وصلى الله على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ووارثيه وحزبه.
تمَّ الكتاب بعون الله الملك الوهاب".
يقول: "والله الموفق بمنه وكرمه"، الموفق إلى علم ما تقدم، وإلى العمل به؛ فإنَّ من منة الله على العبد أن يرزقه العلم النافع الذي به يحقق العبادة لله - عز وجل -، يحقق معنى لا إله إلا الله، وكذلك من منة الله على عبده أن يعينه على العمل بذلك العلم؛ فإنَّ العلم يدعو إلى العمل، العلم قائد العمل؛ ولذلك الله تعالى يقول: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾[محمد:19]، ثم قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد:19]؛ فجاء العلم مقدمًا على العمل، فالله الموفق بمنه وكرمه إلى العلم النافع، والعمل الصالح.
وبعد ذلك عاد إلى حمد الله والثناء عليه فقال: "والحمد لله وحده" على ما يسَّر من هذا البيان، وهذا الإيضاح الذي انكشف به ما يتعلق بهذا الأصل العظيم؛ وهو توحيد رب العالمين، وبيان حق الله على عباده، وبيان معنى لا إله إلا الله.
ثم صلَّى على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "وصلى الله على من لا نبي بعده" صلى الله عليه وسلم،وهذه صلاةٌ على النبي بذكر وصفه المقيَّد الذي لا يشركه فيه أحد؛ فإنَّ محمد بن عبد الله خاتم النبيين؛ كما قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾[الأحزاب:40].
ولهذا استغنى عن ذكر اسمه - صلى الله عليه وسلم -، ولو ذكره بوصفٍ يشاركه فيه غيره دون ذكر اسمه لكان في ذلك قصورٌ في الصلاة عليه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
قال - رحمه الله -: "وصلى الله على من لا نبي بعده وآله"أي؛ وأتباعه على ملته، وكذلك قراباته ممن آمن به، وصحبه، وهم من تشرفوا برؤيته، ولقائه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، ولو ساعةً من نهار.
"ووارثيه" جعلنا الله وإياكم منهم، والوراثة للنبي - صلى الله عليه وسلم – نوعان: وراثة علمٍ، ووراثة عمل، والفائز من حقق هذين النوعين من الوراثة؛ وراثة العلم، ووراثة العمل، فمن جمع الله العلم والعمل به كان في أعلى مراتب الوراثة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورَّثوا العلم الذي يقود إلى العمل؛ فالعلم وحده لا يكفي في تحقيق الوراثة على وجه الكمال، إنما الوراثة على وجه الكمال والتمام بالقرن والجمع بين العلم والعمل؛ جعلنا الله وإياكم من ورثته.
"وحزبه" أي؛ أتباعه الذين ينتصرون له، ويغضبون لشرعه، ويذبون عن دينه، ويحمون ما جاء به - صلى الله عليه وسلم -، ويدعون الخلق إلى ما كان عليه؛ فهم منضمون إليه، مجتمعون إلى شرعه وهدايته، ليس لهم راية ينضوون تحتها، وليس لهم شيءٌ يتحزبون له، ويتعصبون له، إلا ما كان مما فتح الله تعالى به عليهم من اتباع السنة ولزومها، والذب عنها.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم من حزب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين هم حزب الله الذين قال فيهم: ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[المجادلة:22].
"تمَّ الكتاب بعون الله الملك الوهاب"، وأعظم ما يهب الله تعالى العبد العلم الذي يقوده إلى العمل، ولذلك قال: "الوهاب"، نحن عندما نذكر الوهاب ينصرف الذهن غالبًا إلى الهبات الدنيوية من الأرزاق والمآكل، والأولاد ونحو ذلك، لكن أعظم ما يهب الله تعالى به العبد أن يهبه قلبًا سليمًا، علمًا نافعًا، عملًا صالحا.
فنحمده ونسأله أن يفتح علينا من هباته، وأن يجعلنا من أوليائه، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح.
وأسأل الله تعالى أن يغفر للمؤلف وأن يرحمه، وأن يجعل ما كتبه في هذا السفر في موازين حسناته؛ فحق أهل العلم الذين جمعوا علومًا ونفعوا الخلق أن يُدعَى لهم، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد.