شرح العقيدة الواسطية

من 1439-02-06 وحتى 1440-12-06
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1480

التاريخ : 2018-04-25 08:01:19


وقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ[الرعد: 13]، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[آل عمران: 54]، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ[النمل: 50]، وقوله: ﴿يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)[الطارق: 15- 16].

مكر الله وكيده يكون بمن يستحق ذلك:

قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ[الرعد: 13] أي شديد المكر والكيد جل في علاه –سبحانه وبحمده- بمن يستحق ذلك، والمكر والكيد أخبر الله تعالى بهما عن نفسه، لكن عدل الله –عز وجل- وتمام انتفاء الظلم عنه يوقن به المؤمن أن الله تعالى لا يفعل ذلك بغير من يستحق، ولهذا لما ذكر الله تعالى هذه الصفات ذكرها في مقابلة من يستحقها ممن كادَ ومَكَرَ، وسار على هذا مسار القبيح في الصد عن سبيل الله، وفي أذى عباد الله والنيل منهم.

يقول الله –جل وعلا- ﴿وَمَكَرُوا﴾ فأخبر عن مكرهم وهو التوصل إلى الإضرار من طريق خفي هذا المكر والكيد، هو إيصال الضر إلى الغير من طريق خفي لا يتنبه إليه، قال الله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ[آل عمران: 54]، أي مكر بهم جل في علاه، فأوصل لهم الضر من حيث لا يحتسبون، من حيث لا يشعرون جاءهم الهلاك وجاءتهم العقوبة على وجه ظنوا أنهم سالمون فيها من المؤاخذة، فأملى لهم الله تعالى كما قال تعالى: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ[الأعراف: 183] أملي لهم فيظنون أنهم على أمن من عقوبات الله –عز وجل-، يعني هذا الذي جرى من إصابتهم بالعقوبات على نحو لم يتوقعوه، على نحو خَفِيَ عليهم هذا الذي جرى من كيد الله –عز وجل- بمن يستحق الكيد من أعدائه وأعداء عباده وأوليائه.

يقول الله –جل وعلا-: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[آل عمران: 54] –سبحانه وبحمده- ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ[النمل: 50]، أي وهم لا يعلمون ولا يدركون أن ذلك الذي جرى منهم في علمه وأنه قد أحاط بهم جل في علاه، فلا يخفي عليه من شأنهم شيء، فإنهم ﴿يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)[الطارق: 15- 16].

  

هذه الآيات الكريمات أثبتت لله تعالى المحال وهو شدة المكر والكيد، والمكر والكيد له –سبحانه وتعالى- ولكن ذلك على وجه من العدل والإنصاف والميزان والقسط ما ينتفي به عن الله الظلم، فالله –جل وعلا- منزه عن أن يظلم الناس شيئا، كما قال –جل وعلا- ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[الأنفال: 51] وكما قال –سبحانه وتعالى- ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[يونس: 44]، ولذلك لا يصح إطلاق هذه الصفات إلا في مواضعها التي وردت فيها، أو مع بيان كونها بمن يستحقون ذلك.

وكما قال سبحانه في الحديث الإلهي «يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما» فكيده ومكره ومحاله –سبحانه وبحمده- هو فيمن يستحق ذلك.

ولما كانت هذه الألفاظ الكيد والمكر والمحال يتبادر إلى الأذهان أنها معاني لا تأتي إلا في القبيح، فإن بعض الناس أوَّل هذه المعاني بأن ذلك على وجه المشاكلة والمقابلة من غير إرادة المعني، فنفى أن يضاف إليه كيد أو مكر أو محال وهذا تنزيه لله من غير محل، إذ التنزيه الواجب هو أن ينزه الله تعالى عما لا يليق به –سبحانه وبحمده-، لا أن تعطل دلالات نصوصه ودلالات آياته وأخباره الدالة على عظمته، فإن الإشكال ليس في النص إنما الإشكال في الفهم وفي الذهن وفي الفكر الذي مَثَّل اللهَ بخلقه ولم يتصور الصفة إلا كما هي للبشر، فلما استشنع ذلك عطله سبحانه عن الصفة.

ولم يرد به –جل وعلا- مماثلة الخلق، فينبغي للمؤمن أن يثبت لله -جل وعلا- ما أثبته لنفسه، ويعتقد أن الله ليس كمثله شيء، وإذا اعتقد ذلك سلم قلبه من أن يعتقد أن كيد الله –عز وجل- ككيد خلقه، أو أن الكيد في هذا المساق لا يكون إلا ذمًّا، فالله منزه عن العيب والنقص –سبحانه وتعالى- قال الله –جل وعلا-: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[الأعراف: 180] وقال: ﴿فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[الإسراء: 110] وقال: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى[النحل: 60] وقال: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى[الروم: 27] سبحانه وبحمده أي له الصفات العلى فليس ثمة نقص في صفاته وما يضاف إليه جل في علاه سبحانه وبحمده، وإنما يمكر –جل وعلا- ويكيد بمن يستحق الكيد والمكر، ومما يدل على ثبوت هذا المعنى، ورود الآيات المثبتة للكيد والمكر في سياقات دالة على أن الكيد والمكر لا يكونان إلا بمن يستحق الكيد والمكر.

فقوله –جل وعلا-: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[الأعراف: 99] فهذا بعدما ذكر ما كان منهم من بلايا، فعلوها آمنين من مكر الله، فاستحقوا بسببه هذه العقوبة وأن يمكر الله بهم، ولذلك قال: ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[الأعراف: 99] وخسروا لأنهم ظنوا أنهم يعصون الله ويحدون رسله ويخالفون شرعه ويصدون عن سبيله ثم لا تأتيهم عقوبات، ولا ينالهم ما ينالهم من وعيد الله –عز وجل- فكانوا خاسرين فمكر الله تعالى بهم، إذ أنه أملى لهم وأعطاهم وفتح عليهم مما يظنون أنه عطاء برضا الله، وأنه عطاء عن عدم مؤاخذة ولا يعقبه عقاب، فجاءهم العذاب من حيث لا يحتسبون.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق