ما يتصل بحكم الرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر:
أجمع العلماء على أن السنة في وقت الرمي أيام التشريق أن يكون بعد الزوال، لا خلاف بين العلماء في أن السنة أن يرمي بعد الزوال قبل أن يصلي الظهر؛ لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا يتحيَّنون الزوال فإذا زالت الشمس رموا الجمار كما نقل عنه -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن عمر، وفي حديث جابر.
واختلفوا في جواز الرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر على أقوالٍ:
القول الأول: أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد.
والقول الثاني: أنه لا يجوز رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال إلا في يوم النفر، فيجوز قبل الزوال وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، هناك المذهب وهنا رواية عن أبي حنيفة، وهو رواية عن أحمد.
والقول الثالث: أنه يجوز رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال مطلقًا، وهذا منقولٌ عن طاووس، ونُقل عن عطاء، وهو رواية عن أبي حنيفة، واختاره ابن الجوزي.
هذا منتهى أقوال العلماء فيما يتعلق بجواز الرمي قبل الزوال.
وثمت مناقشات في ثبوت بعض هذه الأقوال وصحة نسبتها إلى هؤلاء العلماء. والذي يظهر والله تعالى أعلم أن عدم ثبوتها عن عالمٍ لا يُسقط القول بها؛ فإن هذه الأقوال قد تناقلها العلماء، فوجودها ثابت، لكن قد تكون نسبتها إلى بعضهم محل نظر، لكن قال بها غير هؤلاء من أهل العلم.
وقد احتج كل فريقٍ بأدلة على صحة ما ذهب إليه، فأبرز ما احتج به من قال بعدم جواز الرمي قبل الزوال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا يتحينون الزوال فإذا زالت الشمس رموا، وقد قال: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» أخرجه مسلم (1297) .
وأما من قال بجواز الرمي يوم النفر سواءً الثاني عشر للمتعجل أو الثالث عشر للمتأخر، فاحتج بأن في ذلك دفعًا للضرر، والمشقة في الوصول إلى مكة، وتهيئة المنزل الذي ينزل إليه أو ينزل فيه.
وأما من أجاز الرمي قبل الزوال مطلقًا، فاحتج بأن الرمي قبل الزوال مسكوتٌ عنه، ولم يأت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يمنعه، وغاية ما ورد هو الفعل، والفعل لا يَقوى على الإيجاب، إنما يدل على الاستحباب والمشروعية.
هذه هي أقوال أهل العلم في هذه المسألة، والذي ينبغي أن يحطاط به الإنسان لنفسه ألا يرمي إلا بعد الزوال خروجًا من الخلاف.