الطهارة من منهج السالكين 1441

من 1441-01-02 وحتى 1441-04-02
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 2538

التاريخ : 2019-10-05 11:37:26

طباعة الصفحة   

صفة الغسل الكامل والمجزئ:

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

يقول المصنف رحمه الله تعالى: (صفة غُسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة):

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين وجميع المسلمين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وأما صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، فكان يغسل فرجه أولًا, ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا, ثم يحثي الماء على رأسه ثلاثًا, يُروِّيه بذلك, ثم يفيض الماء على سائر جسده, ثم يغسل رجليه بمحل آخر.

والفرض من هذا: غسلُ جميع البدن, وما تحت الشُّعور الخفيفة والكثيفة, والله أعلم).

قال: (وأما صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة)، وهي الصفة المطلوبة في كل الأغسال, ما ورد عنه في غسل الجنابة هو الغسل المطلوب في كل ما شرع له الغسل، سواء كان لجنابة أو كان لحيض أو كان لإسلام كافر، أو الأغسال المستحبة التي ندب إليها الشارع؛ فغسل الجنابة هو الغسل المطلوب في كلِّ الأغسال على وجه الاستحباب، وعلى وجه الوجوب.

قال: (وأما صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة فكان: يغسل فرجه أولًا), هذا بيان وذكر لوصف ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم في صفة غسله.

وينبغي أن يُعلم أن صفة الغُسل المطلوب نوعان: صفة كاملة وصفة مجزئة، والذي يذكره المؤلف رحمه الله هو الصفة الكاملة وليس الصفة المجزئة، وسيشير إلى الفرض من ذلك في الصفة المجزئة.

قال رحمه الله: (فكان يغسل فرجه أولًا, ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا، ثم يحثي الماء على رأسه ثلاثًا، يرويه بذلك) إلى آخر ما ذكر.

لم يذكر المؤلف رحمه الله النية، مع أن النية شرط للعمل كله, فلماذا؟؛ لأنه سبق أن ذكرها في الوضوء, حيث قال في صفة الوضوء: (والنية شرط لجميع الأعمال من الطهارة وغيرها)؛ فاكتفى بسابق الذكر على الإعادة, فلابد من نية.

    

فكان (يغسل فرجه أولًا), هذا ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في غسل الجنابة: (يغسل فرجه أولًا)؛ فيغسل ما أصابه ويستنجي لإزالة أثر ما علق به, (ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا)؛ أي: وضوءه للصلاة على النحو المتقدم, (ثم يحثي الماء على رأسه ثلاثًا)؛ أي: يصب الماء, حثي الماء؛ هو صبُّه وإفاضته, فقوله: (ثم يحثي الماء على رأسه ثلاثًا)؛ أي: يُفيض الماء على رأسه, فيبدأ بالرأس لشرفه على سائر أعضاء البدن.

فإن قيل: وكيف بدأ بالفرج؟ فالجواب: لكي لا يحتاج إلى غسله ثانية؛ فهو ليس مقصودًا لذاته, إنما هو من باب التخلي ابتداءً، (ثم توضأ وضوءه للصلاة), ثم بعد ذلك بدأ بغسل سائر بدنه؛ ابتداءً بإضافة الماء على رأسه.

والحثيُ؛ هو الصب والإفاضة، وقوله: (ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرات، ولم يُذكر التثليث في الغسل إلا في غسل الرأس؛ لأنَّ ذلك هو الوارد في صفة غسله صلى الله عليه وسلم، فلم يثبت عنه تثليث في الغسل إلا في هذا؛ لأنه حثى الماء على رأسه ثلاثًا، ثم أفاض الماء على سائر جسده دون عدد.

قال: (يرويه بذلك)؛ أي: يبالغ في إيصال الماء إلى أصول بشرته؛ ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يدخل أصابعه في رأسه حتى إذا ظن أنه قد أروى؛ أي: بلَّغ الماء شئونَ الرأس وأصولَ الشعر.

(ثم يفيض الماء على سائر جسده)؛ أي: يصبُّ الماء على بقية بدنه ابتداءً باليمين, ثم باليسار؛ لعموم حديث عائشة: «أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ، فِي تَرَجُّلِهِ وَوُضُوئِهِ» صحيح البخاري (5926) .

