ثم ثاني ما ذكر –رحمه الله- في أسباب صلاح القلب وحياته.
قال: وانقدْ وسَلِّما
وهذا في الحقيقة ثمرة للتدبر، فإن التدبر السليم الصحيح يثمر انقيادًا للنص وتسليمًا له.
والقلب الحيَّ المستنير هو القلب الذي يعقل عن الله وعن رسوله وهذه المرحلة الأولى ثم إذا فهم أذعن وانقاد لتوحيده ومتابعة ما جاء به رسوله –صلى الله عليه وسلم- وهذا مقتضى الإيمان ولذا قال: وانْقَد وسلما أي انقد لما جاءت به النصوص بعد فهمها، لأنه ما يمكن أن يمتثل الإنسان إلا بعد الفهم إذا ما فهم النص وأدرك معناه لم يستطع الامتثال، فقوله: وانقد ثمرة التدبر وبه يحصل للقلب تمام العقل عن الله ورسوله، لأنه عقل وعمل وهذا هو الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- من الهدى ودين الحق، فالهدى العلم ودين الحق هو العمل.
وانقد وسلما وهما مقتضى الإيمان، الانقياد والتسليم؛ قال الله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[النساء: 65].
فالآية ذكرت الانقياد، وذكرت التسليم والانقياد والتسليم يمكن أن يقال: أن المعنى واحد، الانقياد هو التسليم، ويمكن أن يقال الانقياد يختلف عن التسليم في هذا السياق، إذ أن التسليم أوسع من الانقياد، لأن التسليم يكون للأحكام ويكون للعقائد، بخلاف الانقياد فالانقياد لا يكون إلا للأحكام، لكن من أهل العلم من قال: الانقياد والتسليم بمعنى واحد، ومنهم من قال التسليم هو الانقياد لأوامر الله، فإذا قلنا: التسليم هو الانقياد كان هذا من باب عطف المترادف ، وفائدته: تثبيت المعني فالعرب تأتي بعطف المترادف لإفادة تثبيت المعنى، فأقول لك: أكرم الطالب المجد والمثابر أو الطالب المجد المثابر، المجد هو المثابر تأكيد للمعنى الذي هو سبب الإكرام.
فقوله: وانقد وسلما إذا قلنا: إنهما مترادفان ففائدته تثبيت المعنى وهو أن أسباب صلاح القلب الانقياد والتسليم، وإذا قلنا: أنهما مختلفان، فالانقياد يتعلق بالأحكام، والامتثال ظاهرًا، والتسليم يتعلق بالامتثال باطلًا بطمأنينة القلب وانشراحه وقبوله، فيكون الانقياد والإذعان والتسليم هو القبول.