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» صحيح مسلم: 828) وهذا دليل على النقض بأكل لحم الجزور.

(وقال في الخفين: «وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» سنن النسائي: 159 رواه النسائي والترمذي وصححه) الزائد في هذا قوله: «ونوم»، رواه النسائي والترمذي وصححه.

ومن هنا يتبين أن المؤلف لم يستوعب كل ما ذكره من النواقض استدلالًا، إنما ذكر دليل أربع نواقض فقط، ولم يذكر البقية. الذي ذكره هو الخارج من السبيلين، وأكل لحم الإبل، والنوم، وزوال العقل، ومس المرأة بشهوة، أربع نواقض ذكر أدلتها، وترك الباقي، وذلك اختصارًا.

    

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب ما يوجب الغسل وصفته، ويجب الغسل من الجنابة؛ وهي إنزال المني بوطءٍ أو غيره أو بالتقاء الختانين، وخروج دم الحيض والنفاس، وموت غير الشهيد، وإسلام الكافر، قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} سورة المائدة الآية (6)، وقال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} سورة البقرة الآية (222) الآية. أي: إذا اغتسل.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل من تغسيل الميت، وأمر من أسلم أن يغتسل).

يقول المصنف رحمه الله: (باب ما يوجب الغسل وصفته) هذا الباب متضمن لموضوعين:

الموضوع الأول: موجبات الغسل، يعني الأمور التي تقتضي الغسل، التي توجبه.

والثاني: صفة الغسل.

    

ابتدأ المصنف رحمه الله بذكر موجبات الغسل، والغسل هو إفاضة الماء على البدن، وهو الطهارة الكبرى التي جاء ذكرها في القرآن في قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} سورة المائدة الآية (6)، وهذا التطهر له حالان، إما واجب وإما مستحب، البحث في هذا الباب إنما هو في الأغسال الواجبة، فيما ذكره المصنف رحمه الله؛ ولذلك ذكر الموجبات، وأشار إلى بعض المستحبات، ثم ذكر الصفة التي يتحقق بها الغسل المطلوب على وجه الكمال، وعلى وجه الإجزاء، هذا ما في هذا الباب.

    

يقول رحمه الله: (باب ما يوجب الغسل) أي: ما يقتضيه، وموجبات الغسل، ذكر المصنف رحمه الله جملةً منها، وهي خمسة بالإجماع، وثمة سادس فيه خلاف.

الإجماع منعقد على أن:

• خروج المني دافقًا بلذة يوجب الغسل.

• الثاني: إيلاج الحشفة في الفرج ولو لم يكن إنزال.

• الثالث: الحيض.

• الرابع: النفاس.

•الخامس: الموت في غير الشهيد.

• السادس: الإسلام، وهذا هو المختلف فيه.

    

هذه موجبات الغسل في الجملة، وقد ذكرها المصنف رحمه الله بقوله: (ويجب بالغسل من الجنابة) أي: يلزم ويتحتم الغسل من الجنابة، والجنابة وصفٌ يكون بالبدن يمنعه من الصلاة، وقراءة القرآن، وجملة من العبادات، وسمي جنبًا؛ لأنه بعيد عن الطهارة، فهو من الإبعاد لذلك سمي جنبًا؛ لأن الماء الذي خرج منه بعد عن أصله، فإن خروج المني الذي يوجب الجنابة، خرج عن أصله ومعدنه وبعد عنه، فسمي من خرج منه جنبًا بناءً على هذا الوصف الذي حصل له.

وذكر المصنف رحمه الله في تعريف الجنابة: أنها إنزال المني بوطء أو غيره فقال: (وهي) أي: الجنابة (إنزال المني بوطء أو غيره). (إنزال المني) المني هو مادة أصل الإنسان، وهي النطفة التي قال فيها جل وعلا: {فَلْيَنْظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} سورة الطارق الآية ( 5، 6) إلى آخر الآيات، {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} سورة الطارق الآية (7).

    

وقوله رحمه الله: (إنزال المني بوطء) أي: بسبب وطء، والوطء هو الجماع، (وغيره) أي: وغيره من أسباب خروج المني على هذا النحو الذي يكون في الوطء من خروجه دافقًا بلذة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون يقظةً أو منامًا، وقد دل على ذلك ما في الصحيح من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» صحيح البخاري: 130 أي: وجب عليها الغسل إذا رأت الماء، وفي رواية: «نعم إذا هي رأت الماء».

ثاني ما تحصل به الجنابة قال: (أو بالتقاء الختانين) التقاء الختانين أي: اجتماعهما، والختانان موضع ختان الرجل، وموضع ختان المرأة، ولو لم تكن مختونةً، هذا المقصود بالختانين، ولا يتحقق هذا، لا يتحقق التقاء ختاني المرأة والرجل، إلا بأن يولج الحشفة رأس الذكر، أن يدخل رأس الذكر في قبل المرأة، بهذا يتحقق التقاء الختانين، ودليل ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» سنن الترمذي: 109، وسنن ابن ماجة: 651، وفي الحديث: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ اجْتَهَدَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» سنن النسائي: 191.

    

بعد هذا قال رحمه الله: (وخروج دم الحيض والنفاس) أي: من موجبات الغسل خروج دم الحيض، وهو دم فساد يصيب المرأة بين فترة وأخرى، وسيأتي بيانه وإيضاحه، دم جبلة يرخيه رحم المرأة في فترات معهودة، وهو دم فاسد.

ودليل ذلك هو قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} سورة البقرة الآية (222). فجعل الله تعالى من موجبات انقطاع دم الحيض التطهر وهو الغسل.

والنفاس ملحق به بالإجماع، لا خلاف بين أهل العلم في إلحاق النفاس بالحيض في وجوب الغسل، ذكر المصنف الآن من موجبات الغسل أربعة:

• إنزال المني بوطء أو غيره.

• الثاني: التقاء الختانين.

• الثالث: خروج دم الحيض.

• الرابع: خروج دم النفاس.

    

• الخامس: قال: (وموت غير الشهيد) فالموت موجب لغسل الميت، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، وهو أمر تعبدي.

ودليل ذلك ما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه، في قصة الرجل الذي وقصته راحلته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» صحيح البخاري: 1265 شاهده قوله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر».

 وكذلك في حديث أم عطية لما توفيت إحدى بناته قال: «اِغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ» صحيح البخاري: 1199. وهذا أمر متفق عليه.

وقوله رحمه الله: (وموت غير الشهيد) استثناء، فإن الشهادة من خصائصها أن الشهيد لا يُغسل، والشهيد هو قتيل المعركة بين أهل الإسلام وأهل الكفر، من قُتل في أرض المعركة التي يقاتل فيها الكفار فإنه شهيد، ينطبق عليه أحكام الشهادة فيما يتعلق بترك الغسل، وترك الصلاة.

جاء ذلك في حديث جابر في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يُغسَّلوا ولم يصل عليهم.

    

• السادس: (إسلام الكافر)؛ أي: الدخول في الإسلام، فمن موجبات الغسل أن يدخل الإنسان في الإسلام، واستدلوا لذلك بحديث قيس بن عاصم: «قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُرِيدُ الإِسْلاَمَ فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» والحديث رواه أحمد وأصحاب السنن، وحسنه جماعة من أهل العلم.

إلا أن الحديث في إسناده مقال، ولذلك ضعَّفه المحققون، وقد قال جماعة من أهل العلم: لا يصح دليلٌ من السنة على وجوب الغسل للدخول في الإسلام، ولو كان أمرًا مستفيضًا بينًا لاشتهر وعُرف.

وعلى القول بصحة حديث قيس بن عاصم يقال: إنَّ هذا الأمر خاص في قضية خاصة، فلعله قد علق به ما يوجب الغسل؛ لأنه لم ينقل ذلك عن أمثاله ممن أسلموا وهم كثر، لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال.

ولذلك صحح المصنف رحمه الله القول الثاني بأنه لا يجب الغسل على من أسلم، وهذا القول أقرب إلى الصواب لعدم الدليل، وإنما يقال: يستحب، أما الوجوب فيحتاج إلى دليل أقوى من هذا، ولا دليل

    

قال رحمه الله بعد ذلك: (قال الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ}سورة المائدة الآية (6)) هذا دليل على ما تقدم من موجبات الغسل.

(وقال: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ الله} سورة: البقرة  الآية (222)) هذا دليل على الأول والثاني، وقوله: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ} دليل على الثالث والرابع.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل من تغسيل الميت، كما تقدم في حديث أبي هريرة، وهذا من الأغسال المستحبة.

وبعضهم قال: إنَّ هذا يدل على وجوب غسل الميت؛ لأنه إذا كان يترتب عليه الغسل فإنه يدل على أن المغسَّل من باب أولى يحتاج إلى غسل، يعنى إذا كان غسل الميت يوجب غسلًا، فغسل الميت من باب أولى، فإذا كان غسله يوجب غسلًا، أو يندب له الغسل، فغسله من باب أولى، لكن هذا فيه نوع من التكلف والبعد، وأولى منه ما ذكرت في الأحاديث المتقدمة في حديث الذي وقصته راحلته، وفي حديث وفاة إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: (وأمر من أسلم أن يغتسل) هذا في حديث قيس بن عاصم، فالمصنف رحمه الله ذكر موجبات الغسل، وذكر أدلتها، وكنت قد ظننت أن قوله وقد أمر النبي بالغسل من تغسيل الميت أن ذلك على وجه الاستحباب، الأغسال المستحبة، لكن يظهر لي والله أعلم من عرض المؤلف أنه أراد بذلك الاستدلال لوجوب غسل الميت غير الشهيد.

ووجهه كما ذكرت أنه إذا أمر بغسل من غسل الميت، فغسل الميت من باب أولى، ولكن هذا فيه نوع من التكلف والأدلة في ذلك أظهر من هذا.

 

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق
مها جاسم الملا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل خروج فقاعات الهواء من الدبر والقبل من مبطلات الوضوء ؟
2019-11-09