(ثم يغسل رجليه بمحلٍّ آخر) أي: إذا فرغ من إفاضة الماء على سائر جسده, يغسل رجليه بمحل آخر؛ لحديث ميمونة رضي الله عنها, وقد وصفت غسل النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالت: «وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءًا لِجَنَابَةٍ»؛ أي: الماء الذي يستعمله في إزالة الجنابة ورفعها «فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوِ الحَائِطِ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ المَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» صحيح البخاري (274) ؛ وهذا لكون المكان الذي غسل فيه سائر بدنه قد يكون قد أصابه ما أصاب فيحتاج إلى الانتقال عنه؛ ليغسل قدميه, لكن في مغاسل الناس اليوم في الغالب أن الماء لا يبقى في موضع الغسل, لا يبقى شيء؛ إذ إن الماء يجري في محل التصريف, فلا يحتاج إلى أن ينتقل إلى موضع آخر.

    

قال بعد ذكر هذا الوصف: (والفرض من هذا) أي: الواجب والمجزئ والقدر الذي يحصل به المطلوب مما تقدم في صفة الغسل:

(غسل جميع البدن)؛ أي: إفاضة الماء على جميع البدن؛ بألا يترك منه شيئًا؛ لأن الله تعالى أضاف التطهير إلى جميع الإنسان، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} سورة المائدة آية (6) , فلم يخصص شيئًا دون شيء، فإذا عم بدنه بالماء غسلًا مرةً واحدةً مع النية حصل المطلوب.

قال رحمه الله: (وما تحت الشعور الكثيفة والخفيفة)؛ أي: ويجب أن يوصل الماء إلى ما تحت الشعور الخفيفة والكثيفة, والشعور تنقسم إلى قسمين: خفيفة وكثيفة, وضابط الخفيف: ما بدا لون البشرة للناظرين من ورائه، وأما الكثيف فهو: مالا يبدو معه لون البشرة، وغسل ظاهر الشعر وباطنه والكثيف والخفيف؛ للعموم في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} سورة المائدة آية (6) , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم روَّى شعره، وقد جاء في ذلك أحاديث, لكنها لا تخلو من مقال كحديث عليٍّ: «تَحْتَ كُلِّ شَعْرٍ جَنَابَةٌ، فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» السُّنن الكبرى للبيهقيِّ (827) , لكنه لا يصحُّ من ذلك شيء, إنما دليله العمومُ؛ عموم ما أمر الله تعالى به من الطهارة، وذلك يشمل كل ما يكون من الإنسان؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} سورة المائدة آية (6) .

    

بعد ذلك قال المصنف رحمه الله: (باب التيمم: وهو النوع الثاني من الطهارة, وهو بدل عن طهارة الماء إذا تعذر استعمال الماء لأعضاء الطهارة, أو بعضها لعدمه أو خوف ضرر باستعماله, فيقوم التراب مقام الماء, بأن ينوي رفع ما عليه من الأحداث، ثم يقول: بسم الله. ثم يضرب التراب بيديه مرة واحدة, ويمسح بهما جميع وجهه وجميع كفيه, فإن ضرب مرتين فلا بأس؛ قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة المائدة آية (6) . وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيّمَا رَجُل أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةَ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَومِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً» متفق عليه.صحيح البخاري: 427, صحيح مسلم: 3 .ومن عليه حدث أصغر: لم يحلَّ له أن يصلي, ولا أن يطوف بالبيت, ولا يمس المصحف.ويزيد من عليه حدث أكبر: أنه لا يقرأ شيئًا من القرآن، ولا يلبث في المسجد بلا وضوء.وتزيد الحائض والنفساء: أنها لا تصوم, ولا يحل وطؤها, ولا طلاقها).

يقول المصنف رحمه الله: (باب التيمم) أي: هذا باب التيمم، وقد ذكر فيه مرتبة التيمم في الطهارة, حيث قال: (وهو النوع الثاني من الطهارة)، وبهذا يشير إلى النوع الأول الذي تقدم في أول الباب؛ حيث قال رحمه الله: (والطهارة نوعان: أحدهما طهارةٌ بالماء، وهي الأصل), ثم قال هنا: (وهو النوع الثاني من الطَّهارة)، وهذا التقسيم باعتبار مادة الطهارة, فمادة الطهارة: إما أن تكون ماءً وإما أن تكون تيمُّمًا، وكلاهما يحصل به رفع الحدث بالاتفاق، وتطلب في رفع الخبث في أحد قولي أهل العلم.

قوله رحمه الله: (التيمم), التيمم في اللغة: القصد، ومنه قوله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} سورة البقرة آية (276) ، وقد أمر الله تعالى بقصد الصعيد الطيب فقال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} سورة المائدة آية (6) .

أما  التيمم في اصطلاح الفقهاء فهو: مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد أو من التراب, وقد عرَّفه الشيخ رحمه الله بقوله: (مسح الوجه واليدين بالتراب على وجه مخصوص), هذا تعريف الشيخ عبد الرحمن السعدي للتيمم: مسح الوجه واليدين بالتراب على وجه مخصوص، والتعاريف تفيد طالب العلم في تصور الموضوعات، وكلَّما كان التعريف أتقن وأضبط, كان أجود في إعطاء التصور والفهم للمعرف.

    

والتيمم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب؛ فقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} سورة المائدة آية (6) .

وأما السنة؛ فما جاء في الحديث الذي ذكره عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» متفق عليه. صحيح البخاري: 427, صحيح مسلم: 3 .

وأما الإجماع؛ فقد أجمعت الأمة على ذلك، والتيمم من خصائص أمة الإسلام, كما دلَّ عليه حديث جابر.

    

يقول المصنف رحمه الله بعد أن بيَّن أنه النوع الثاني من أنواع الطهارة, قال: (وهو بدلٌ من الماء)؛ أي: إنه عوضٌ عن الماء في حال عدمه.

وعدم الماء نوعان:

عدمٌ حقيقيٌّ: بألا يجد الماء.

وعدمٌ حكميٌّ: بألا يستطيع استعماله أو أن يتعذَّر استعماله.

فقوله رحمه الله: إنه (بدلٌ عن الماء)؛ يعني في حال عدمه، سواء كان عدمًا حقيقيًّا أو عدمًا حكميًّا, وقد أشار المصنف رحمه الله إلى ذلك بقوله: (إذا تعذَّر استعمال الماء لأعضاء الطهارة), (إذا تعذر)؛ أي: وُجد عذر مانع من استعمال الماء لأعضاء الطهارة أو بعضها، وهذا يشير إلى أن التيمم يكون بدلًا كليًّا ويكون بدلًا جزئيًّا, بدلًا كليًّا في حالة فقد الماء وعدمه، وبدلًا جزئيًّا في حال تعذُّر استعماله في بعض أعضاء الطهارة، وسيأتي وصف ذلك.

قال رحمه الله: (لعدمه) هذا بيان أسباب التعذر؛ (لعدمه)؛ أي: فقده, فالعدم هو الفقد وعدم الوجود.

(أو خوف ضرر باستعماله), هذا العدم الحكمي؛ الفقد الحكمي والماء موجود, لكنه لا يستطيع أن يستعمله لوجود ضرر والضرر تقدم وصفه، بأنه إما أن يترتب عليه زيادة مرض أو تأخر برء أو مشقة خارجة عن المعتاد؛ زائدة عن المعتاد, فإذا تعذر استعمال الماء لأعضاء الطهارة أو بعضها لعدمه أو خوف ضرر باستعماله، كان التيمم عوضًا عن الوضوء, لذلك يقول: (فيقوم التراب مقام الماء)؛ أي: يكون التراب قائمًا مقام الماء في حصول التطهير، وذلك لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} سورة المائدة آية (6) .

    

وقوله رحمه الله: (فيقوم التراب مقام الماء), ظاهرُه أنه لا يجزئ غير التراب في حصول الطهارة، ومستند هذا ما جاء في رواية حذيفة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ» صحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة, حديث رقم (4) , فخَصَّ التربة بالذكر دون بقية وسائر أجزاء الأرض, والصواب أن هذه الرواية لا دليل فيها على تخصيص ذلك بالتراب؛ لماذا؟ لأن القاعدة أن ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يعد تخصيصًا, ففي حديث جابر: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» وهذا يشمل الأرض كلها, وفي حديث حذيفة قال: «وجعلت تربتها», التربة جزء من الأرض أليس كذلك؟ فالقاعدة أن ذكر بعض أفراد العام - التراب بعض أفراد الأرض أليس كذلك؟ - بحكم لا يعد تخصيصًا, فهذا لا يصلح أن يكون مخصصًا لأجل هذه القاعدة.

وعلى هذا يجوز التيمم بكل صعيد طيب، والصعيد: هو ما تصعد على الأرض, فكل ما تصعد على الأرض من تراب له غبار أو لا غبار له أو رمل أو حجر أو غير ذلك، يجوز قصده للتيمم؛ لأنه الظاهر من حال النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنه تيمم مما تيسر، ولم يطلب شيئًا معينًا للتيمم؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «فَأَيّمَا رَجُل أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةَ فَلْيُصَلِّ، فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَعِنْدَهُ طَهُورُهُ» مسند أحمد بن حنبل: 22190 , معلوم أن الأرض مختلفة ليست كلها ترابية, منها ما هو رمال, منها ما هو جبال فجعل كل ما تصعد على الأرض محلًّا, مادة للتطهير، وعلى هذا يكون قول المصنف رحمه الله: (فيقوم التراب مقام الماء) المقصود ما تصعد على الأرض، وليس خاصًّا بالتراب على وجه الخصوص.

    

ثم قال في بيان صفة التيمم: (ينوي رفع ما عليه من الأحداث), وذلك أن النية أصل لكل عمل, كما تقدم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» صحيح البخاري: 6553, صحيح مسلم: 5036 , فرفع ما عليه من الأحداث؛ أي جملةً, فلا يحتاج أن يخص كل حدث بنية خاصة, كما هو الشأن في الوضوء, فإن الذي يتوضأ لا يخص كل حدث بوضوء, بل ينوي رفع الحدث, فيرتفع كل ما يكون من الأحداث التي ينتقض بها الوضوء ومثلها التيمم. وقوله رحمه الله: (ينوي رفع ما عليه من الأحداث)؛ أي: جميع ما ينقض الوضوء.

قوله رحمه الله: (ثم يقول: بسم الله), ولا دليل على هذا بالنص, فإنَّ ما جاء من صفة تيمم النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه, ليس فيه ذكر البسملة، وإنما ذكروها قياسًا على الوضوء.

    

قوله رحمه الله: (ثم يضرب التراب بيديه مرة واحدة), والمقصود بالتراب: ما تصعد من الأرض، (بيديه مرة واحدة), فلا يحتاج إلى تكرار؛ وذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار لما سأله: «إنما يكفيك أن تقول بيديك على الأرض هكذا»، وضرب بيديه الأرض صلى الله عليه وسلم ولم يكرر الضرب, بل اقتصر على مرة واحدة, ولأن الآية فيها قصد الأرض والتيمم دون عدد، {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} سورة المائدة آية (6) ، وتحقق الأمر بفعله مرة واحدة, لكن لو ضرب ضربتين لا حرج في ذلك, وما جاء في حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» المستدرك على الصحيحين للحاكم: حديث رقم: 634 , حديث في إسناده مقال.

قال بعد ذلك: (يمسح بهما) أي: بيديه التي ضرب بهما الأرض (جميع وجهه), وقد تقدم أن الوجه هو ما تحصل به المواجهة من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن وما استرسل من اللحية, (وجميع كفيه) أي: ويمسح بهما جميع كفيه الظاهر والباطن, ذاك أن الله تعالى أمر بذلك في قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} سورة المائدة آية (6)  وقال تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} سورة المائدة آية (6)  في الآية الأخرى.

قال المصنف رحمه الله: (فإن ضرب مرتين) أي: في التيمم, (فلا بأس) أي: لا حرج في ذلك, لكن السنة تتحقق بضربة واحدة لما تقدم من الأدلة. 

    

قوله رحمه الله: (قال تعالى) هذا الاستدلال لما تقدم ({فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة المائدة آية (6) ), وهذا الدليل الشرعي في التيمم.

ثم ذكر حديث جابر في مشروعية التيمم وشاهده قوله صلى الله عليه وسلم: «وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا».

 هذا ما يتعلق بالتيمم وما ذكره المصنف من المسائل والدلائل, بعد ذلك ختم المصنف رحمه الله باب التيمم بما يمتنع على من قام به الحدث الأصغر، ومن قام به الحدث الأكبر، وكان أولى أن يكون هذا في باب الحيض لأجل أن يشمل كل أسباب عدم الطهارة, سواء الطهارة الصغرى أو الطهارة الكبرى, لكن قدمه المصنف هنا، ولا مشاحة في التقديم ما لم يكن هناك خلل، لكن من حيث حسن التصنيف والترتيب كان الأولى أن تؤخر هذه المسائل إلى ما بعد باب الحيض.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق