كتاب الزكاة من الروض المربع

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 78

التاريخ : 2024-12-29 04:39:25


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: ((وإن نقص النصاب في بعض الحول انقطع؛ لعدم الشرط)).

المؤلف –رحمه الله-سيذكر جملة من الصور التي ينقطع بها الحول.

أول ذلك قال: وإن نقص النصاب في بعض الحول انقطع لعدم الشرط، أي: مما يفوت به شرط مضي الحول من شروط وجوب الزكاة مضي الحول نقص المال عن قدر النصاب أثناء الحول، فإذا نقص المال عن قدر النصاب في أثناء الحول، فلا تجب فيه زكاة هذا المذهب، وعليه الجمهور.

وعلة ذلك أن وجود النصاب في جميع الحول شرط للوجوب، ولم يوجد، وظاهره سواء كان النقص في وسط الحول أو في طرفيه وعدم العفو عنه مطلقًا، هذا ظاهر كلام المصنف –رحمه الله-إلا أنه يستدرك.

قال: ((لكن يعفى في الأثمان وقيم العروض عن نقص يسير كحبة وحبتين؛ لعدم انضباطه)).

أي: إن كان النقص عن النصاب شيئا يسيرًا، فإنه معفو عنه، كما لو نقص حبة أو نقص حبتين في الأثمان وفي عروض التجارة، وذلك أن النقص اليسير لا ينضبط غالبًا، فهو كنقصان الحول ساعة أو ساعتين لا ينقطع به الحول.

وعن أحمد رواية أن النقص اليسير يقطع الحول، وذلك لأن النصاب تحديد، فلا زكاة فيه، ولو كان النقص يسيرًا.

قال في الشرح: هذا ظاهر الأخبار، فينبغي ألا يعدل عنه، وعنه رواية أنه لا يضر النقص ولو كان أكثر من حبتين؛ لأن المصنف قرر أنه وهو المذهب، قرر إن كان النقص يسيرًا كحبة وحبتين لم ينقطع الحول.

وفي رواية عن الإمام أحمد أنه لا ينقطع الحول ولو كان النقص أكثر من حبتين.

 والأقرب -والله تعالى أعلم- الرواية التي فيها أن النقص اليسير يقطع الحول لأنه ظاهر الأخبار كما ذكر صاحب الشرح، واختاره الخرقي –رحمه الله-.

قوله: ((أو باعه ولو مع خيار بغير جنسه، انقطع الحول)).

أي: إن مما يفوت به شرط مضي الحول بيع المال الزكوي بغير جنسه، قبل تمام الحول، فإذا باع المال الزكوي بغير جنسه قبل تمام الحول انقطع الحول، وهذه هي الصورة الثانية من صور انقطاع الحول التي ذكرها المؤلف –رحمه الله-، فإذا بيع النصاب انقطع الحول ولو اشترط الخيار أو الرد بالعيب، فإنه إذا اشترط الخيار واختار الرد أو رد بالعيب فإنه يستأنف بالمال حولًا جديدًا لزوال ملكه بالبيع السابق، ولا فرق في ذلك بين أن يقل الزمان ويكثر.

وكذا ينقطع الحول فيما إذا باع النصاب بدون النصاب، عنده أربعون شاة وباعها واستبدلها بثلاثين، باعها بثلاثين شاة نقص عن النصاب، فلا تجب فيها زكاة، وكذا لو كان عنده مائتان، فباعها بمائة فعليه زكاة مائة واحدة.

قوله –رحمه الله-: ((أو أبدله بغير جنسه، لا فرارًا من الزكاة، انقطع الحول لما تقدم ويستأنف حولًا)).

أي: إن مما يفوت به شرط مضي الحول أن يبدل النصاب بغير جنسه أثناء الحول، فإن فعل ذلك لا بقصد الفرار من الزكاة فإنه ينقطع الحول، وهذا ثالث الصور التي ينقطع بها الحول مما ذكره المؤلف من الصور، فمتى أبدل النصاب بغير جنسه في بعض الحول انقطع الحول، كما أبدل أربعين شاة بثلاثين من البقر، أو عروض تجارة أو بسائمة انقطع الحول، ويستأنف حولًا.

أما إن فعل ذلك تحايلًا على إسقاط الزكاة، فإنها لا تسقط بإخراج النصاب عن ملكه في أثناء الحول، وكذلك لا تسقط بإتلافه لو أتلفه أو بإتلاف جزء منه، لأن الزكاة أحد مباديء الإسلام وهي من أفضل العبادات، فلو قلنا بسقوطها بالفرار منها كان ذلك ذريعة لإسقاطها جملة لما بنيت عليه النفوس من الشح، لكن لو ادعى عدم الفرار فإنه في هذه الحال ينظر إلى القرائن، فلو ادعى عدم الفرار عمل بالقرينة إن دلت على قصد الفرار لم تسقط ولم ينقطع الحول، وإن دلت القرينة على عدم قصد الفرار عمل به، فلم تؤخذ منه زكاة.

واستثنى المؤلف –رحمه الله-من إبدال المال الزكوي بغير جنسه فيما إذا أبدل ذهبًا بفضة وبالعكس، فيستثنى من انقطاع الحول بإبدال النصاب بغير جنسه إذا أبدل نصاب ذهب بفضة أو العكس فضة بذهب، فإنه لا ينقطع الحول حينئذ؛ لأن كل منهما يضم إلى الآخر في تكميل النصاب هذا المذهب كما سيأتي، وكذلك يخرج عنه فهما كالجنس الواحد يخرج عن الذهب فضة وعن الفضة ذهبًا في الزكاة.

وفي رواية مخرجة من عدم الضم أن الإبدال يقطع الحول.

 والصواب أن الذهب والفضة نوعان من المال فإذا أبدل نصاب ذهب بفضة أو العكس انقطع الحول عن الراجح من قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

قوله –رحمه الله-: ((وإذا اشترى عرضا لتجارة بنقد، أو باعه به، بنى على حول الأول؛ لأن الزكاة تجب في قيم العروض، وهي من جنس النقد)).

أي: إن مما لا ينقطع الحول بإبداله من الأنصبة أو بيعه عروض التجارة، فمن اشترى أو باع عرضا للتجارة بعرض أو أثمان بنى على حول الأول وفاقا؛ لأن الزكاة في الموضعين تتعلق بالقيمة وهي الأثمان، والأثمان يبنى حول بعضها على بعض، ولأن التجارة مبناها على تقلب السلع والاستبدال بثمن وعرض، فلو لم يبن بطلت زكاة التجارة.

  

قوله –رحمه الله-: ((وإن قصد بذلك الفرار من الزكاة، لم تسقط)).

يعني في الصور الماضية، في الصورة السابقة التي ذكر انقطاع الحول من الإبدال أو البيع إذا قصد بذلك الفرار من الزكاة فإنها لا تسقط سواء كان المبدل ماشية أو غيرها من النصب، واستدلوا لذلك بقول الله تعالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ(القلم: 17) فإن الله عاقبهم بذلك لفرارهم من الزكاة حيث قصدوا إسقاط حق غيرهم، فلم يسقط.

وقد شرط جماعة أن يكون بيع النصاب بغير جنسه أو إبداله عند قرب وجوبها؛ لأنه مظنة قصد الفرار، فهو قرينة بخلاف ما لو كان الإبدال في أول الحول أو في أوسطه لأنها بعيدة أو منتفية يعني الشبهة.

قوله –رحمه الله-: ((فإن ادعى عدم الفرار، وثم قرينة، عمل بها، وإلا فقوله)).

هذا الذي تقدم قبل قليل فيما أشرنا إليه أنه لو ادعى عدم الفرار، فإنه يجرى في ذلك على ما تدل عليه القرينة.

قوله: فإن ادعى عدم الفرار وثم قرينة تدل على إرادته الفرار عمل بها، فيؤاخذ بها.

((وإلا فقوله))، يعني وإن لم يكن هناك قرينة تدل على قصده الفرار قبل قوله في عدم قصده؛ لأنه الأصل ولا يعلم إلا منه.

أما إذا كان القرينة دالة على إرادة الفرار، فإنه إذا مضى الحول وجب في ماله الزكاة.

قوله –رحمه الله-: ((وإن أبدله بنصاب من جنسه كأربعين شاة بمثلها أو أكثر بنى على حوله والزائد تبع للأصل في حوله كنتاج، فلو أبدل مائة شاة بمائتين، لزمه شاتان إذا حال حول المائة، وإن أبدله بدون نصاب، انقطع)).

أي: إن أبدل النصاب بنصاب من جنسه مما يعتبر فيه الحول كمن كان عنده أربعون شاة، وفي أثناء الحول أبدله بأربعين شاة أو أكثر فإنه لا ينقطع الحول حيئنذ، ويبني حول الثاني على حول الأول، نص عليه الإمام أحمد؛ لأنه لم يزل مالكًا لنصاب في جميع الأحوال، فوجبت الزكاة لوجود شرطها، وإن زاد بالاستبدال في العدد فإنه لا بأس بذلك ولا يمنع وجوب الزكاة لأن الزائد يتبع الأصل في الحول كنتاج السائمة، فلو أبدل مائة شاة بمائتين لزمه شاتان إذا حال الحول.

وقال أبو المعالي بل يستأنف لزائد حول قال في المودع: وهو الظاهر، فإذا أبدل مائة شاة بمائتين إذا تم الحول زكى مائة.

وأما المائة الأخرى فيحسب حولها من دخولها في ملكه.

ثم قال –رحمه الله-: ((وتجب الزكاة في عين المال الذي لو دفع زكاته منه أجزأت، كالذهب والفضة، والبقر والغنم السائمة، ونحوها؛ وذكر لذلك أدلة فقال لقوله عليه السلام: «في أربعينَ شاةً شاةٌ» أخرجه أبو داود(1568)، والترمذي(621)، وابن ماجه(1807)، حديث صحيح.غاية مأمول الراغب لابن الملقن(79). ، «فيما سقتِ السماءُ العُشْرُ» أخرجه البخاري (1483) ونحو ذلك.

أي: من الأحاديث الواردة في زكاة المال.

قال: في بيان وجه الدلالة و "في" للظرفية.

قوله –رحمه الله-: وتجب الزكاة في عين المال، أي إن الزكاة تجب في عين المال الزكوي الذي وجبت فيه الزكاة، ولذلك قال: الذي لو دفع زكاته منه أجزأت، وهذا له أمثلة كالذهب والفضة والبقر والغنم السائمة.

وما بلغ من سائمة الإبل خمسًا وعشرين فصاعدًا، وكالحبوب والثمار المتعلقة بها الزكاة ونحو ذلك هذا هو المذهب.

فقوله –رحمه الله-: الذي لو دفع زكاته منه أجزأت يعني لو دفع الزكاة من عين هذا المال أجزأت، وهذا القيد لإخراج ما كان دون خمس وعشرين من سائمة الإبل، فإن الزكاة لا تجب في عين المال في هذه الحال؛ لأنها تجب من غير جنس المال حيث إنه قد قال –صلى الله عليه وسلم-: في كل خمس من الإبل شاة إلى أن تبلغ خمسة وعشرين، ثم ينتقل النصاب من الشياه إلى الإبل كما سيأتي بيانه في باب زكاة الماشية.

قوله –رحمه الله-: "وتجب الزكاة في عين المال" هذا المذهب كما تقدم وفاقًا لأبي حنيفة ومالك وهو أحد قول الشافعي، والمصنف –رحمه الله-قد ذكر جملة من الأدلة التي يفيد ظاهرها أن الزكاة تجب في عين المال حيث قال –رحمه الله-: لقوله: «في أربعينَ شاةً شاةٌ»، «فيما سقتِ السماءُ العُشْرُ» وجه الدلالة كما تقدم ذكر "في" المفيدة للظرفية.

ويدل له أيضًا قوله –سبحانه وتعالى-: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ[المعارج: 24] وجه الدلالة أن الله أوجب الزكاة في عين المال حيث قال: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ[المعارج: 24] ونظيره قول النبي –صلى الله عليه وسلم-لمعاذ لما بعثه إلى اليمن «أعْلِمْهم أن اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم»صحيح البخاري(1395)، ومسلم(19) وكذلك يدل له أيضًا قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فَهاتوا صدقةَ الرِّقَّةِ من كلِّ أربعين درهمًا درهَمٌ» أخرجه أبو داود (1574)، والترمذي (620) واللفظ له، والنسائي (2477)، وابن ماجه (1790)، وأحمد (711)، قال الشوكاني: إسناده حسن. نيل الأوطار(4/198).

فقوله: "من" للتبعيض فأوجب الزكاة منها، فعلم أن الزكاة تتعلق بعين المال، قرر هذا –رحمه الله-ثم فصَّل وبيَّن صفة هذا التعلق بعين المال.

  

فقال: ((وتعلقها بالمال كتعلق أرش جناية برقبة الجاني)).

فالزكاة تتعلق بما تجب فيه من المال نظير تعلق أرش جناية العبد برقبته.

فقوله: كتعلق أرش جناية برقبة الجاني أي: مثله إذا كان عبدًا طبعا مثل تعلق قيمة جناية العبد برقبته، وهذا يفيد أن هذا التعلق لا يمنع من صحة التصرف في النصاب كما أن تعلق أرش جناية العبد برقبته لا تمنع التصرف بالعبد، فللمالك لمالك النصاب أن يخرج زكاته من غير المال الذي وجبت فيه الزكاة، كما أن للسيد فداء عبده الجاني بمال بخلاف ما لو كان هذا التعلق تعلق شركة أو كتعلق دين برهن أو تعلق دين بمال محجور عليه لفلس، فهذه الصور كلها التعلق فيها يمنع المالك من التصرف، يمنع المالك من أن يتصرف في المال؛ لأن تعلق الحق في هذه الصور بالمال تعلق بعينه على وجه يمنع التصرف فيه، فهذه الصور الثلاثة التي ذكرتها تخالف وتفارق تعلق الزكاة بعين المال، تعلق الدين برهن، تعلق الدين بمال المحجور عليه لفلس، تعلق الشركة بالمال المشترك، فإنها تجتمع في كونها تمنع صاحب الحق من التصرف في عين المال.

أما في الزكاة فإن وجوب الزكاة في المال، وتعلق الزكاة بهذا المال لا يمنع التصرف فيه، نظير تعلق أرش جناية العبد برقبة الجاني، فالنصاب بعد وجوب الزكاة يكون للمالك لا يشاركه فيه الفقراء نظير كسب الجاني هو للجاني لا يشاركه فيه المجني عليهم أو المستحقون لأرش الجناية، وكذلك لو أتلف المالك النصاب بعد وجوب الزكاة فيه لزمه قدر الزكاة الواجبة في التلف لا قيمة النصاب، وللمالك أيضًا أن يتصرف في النصاب بالبيع وغيره كما يتصرف السيد في الجاني هذه كلها من آثار بيان وجه التعلق، تعلق الزكاة بالمال.

ثم قال –رحمه الله-: فلذلك يعني بناء على ما تقدم من أن التعلق الزكاة بعين المال كتعلق أرش جناية العبد برقبته.

قال الماتن –رحمه الله-:(( ولها تعلق بالذمة)).

قال الشارح: أي ذمة المزكي لأنه مطالب بها، والمعنى أن الزكاة تجب في عين المال، وهذا لا ينفي أن يكون زكاته تعلق بذمة مالك المال الذي وجبت الزكاة فيه، وذلك لكونه مطالب بالزكاة.

ولعل هذا القول توضيح لقول من يقول: بأن الزكاة واجبة في عين المال، وتشبيه هذا التعلق بتعلق أرش جناية العبد برقبة الجاني الغرض من هذا التشبيه نقصان الملك مع بقائه، لا تشبيها به في جميع أحكامه، إنما هو بيان أنه ملك منقوص بسبب وجوب الزكاة فيه، والزكاة وإن تعلقت بالعين فهي مع ذلك لها تعلق بالذمة قطعا، وبهذا ينتفي ما ذكر أصحاب القول بأن الزكاة تتعلق بالذمة ينتفي ما ذكروه من إلزامات في رده مع القول بأن الزكاة تجب في عين المال لا في ذمة المالك، من أنه لو وجبت فيه لامتنع تصرف المالك فيه بدون إذن الفقير، ولتمكن الفقير من إلزامه أداء الزكاة في عين المال، ولسقطت بتلف المال من غير تفريط.

كل هذه الإلزامات انتفت ببيان المصنف –رحمه الله-صفة هذا التعلق بقوله ولها تعلق بالذمة، هذا هو المذهب، وهذا ما ترتب عليه من مسائل.

وفي رواية عن أحمد أن الزكاة تجب في ذمة المالك لا في عين المال العكس من بعض الوجوه، لأن القول الأول قال: إن الزكاة تجب في عين المال ولها تعلق بالذمة، وهنا هذه الرواية يقول: إن الزكاة تجب في الذمة ولا تعلق لها بالمال، ووجه هذا ما تقدم ذكره قبل قليل من إيجاب النبي –صلى الله عليه وسلم-الشاة في خمس من الإبل، حيث أوجب شاة في خمسة من الإبل، فدل ذلك على أن الزكاة لا تتعلق بعين المال، بل تتعلق بذمة من وجبت عليه الزكاة، فالشاة ليست في عين المال، فدل ذلك على ثبوت الزكاة في الذمة، وأجيب عن هذا بأن هذا خارج عن محل الخلاف كما تقدم، فإن محل الخلاف والتردد فيما عدا شياه الإبل.

أما في شياه الإبل فإنها تجب في الذمة بلا تردد كما تقدم، ولأن الواجب من غير الجنس، وقال بعضهم بل هذا لا ينافي التعلق في عين المال وعد هذا النوع أي: إيجاب الشاة في الإبل من باب التعلق الحكمي لا العيني، وهذا قول فيه شذوذ.

إذًا الذين قالوا بأن الزكاة تتعلق بالذمة لا بعين المال استدلوا بقوله –صلى الله عليه وسلم-:"في خمس من الإبل شاة"، واستدلوا أيضًا بأنه لو وجبت في المال وكان مساكين فيه شركاء لم يكن لرب المال إبطال شركتهم والانتقال من عين المال إلى غيره إلا باختيارهم كسائر الشركاء في غير الزكاة، فلما كان له الانتقال من عين المال وإخراج الزكاة من غيره دل على وجوبها في ذمته، وهذا قد أجبنا عنه قبل قليل عندما ذكر المؤلف –رحمه الله-، ولها تعلق بالذمة، فهي واجبة في عين المال لكنها متعلقة بالذمة.

ولهذا جاز إخراج الزكاة من غير النصاب وهو رخصة، هذا القول الثاني.

القول الثالث: إن الزكاة تجب في الذمة وتتعلق بالنصاب أي: تتعلق بعين المال عكس القول الأول وهذا ذكره جماعة من الفقهاء كالقاضي وابن الخطاب، وذكر في الإنصاف وفي قواعد ابن رجب أنها طريقة الشيخ تقي الدين، ورتبوا على هذا جملة من المسائل التي وقع فيها خلاف.

  

قوله –رحمه الله-: ((ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء كسائر العبادات إلى آخر ما ذكر)).

أي: إن مما لا يشترط في وجوب الزكاة إمكان الأداء، فالزكاة تجب بحولان الحول ومضيه، وإن لم يتمكن من الأداء قياسا على سائر العبادات، كما ذكر الشارح حيث قال: كسائر العبادات، فإن الصوم يجب على المريض والحائض مع عدم إمكان الأداء لمانع شرعي أو مانع حسي كالمريض.

والصلاة تجب على المغمى عليه والنائم مع كونهما لا يمكنهما الأداء، فتجب الزكاة في الدين والمال الغائب ونحوه كما تقدم، والجامع بين الزكاة وهذه العبادات الصلاة والصوم أن الزكاة عبادة، والعبادات لا يشترط لوجوبها إمكان الأداء، ويدل لذلك عمومات الأدلة وكذلك مفهوم قول النبي «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» أخرجه ابن ماجه (1792)، والبزار (304)، والدارقطني (2/90)، قال البيهقي: روي مرفوعاً وموقوفاً، وفيه حارثة لا يحتج بخبره. السنن الكبرى(4/95).،  فإنه يدل بمفهومه على وجوب الزكاة في المال عند تمام الحول مطلقًا، ولأنها حق للفقير فلم يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء كدين الآدمي، فالآدمي إذا ثبت في ذمته دين لزمه أداؤه، وإن لم يكن يمكنه الأداء، فعدم إمكان الأداء لا يسقط الدين عن الآدمي، فكذلك لا يسقط الزكاة.

ولأنه لو اشترط إمكان الأداء لوجوب الزكاة لم ينعقد الحول حتى يتمكن من الأداء، وهذا خلاف الواقع فإنه ينعقد الحول بملك النصاب، وبناء على ذلك فإن الزكاة تجب في الدين، وتجب في المال الغائب، وتجب في المال الضال، وتجب في المغصوب ونحوه.

ولكن وجوبها في هذه الأحوال عند قبضها كما تقدم، وفي قول: أنها لا تجب في المال الضال والمغصوب وفي الدين على نحو ما تقدم من الخلاف في وجوب الزكاة في هذه الأموال لأنه لا يتم الملك فيها.

ومن شروط وجوب الزكاة في المال تمام الملك، لكن لا يلزمه الإخراج قبل حصوله بيده هذا استدراك على قوله: "ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء"، وإن كنا نقول بعدم اشتراط إمكان الأداء لوجوب الزكاة، فإمكان الأداء ليس شرطا لوجوب الزكاة في المال، إلا أنه يشترط إمكان الأداء للزوم الإخراج، ووجوبه.

فلا يلزم صاحب المال الإخراج قبل حصول المال بيده في المال المغصوب والمال الغائب والدين والضال.

قوله –رحمه الله-: ((ولا يعتبر في وجوبها أيضًا بقاء المال فلا تسقط بتلفه، وهذا فرع عن كون الزكاة لها تعلق بالذمة، فلا تسقط بتلفه، فرَّط أو لم يفرط، ومثل له بدين الآدمي إلا إذا تلف زرع أو ثمر بجائحة قبل حصاد وجذاذ)).

فلا يشترط في وجوب الزكاة بقاء المال، إذا كانت قد وجبت فيه الزكاة، فلا تسقط بتلفه فرط أو لم يفرط؛ لأنها حق آدمي ومشتملة عليه، فأشبهت دين الآدمي والمقصود بالآدمي المستحقون للزكاة، ولأن على صاحب المال مؤن تسليم الزكاة إلى مستحقيها، فضمنها بتلفها بيده كعارية وغصب، وبهذا فارقت الزكاة أرش الجناية.

  

قوله –رحمه الله-: "إلا إذا تلف زرع أو ثمر بجائحة قبل حصاد أو جذاذ" أي: أنه وإن كان بقاء المال ليس شرطًا في وجوب الزكاة في المال إلا أنه يستثنى من ذلك الزرع والثمر إذا تلف بجائحة، والمقصود بالجائحة هي كل آفة لا صنع للآدمي فيها كالريح والبرد والجراد والعطش قبل الحصاد والجذاذ، فإذا حصل هذا أو تلف قبل أخذه وإحرازه، قبل أخذ الثمر والزرع والحول قبل إحرازه فإنه لا تجب الزكاة.

قوله –رحمه الله-: وزكاة إذا مات من وجبت عليه كالدين في التركة لقوله –صلى الله عليه وسلم-: «فدَينُ اللهِ أحقُّ بالوفاءِ» أخرجه البخاري (1953)، ومسلم(1148) أي: إن الزكاة إذا وجبت في المال فلا تسقط بموت مالكه، بل هي بمنزلة الدين في التركة فتؤخذ من رأس المال كما قال تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا[النساء: 11].

وتقدم على الوصية وقسمة الميراث للحديث الذي ذكره الشارح «فدَينُ اللهِ أحقُّ بالوفاءِ»، والجامع بين الزكاة والدين أنها حق مستقر تدخله النيابة فلم يسقط بالموت.

قوله –رحمه الله-: ((فإن وجبت عليه دين برهن وضاق المال، قدم، وإلا تحاصَّا ويقدم نذر معين وأضحية معينة.

أي: إن الزكاة إذا وجبت في مال من عليه دين، وضاق المال عنهما يعني عن الزكاة وعن وفاء الدين، فلا يخلو من حالين:

الحالة الأولى: أن يكون الدين موثقًا برهن فيقدم وفاء الدين الموثق برهن على الزكاة، فيوفى مرتهن دينه من الرهن، فإن فضل بعده شيء صرف في الزكاة لأنه موثق، لأن الدين موثق برهن.

الحالة الثانية: أن يكون الدين بلا رهن، فهنا يأتي قوله: وإلا تحاصا يعني إن لم يكن موثقًا برهن، فيتحاصا الحقان الزكاة والدين، ودين الآدمي، يتحاصَّا أي: يحسب كل واحد منهما، وتقسم التركة بالحصص، فإذا كان عليه ألف ريال زكاة، وعليه دين ألف ريال، فالمال المتبقى، فإذا كان عنده تسعمائة ريال تركته أو المال الذي كان في يده إذا كان حيا تسعمائة ريال، فيخرج الزكاة من التسعمائة ثلاثمائة وهي الثلث يتحاصا الدين والزكاة فهي كون الثلث للزكاة، والثلثان للدين لعموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فدَينُ اللهِ أحقُّ بالوفاءِ»، وقال في شرح المنتهى مقتضى تعلق الزكاة بعين المال أن تقدم الزكاة على الدين إذا لم يقم برهن، فتوفى الزكاة ثم بعد ذلك يعطى الدين يعني لا يتحاصان.

والذي يظهر -والله تعالى أعلم- القول الأول أولى إلى الصواب، وهو القول إلى المحاصاة

قوله –رحمه الله-: ((ويقدم نذر معين، وأضحية معينة)).

أي: إن الزكاة إذا وجبت في مال من عليه دين وكان عليه نذر معينًا أو كان عليه أضحية عينها، وضاق المال عنهما فإنه يقدم النذر المعين لوجوب عينه وكذلك تقدم الأضحية نظير ما إذا كان الدين مرهونًا.

وبهذا يكون قد انتهى ما يتعلق بالمقدمة التي ذكرها المؤلف –رحمه الله-في أول باب الزكاة، ثم بعد ذلك ذكر –رحمه الله-زكاة بهيمة الأنعام.

نقف على هذا إن شاء الله في اللقاء القادم نقرأ باب زكاة بهيمة الأنعام، بارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق