"والسُّنَّةُ: أن يَسْتَلِمَهُ ويُكَبِّر ثم يَشْرع في الطواف جاعلًا البيت عن يساره سبعة أشواط".
يُسَنُّ في أول الطواف أن يستلم الحجر الأسود؛ فإنَّ استلام الحجر الأسود والركن اليماني سُنَّة ثابتةٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو من سنن الطواف بالإجماع.
وصِفَة الاستلام:
· أن يَمْسح بيده الحجر الأسود ويُقَبِّلَه، هذا أعلى صور الاستلام.
· فإن لم يتمكن من الجمع بينهما -المسح باليد والتقبيل-: فيمسح بيده الحجر الأسود ويُقَبِّلُ يده. هذه المرتبة الثانية.
· فإن لم يتمكن من هذا انتقل إلى المرتبة الثالثة وهي: أن يَسْتلم الحجر بشيءٍ في يده كعصا مثلًا، وهذا الآن في زماننا لاسيما في وقت الزحام مُتَعَذِّر، لكن فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه استلم الحجر بمِحْجَن -عصًا في يده- وقَبَّلَ المِحْجَن.
هذه الصورة الثالثة.
· الصورة الرابعة من صور استلام الحجر: أن يُشير إليه بيده اليمنى.
ودليل ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى الحجَر "بِشَيْءٍ فِي يَدِه" أخرجه البخاري (1632) .
هذه أربع مراتب لاستلام الحجر وهي مُرتَّبة في الاستحباب على الإمكان، إن تمكن من الأولى وهو المسح باليد وتقبيل الحجر فهذا أكمل الصُوَر، إن لم يتمكن فإنه يمسح بيده ويُقَبِّل يده، إن لم يتمكن استلمه بشيءٍ في يده وقَبَّل ذلك الشيء، إن لم يتمكن أشار بيده ويُجْزِئُه ذلك.
واعلم أنَّ كل هذا سُنَّة، فلو لم يفعله الطائف فطوافه صحيح، لو لم يُشِر بيده، لو لم يستلم؛ فإن طوافه صحيح؛ لأن ذلك سُنَّة.
ويُسنُّ مع الاستلام التكبير، أن يقول: "الله أكبر"؛ لثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ثم يَمْضِي الطائف على يمينه جاعلًا البيت عن يساره، ويطوف من وراء الحِجْر، فإذا جاء إلى الركن اليماني وهو آخر الأركان قَبْل الحجر الأسود شُرِع أن يستلمه بيده أن يمسحه بيده، لكن هذا ركن يختلف عن الحجر الأسود في أنه لا يُشْرَع فيه إلا الاستلام باليد، فلا يُسْتَحب تقبِيلُه، ولا الإشارة إليه، ولا التكبير عنده، بل يستلمه بيده دون تكبير؛ لأنه لم يُنْقَل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تكبير، ولم يُنْقَل عنه سوى الاستلام باليد -المسح باليد-، فإنْ لم يتمكن مَضَى دون إشارة.
والسبب في تخصيص الركن الذي فيه الحجر الأسود بالتقبيل، والإشارة، والتكبير: أنه مبنيٌّ على قواعد إبراهيم، وهذا يشترك مع الركن اليماني، لكنه يزيد عليه أن فيه الحجر الأسود.
ففضيلته من جهتين:
1) أنه مبنيٌّ على قواعد إبراهيم.
2) والثاني أن فيه الحجر الأسود.
ولهذا خُصَّ بمزيد فضلٍ من جهة تقبيله، ومن جهة التكبير عنده، ومن جهة الإشارة إليه، ومن جهة وجوب البداءة في الطواف من عِنْده، فلا يبدأ الطواف من غيره.
وقد ورد في فضل استلام الحجر الأسود والركن اليماني أحاديث كثيرة، مِن أَمْثَلِها:
هذا أمثل ما جاء من النصوص في فضل استلام الحجر الأسود والركن اليماني.
ولْيُعْلَم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استلم ذلك وتَبِعه أصحابه؛ تعظيمًا لسُنَّتِه -صلى الله عليه وسلم-، وإلا فهو حجرٌ لا يضر ولا ينفع، فمن اعتقد أنه تُشْفَى به الأمراض، أو تُحَلُّ به الكُرُبَات، أو تُنَال به المرغُوبات من إجابة دعاءٍ ونحوه بمسِّه ومَسْحه فهذا لا دليل عليه.
وقد قال عمر -رضي الله تعالى عنه-: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ" أخرجه البخاري (1597)، ومسلم (1270) .
فنحن نتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك ولا نُحْدِث شيئًا خلافَ ما كان عليه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ولْيتحرَّ الطائف أَنْ يكون البيت عن يساره في كل طوافه؛ فإنَّ ما يفعله بعض الناس من استقبال البيت في حال الطواف أحيانًا، أو ما يفعله بعضُ من يقود جماعات في الطواف من أنه يمشي فيجعل البيت عن يمينه يستقبل جماعته؛ ليلقِّنهم الدعاء ويطوف، فهذا طوافه لا يصح؛ لأنه مخالفٌ لطواف النبي -صلى الله عليه وسلم- في قول جماهير العلماء.
ومِثْلُه من طاف مُنكَّسًا، بدأ بالركن اليماني لكن ذهب عن يساره فجعل البيت عن يمينه، هذا لا يصلح.
كل هذا مما ينبغي أن يراعيه الطائف.
كما ينبغي أن يراعي ألا يَفْصل ويقطع طوافه بقاطع طويل، أما لو قطعه بعارضٍ قصير فإنه لا يؤثر ذلك على صحة طوافه، كما لو أحدث مثلًا وأراد أن يجدد وضوءًا، فجدده وعاد من قريب فإنه لا بأس بذلك، أو أُقِيمت الصلاة فصلى؛ فإن ذلك لا يُؤَثِّر على صحة طوافه.