ويصحبُ حراً دلَّه في طريقِهِ |
وكانَ مُعيناً ناصحاً متيمّما |
أي: من أسباب صلاح القلب، ومن علامات استقامته وصلاحه أن يتخذ صحبةً صالحة، فالصحبة الصالحة من أسباب صلاح القلب واستقامته، ولا ريب أن الصاحب الصالح مما يُعين الإنسان على طاعة الرحمن جلَّ في عُلاه، وقد شرع الله تعالى جُملةً من العبادات؛ لأجل أن يُحفز الناس على الطاعة في الاجتماع عليها، فشرع الجماعات، وشرع الجُمع، وشرع أنواعًا من العبادات يجتمع عليها أهل الإسلام كالحج والأعياد؛ يجتمع ذكورهم وإناثهم، ومجموعهم حتى الصغار في بعض الأعمال يُشرع اجتماعهم كالأعياد ونحوها، كل هذا لتحقيق معنى التعاون والتكاتف على طاعة الله عزَّ وجل.
فالصحبة الصالحة تُعين الإنسان على طاعة الرحمن، ولذلك مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح والجليس السوء بما يُبين عظيم الأثر الحاصل من كل واحدٍ منهم، ففي الصحيح من حديث أبي موسى الأشعري قال صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، حامل المسك إما أن يُحذيك -يعني يُطيبك- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحةً طيبة» يُحذيك فتطيب، أو تشم منه رائحةً طيبة، «وأما جليس السوء فهو إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد عنده ريحًا كريهة تتأذى منها»، فكذلك الصاحب الطيب هو مما يُنشط الإنسان على طاعة الله عزَّ وجل.
وقد ذكر الله -تعالى في أمثلة أصحاب السوء وعظيم أثرهم ما ذكره في قوله جلَّ وعلا: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)﴾ [سورة الفرقان: 27-28]، فتندم على ترك صحبة الرسول التي هي عنوان الفلاح والنجاح، ثم ذكر بعد ذلك ندامته على مصاحبة من أرداه وأوقعه في الهلاك، ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)﴾ [سورة الفرقان: 27-29]، وفي الآية الثانية: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)﴾ [سورة الصافات: 55-56] أي: أوشكت أن توقعني في الردى، لكن الله نجاه منه.
ولهذا ينبغي للإنسان أن ينتقي من الأصحاب من يقربه إلى الله عزَّ وجل، وأن يتوقى كل صاحبٍ يُقربه إلى الشر والسوء والفساد، ولهذا يقول: "ويصحبُ حراً دلَّه في طريقِهِ" أي: عَرَّفه في طريقه، وأعلمه في طريقه إلى ما يكون به راشدًا خارجًا عن الضلالة، فالدلالة تقي الضلالة، فإذا دلك صاحبك في طريقك إلى الرشد والخير فقد نجوت من الهلاك والضلال.
ثم إن هذه الصحبة لا تقتصر فقط على الدلالة، بل إذا تيسر لك مع الدلالة إعانة كان ذلك نورًا على نور، ولذلك قال: "وكانَ مُعيناً" أي: باذلًا جهده في إعانتك وعونك على ما ترشد وتصلح به حالك.
"وكانَ مُعيناً ناصحاً متيمّما" ناصحًا أي: باذلًا النُصح، والنصح هو بذلُ غاية ما يعلمه مما يحصل له به النفع، فالنصح هو إبانةُ الخير والدلالة عليه على وجهٍ لا يكون فيه غشٌ ولا تدليس ولا خفاءٌ ولا التباس، بل على وجهٍ يكون فيه الإنسان معرفًا بالحق على أكمل ما يكون.
"ناصحاً" والنصيحة يحصل بها فائدتان:
الفائدة الأولى: الدلالة على الخير، وهذا ما أشار إليه سابقًا.
والثاني: يحصل به الوقاية من السوء والشر.
فنصحيتك لأخيك يتحقق بها فائدتان:
الفائدة الأولى: دلالته على الخير وإعانته عليه.
والفائدة الثانية: وقايته من الشر والتورط فيه.
جميع الحقوق محفوظة لمنصة اسوار المعرفة@2021 - تصميم وبرمجة إنجاز إن