قال -رحمه الله-: "أَزَالَ بها الأغلافَ عَنْ قَلبِ حَائِرٍ وَفَتَّحَ آذاناً أُصِمَّتْ وأَحْكَمَا"
"أزال" هذا بيان لثمرة الأخذ بهذين النورين ، الكتاب، والسنة، والعمل بإرشادهما فقد ذكر الناظم للعمل بالوحيين فائدتين:
الفائدة الأولى: "أزال بها الأغلاف"، والفائدة الثانية: فتح الآذان التي أغلقت عن سماع الهدى.
فالمقصود بإزالة الأغلاف: إزالة الأغطية التي تُغَلِّفُ القلوب، وَتَمْنَعها الْهِدَاية، فالمعنى أزال بالوحيين ما تُسْتَرُ بهِ القلوب، وَتُغَطِّىَ بها القلوب فيَمْنَعُهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَق، وَالْعَمَلِ بِهْ.
فإن الله –جَلَّ وَعَلَىَ- ذَكَرَ في مَا ذَكَرَهُ عَنِ الْكُفَّار أنهم قالوا: قلوبُنَا غُلْفٌ هذا ما ذكره اليهود، أي قلوبنا في غلاف، ومعلوم أن الشيء إذا كان في غلاف فلا يوصل إليه بل يكون الغِلاَفُ مَانِعَاً مِنْ الوصول إليه وهذا ما ذكره -الله تعالى- في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ [الإسراء:46].
﴿أَكِنَّةً﴾: أي أستار، وأغطية وأغشية تمنع وصول الحق إلى قلوبهم فلا يتمكنون من معرفة الحق ولا إدراكهِ؛ وهذا ما ذكره -الله تعالى- في قوله: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ [الإسراء:45]؛ حِجَابَاً يمنع إِدْرَاك الحق، يمنع معرفة الهدى، ويمنع وصول تأثير الكتاب والسنة وأنوارهما إلى القلب.
لكن لو فَتَحَ الْعَبْدُ قَلْبَهُ للوَحْيَّين زَالت هذه الأغلاف، وانقشعت هذه الأغطية فكان ذلك موجِبَاً لِصَلاَحِ قَلْبهِ، ولا شك أن القلب إذا كَانَ مَسْتُورَاً مُغَلَّفَاً قد غُطِّي انْحَجَبَ عَنْهُ نُورَ الْهُدَى؛ ولذلك قال: "أَزَالَ بهَا الأغْلاَفَ عَنْ قَلْبِ حَائِرٍ".
والحائر هو المتردد، الشاك، المرتاب، المضطرب الذي لا يعرف الحق من الضلال، ولا يعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ولا الخير من الشر بل في هو عماه لا يَعْرِفُ مَعْرُوفَاً، ولا يُنْكِرَ مُنْكَرَا.
كما قال الله -جل وعلى-: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق:5]؛ يعني مضطرب، ملتبس، مشتبه ليس فيه وضوح ولا بيان، فقوله -رحمه الله-: "أَزَالَ بهَا الأغْلاَفَ عَنْ قَلْبِ حَائِرٍ": أي قلب حُرِمَ الْهِدَايَة فجاءت هذه الرسالة أَشْرَقَت بها القلوب بعد ظُلُمَاتِهَا، واستنارت بها الأفئدة بعد عَمَاهَا، وَأَضَاءَت بهَا الْسُبُل بَعْد التماسها فكان ذلك من فضل الله تعالى على هذه الأمة، وكلما عَظُمَ نُور الْوَحْيَّين في الْقَلب انقشعت عنه تلك الأغطية، وزالت عنه تلك الحُجُب حتى يَنْكَشِفَ لَهُ مَا خَفِيَ عَلَىَ غَيْرِهِ.
دليل ذلك قول -الله تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الانفال:29]؛ أي نورا تبصرون به ما يخفى على غيركم فتُمَيّزُونَ به الحَقَّ مِنَ الْبَاطِلَ، والهدى من الضلال، والخير من الشر بل يَهَب الله –عَزَّ وَجَلَّ- العَبْدَ ببَرَكَةِ لِزُومِ الْكِتَابِ وَالْسُنَّة، والإقبال عليهما من النور ما ينكشف له ملتبسات حتى يرى ما لا يراه غيره، ويُبْصِر من مواقع الهدى ما ألتبس على غيره وهذا من فضل الله -عز وجل-وبركة لزوم الكتاب والسنة، هذه هي الفائدة الأولى لمن لزم الوحيين الكتاب والسنة.