الخامس: إنزال المني بشهوةٍ إما بمباشرةٍ أو استمناءٍ أو نحوهما.
السادس: قتل الصيد وإمساكه.
السابع: عقد النكاح له أو لغيره.
الثامن: الخِطْبَة وهي طلب النكاح".
نبدأ أولًا: بالمحظورات المشتركة التي يشترك فيها الرجال والنساء:
· وأول ما يذكره العلماء مِن محظورات الإحرام: حلق الشعر، والسبب في بداءتهم
بذكر حلق الشعر في محظورات الإحرام: أنه أول ما ذكره الله من ممنوعات الإحرام، فقال: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾[البقرة:196].
فلما قدَّمه الله -عزَّ وجلَّ- ذِكْرًا؛ قدَّمه العلماء عَدًّا؛ فإذا عَدُّوا محظورات الإحرام ذكروا في أول ذلك حلق الشعر.
ولهم في ذلك طُرُق؛ فمنهم مَن يقول: أَخْذُ الشعر، ومنهم من يقول: حَلْق شعر الرأس، ومنهم من يقول: حَلْق الشعر.
وعلى كل حال المعنى متقارب؛ فإنَّ حلق شعر الرأس مما نُهِي عنه المحرم بالاتفاق؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾[البقرة:196].
فذَكَرَه الله تعالى بعد أمره بإتمام الحج والعمرة.
وألحق العلماء -رحمهم الله- بحلق شعر الرأس إزالة الشعر بكل أوجه الإزالة وأنواعها، فمَن قصَّ شعر رأسه دخل في النهي، ومن أزاله بنَتْف دخل في النهي، فقالوا: ذِكْر الحلق هو ذكر صورةٍ من صور الإزالة، فجميع صور الإزالة مُلْحَقة بالحلق، سواءً كان نتفًا أو جَزًّا أو قصًّا أو حرقًا. وقد ذكر الإجماع على ذلك ابن المنذر -رحمه الله-، فقال: أجمعوا على أن المُحْرِم ممنوعٌ من حلق رأسه، وجَزِّه، وإتلافه بجزه، أو نُورَةٍ، أو غير ذلك من أوجه الإزالة.
وقالوا: ذَكَرَ الحلقَ لأنه هو الغالب؛ فيُلْحَقُ به جميع الصور.
أما بقية شعور البدن: فقد ألحق أكثر أهل العلم سائر شعور البدن بشعر الرأس، فقالوا: لا يجوز للمحرم أن يزيل بقية شعر بدنه؛ لأنه إذا مُنِع من شعر رأسه، فإنه ممنوعٌ من بقية شعور بدنه سواءً ما نُدِب إلى إزالته أو ما لم يُنْدَب إلى إزالته.
واستدلوا لذلك بما تقدم من قياس، وبعموم قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾[الحج:29]. قالوا: معنى قوله: ﴿لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج:29]،أي: ليُزيلوا ما طرأ على أبدانهم من وسخ، وقذر، بسبب تركهم الترفُّه.
قالوا: ويدخل فيه بلا نزاع إزالة شعر الرأس، فقالوا: بقية الشعور مُلْحَقة بذلك.
هذا ما يتعلق بالمحظور الأول من محظورات الإحرام وهو: أَخْذ الشعر من الرأس وسائر البدن.
· المحظور الثاني من محظورات الإحرام: تقليم الأظافر، وتقليم الأظافر هو قَصُّها، وبهذا قال عامة العلماء، وقد حكى الإجماع عليه غير واحدٍ من أهل العلم.
قال ابن قدامة: أجمع العلماء على أن المُحْرِم -يعني بحج أو عمرة- ممنوعٌ من تقليم أظافره إلا من عذر؛ لأنه إزالة جزءٍ من بدنه يترفَّه به أشبه الشعر، هذا وجه استدلالهم: أنه نوعٌ من الترفُّه.
واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج:29]؛ فقد فُسِّر قضاء التَفَث بأنه: إزالة الأوساخ ومنه قص الأظافر.
أما إذا انكسر ظُفْرٌ فإن الإجماع منعقد على جواز إزالة ما يلحقه به ضرر، من انكسار ظفر ونحوه. هذا هو المحظور الثاني.
المحظور الثالث من محظورات الإحرام المشتركة: ابتداء التطيُّب في البدن أو الثياب.
فقد دلَّ حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- في الصحيحين: أن المُحْرِم ممنوعٌ من التطيُّب؛ لقولها: "كُنْتُ أُطَيِّبُ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِإِحْرَامِهِ قبل أن يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ" أخرجه البخاري (1539)، ومسلم (1189). .
فدلَّ ذلك على: أنه ممنوع من التطيب زمن الإحرام؛ لأنها تُطيِّبه قبل الإحرام، وتُطيِّبه بعد الحِل لطوافه بالبيت. "لِحِلِّهِ" أي: لأجل حِلِّه، بعد رميه جمرة العقبة، ونحره، وحلقه؛ حيث قالت: "لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ"، أي: قبل ذهابه إلى الطواف -طواف الإفاضة-.
فدلَّ ذلك على: أن المحرم ممنوع من التطيب في بدنه وثيابه مدة إحرامه، لكن ما كان من طيبٍ في بدنه فإنه لا يُمْنع منه ولا يُطلب منه إزالته؛ لما تقدم في حديث عائشة: "كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وكنتُ أرى وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ" أخرجه البخاري (5923)، ومسلم (1190) صلى الله عليه وسلم-.
ويضاف إلى الدليل السابق في منع المُحْرِم من الطيب وقت الإحرام: ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس في قصة الذي سقط من راحلته؛ فمات، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» أخرجه البخاري (1850)، ومسلم (1206) قال: «وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا».
هذا ما يتصل بالمحظور الثالث من محظورات الإحرام وهو: ابتداء التطيُّب.
وخلاصته: أن المحرم ممنوعٌ من ابتداء التطيب في ثوبه وبدنه، أما استدامته فلا حرج عليه فيها -استدامته للطيب السابق-. فإنْ أصابه شيءٌ من الطيب وجب عليه إزالته.
· أما المحظور الرابع من محظورات الإحرام فهو: الجِماع، والأصل فيه قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾[البقرة: 197] والمقصود بالرفث في قول أكثر أهل العلم: الجماع ودواعيه.
قال الطبري -رحمه الله-: "الرَفَث في كلام العرب أصله الإفحاش في المنطق –يعني في القول-، ويُسْتعمل في الكناية عن الجِماع".
فيُمْنَعُ المحرم من الجماع ودواعيه وقت إحرامه، سواءً كان إحرامًا بحجٍّ أو بعمرة.
· أما المحظور الخامس من محظورات الإحرام فهو: إنزال المني بشهوة اختيارًا، إما بمباشرة، أو استمناء، أو نحوهما.
والفرق بين هذا وما قبله: أنَّ الجماع أعظم محظورات الإحرام، به يَفْسُدُ الحج والعمرة، أما إنزال المني بشهوة فإنه لا يُفْسِد الحج والعمرة، بل هو كسائر المحظورات تجب به فدية أذى.
هذا الفرق بين الجماع وبين إنزال المني بشهوة.
ودليل ذلك: هو ما تقدم من الأدلة، في قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾[البقرة:197]، ووجهه: أن إنزال المني بشهوة فيه معنى الرفث، فالرفث اسمٌ جامعٌ لكل دواعي الشهوة، يتناول الجماع وما يُلْحَقُ به.
· أما السادس من محظورات الإحرام فهو: قتل الصيد وإمساكه. والصيد المقصود به: الحيوان، المأكول، البري، المتوحش عادةً، هذا هو الصيد الذي يُمْنَع منه الإنسان المُحْرِم، كالحمام والظباء وغيرهما.
والأصل في ذلك: قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة:95].
وهو مما اتفق عليه أهل العلم؛ فإنهم اتفقوا على: أن المحرِم لا يحل له أن يصيد فيَقْتُل ولا أن يُمْسِك.
وتحريم الصيد على المُحْرِم يشمل جميع أوجه التملُّك، فلو أُهْدِي إليه، أو وُهِب، فإنه لا يجوز له أن يقبل ما صِيد لأجله، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في ردِّه هدية الصعب بن جثامة -رضي الله تعالى عنه- عندما أَهْدى إليه حمارًا وحشيًّا، فقال: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ إِلَيْكَ إِلا أَنَّا حُرُمٌ» أخرجه البخاري (1825)، ومسلم (1193). .
فدل ذلك على: أنه يُمْنَع من جميع أوجه التملك.
وهذا في حق الصيد البري، أما البحري فقد قال الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾[المائدة:96].
· المحظور السابع من محظورات الإحرام وهو من المحظورات المشتركة: عقد النكاح للمُحْرِم ولغيره؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلا يُنْكِحُ» أخرجه مسلم (1409) في حديث عثمان -رضي الله تعالى عنه-.
· أما المحظور الثامن فهو: الخِطْبَة؛ وذلك لنفس الحديث الوارد حيث قال: «لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلا يُنْكِحُ وَلا يَخْطِبُ» أخرجه مسلم (1409) .
فهي من محظورات الإحرام.
والسبب في ذلك: أنَّ الخِطْبة مقدمة النكاح، فمنعت الشريعة النكاح ومُقدماته على المحرم وهي الخِطْبَة، وهذا في قول جمهور العلماء.