قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: من أعجب العجاب، وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ستة أصول بينها الله تعالى بياناً واضحاً للعوام فوق ما يظن الظانون، ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم، وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل.
بسم الله الرحمن الرحيم وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فهذا هو الدرس المتعلق بستة أصولٍ عظيمةٍ مفيدة، وهو من رسائل شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، والظاهر أن هذه الرسالة مقتطعة من كتابات الشيخ رحمه الله تعالى، فإنه -رحمه الله- لم يفتتحها بافتتاحٍ واضحٍ فيما نرى، يعني في النسخة التي بين أيدينا، ولعل لها مقدمةً مستقلةً أو محذوفة، المهم أن الشيخ -رحمه الله تعالى- أشار في بداية هذه الرسالة المباركة إلى أن هناك أصولاً ستة، هذه الأصول الستة بينها الله -سبحانه وتعالى- بياناً واضحاً شافياً ساطعاً في كتابه الحكيم.
قال رحمه الله: ( من أعجب العجاب، وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاّب: ستة أصول بينها الله سبحانه وتعالى بياناً واضحاً للعوام )
فقوله: للعوام ليس المراد أن ذلك خاصٌّ بهم، بل مراده: أن تلك الأصول الستة واجبةٌ على الجميع، وأنها واضحة لعموم الناس، حتى لمن لم يتعلم من عوام الناس، يدركها الذكي والبليد، يدركها العالم والجاهل، يدركها كل من سمع الخطاب كائناً من كان إذا كان قد توفر فيه عقل الإدراك، فإن كل من توفر فيه عقل الإدراك والتمييز فإنه يدرك هذه الأصول من كلام الله عز وجل.
ننظر في هذه الأصول:
المؤلف -رحمه الله- بدأ الرسالة بالتعجب من وضوح هذه الأصول، وغفلة الناس عنها، والتعجب هنا معناه: الاندهاش، والانبهار من هذه الحال، بغضّ النظر هل سببه معلوم أو غير معلوم، هل سببه معروف أو غير معروف، فإنه ليس من لازم العجب جهل السبب كما هو معلوم مقرر، فإن العجب يطلق على ما جهل سببه، ويطلق على ما علم سببه، ولكنه خارج عن العادة، خارج عن نظائره وأمثاله، مما يظهر ويلفت النظر، فالكلام هنا ليس بحثاً في السبب، إنما بيان للتعجب من حال هؤلاء.
قال -رحمه الله تعالى-: ( من أعجب العجاب، وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ) الغلاب هل هو من أسماء الله عز وجل؟ الجواب: ليس من أسماء الله عز وجل، ولكن ذكره المؤلف رحمه الله تعالى على وجه الصفة، ومعلوم أن باب الأوصاف أوسع من باب الأسماء، فالأسماء توقيفية، أما الأوصاف فهي أوسع وإن كان الأصل فيها التوقيف، لكنها أوسع من باب الأسماء، لأن الأسماء لابد فيها من توقيف على الكتاب والسنة، أما الصفات فيمكن أن تشتق من الأفعال، فكل فعل ثبت لله عز وجل فإنه مشتق منه صفة لله سبحانه وتعالى، وقد جاء في بعض الروايات والآثار وصفه بالغالب، وهو من معاني اسمه العزيز، فإن الغالب هو من معاني اسم العزيز كما تقدم، لأن من معاني العزّة: الغلبة والقهر.
قال رحمه الله: ( ستة أصول بينها الله تعالى بياناً واضحاً للعوام فوق ما يظن الظانون، ثم بعد هذا. . .) يعني: بعد هذا البيان الذي لا يتوقع بعده وقوع الخطأ، لأنه كان بياناً واضحاً، وما كان بيانه واضحاً ساطعاً يدركه عوام الناس، ولا يحتاج إلى علماء وأفذاذ، فإن ذلك المتوقع أن لا يكون فيه غلط، وألاَّ يغفل عنه، وألاَّ يقع فيه خلاف لوضوحه وظهور أدلته وآياته.
قال -رحمه الله-: ( ثم بعد هذا غلط فيه كثير من أذكياء العالم )
الذكاء: هو حدة في الفهم، يدرك بها الإنسان الغامض من الأمور، هذا هو الذكاء، ولا صلة بين الذكاء والإيمان، إنما الصلة بين الزكاء والإيمان، لأن الزكاء: في القلب، والذكاء: في الفهم، فقد يكون الإنسان ذكياً كافراً، لكنه لا يمكن أن يكون زكيًّا إلا إذا كان مؤمناً بالله ورسوله.
فقوله -رحمه الله-: ( أذكياء العالم ) أي: فطناؤه من أصحاب الفهم، الذين لا تخفى عليهم الأمور، (وعقلاء بني آدم إلاّ أقلّ القليل)، يعني: غلط فيها كثير إلا أقل القليل الذين لم يغلطوا فيه، ونسأل الله عز وجل أن نكون ممن يدخل في قوله: ] وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [[ سبأ : 13.] وهذه هي حال بني آدم، فإن أكثرهم ضالون، قال الله تعالى: ]وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ [ الأنعام : 116.]، ولذلك لا يجوز في الاستدلال على صحة القول أو المذهب أو الطريقة بكثرة السالكين لها، فإن هذا أمر مهم، لأن الله -عز وجل- لم يذكر الكثرة على وجه المدح، بل قال -سبحانه وتعالى-: ]وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه[ وقال الله -سبحانه وتعالى-: ]وَقَلِيْلٌ مِنْ عِبَاْدِيَ الشَّكُوْرُ[ وقال -جل وعلا-: ]إِنَّ فِيْ ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَاْنَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ[[ الشعراء : 8 .]، فالكثرة لا تدل على صحة الطريق، ولا على سلامة المنهج، بل الذي يدل على صحة الطريق وسلامة المنهج هو التزام الكتاب والسنة، فهما الحاكمان على كل قول ورأي وعمل، فما وافق الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة فهو الصواب، وما خالفه فهو الخطأ المردود، وإن كان عليه أكثر الناس.
بدأ المؤلف -رحمه الله- من هذه الأصول بالأصل الذي هو الأصل الأصيل، وهو توحيد الله جل وعلا، فقال رحمه الله: ( الأصل الأول. . . )
الأصل الأول: إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له، وبيان ضده الذي هو الشرك بالله، وكون أكثر القرآن في بيان هذاالأصل من وجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة، ثم لمّا صار على كثير من الأمة ما صار، أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين، والتقصير في حقوقهم، وأظهر لهمالشرك بالله في صورة محبة الصالحين واتباعهم.
هذا هو الأصل الأول من الأصول الستة، وهي أصول مهمة.
الأصل الأول: الأصل في هذه الدنيا، وفي هذا الوجود: هو عبادة الله جل وعلا، التي قال عنها الله جل وعلا: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ[[ الذاريات : 56 .] والتي جاء الأمر بها في أول الكتاب الحكيم، فإن أول أمر في كتاب الله هو الأمر بالتوحيد في قوله: ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[[ البقرة : 21 .] أول خطاب في كتاب الله الحكيم وجهه للناس عموماً: هو الأمر بالتوحيد، وهذا يدل على أهمية هذا الأمر، وخطورته، ووجوب العناية به.
قال رحمه الله تعالى: ( إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له. . . ) إخلاص: أي تخليص، فهو مصدر بمعنى: تخليص الدين، والدين: هو العمل المراد إخلاصه لله تعالى، أي: تخليص العمل، ومعنى تخليصه وإخلاصه: أي: تبرئته من كل لوث وشرك مع الله سبحانه وتعالى، فإخلاص العمل: هو تبرئته من كل نصيب لغير الله جل وعلا، هذا معنى إخلاص الدين لله، والدين كما ذكرنا المراد به العمل، ويشمل العمل القلبي وعمل الجوارح - العمل الظاهر -، فيشمل الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، ويشمل الأعمال الواجبة والأعمال المستحبة، فإن الجميع يجب إخلاصه لله سبحانه وتعالى.
هل هناك دليل في الكتاب يدل على أن الدين يأتي بمعنى العمل؟ الجواب: نعم، وهو قول الله تعالى: ]أَلاَ ِللهِ الدِّينُ الخَالِصْ[[ الزمر : 3 .]، والآية التي ذكرها أيضاً: ]لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين[[ الكافرون : 6 .] أي: لكم عملكم ولي عملي، أما قوله تعالى ]مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[[ الفاتحة : 4 .]، فالدين هنا بمعنى: الجزاء والحساب، وليس بمعنى العمل، فلا يستقيم أن يكون المعنى: مالك يوم العمل، لأن يوم العمل هو هذه الدنيا، أما الآخرة فليست دار عمل، إنما هي دار حساب وجزاء.
قال -رحمه الله تعالى-: ( إخلاص الدين لله وحده لا شريك له ) ألم يكن يكفي أن يقول: ( إخلاص الدين لله تعالى ) عن قوله: (وحده لا شريك له)، بلى: يكفي، لكن قوله: (وحده لا شريك له)، هذا تأكيد لمعنى الإخلاص، فـ" وحده ": تأكيد لمعنى التوحيد، " ولا شريك له ": تأكيد لمعنى نفي الشرك، وأنه لا شريك له -سبحانه وتعالى- في شيء من أموره، لا شريك له في ملكه، ولا شريك له في خلقه، ولا شريك له في ربوبيته، ولا شريك له في إلهيته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته، ولا شريك له فيما يجب له من العبادة، فيجب إفراد الله عز وجل بكل ما يستحق، فالله -جل وعلا- ليس كمثله شيء في شيء من شؤونه، ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [[ الشورى : 11].
ثم قال رحمه الله تعالى: ( وبيان ضده الذي هو الشرك )
فضد التوحيد والإخلاص هو الشرك، والشرك: دائر على معنى واحد، وهو تسوية الله بغيره، كما إذا كانت التسوية فيما يتعلق بالخلق والرزق والملك والتدبير، بأن يعتقد العبد أن هناك خالقاً، أو رازقاً، أو مالكاً، أو مدبراً غير الله جل وعلا، تسوية الله U بغيره فيما يجب له من الأسماء والصفات، كأن يعتقد العبد أن صفات الله كصفات المخلوق، فهذا أيضاً من الشرك الذي يجب أن يتخلص منه المؤمن ليكمل توحيده وإيمانه من الشرك، وهو أخطرها، وأعظمها: الشرك في الإلهية، وهو الشرك في العبادة، ومعناه: أن يجعل مع الله من تُصْرَفُ له العبادة، فيصوم لغير الله، أو يصلي لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو يذبح لغير الله، أو يطوف تعبداً بقبر لغير الله، أو يصلي لغير الله، أو يدعو غير الله في دفع المدلهمات، أو كشف الكربات، وما إلى ذلك مما يكون من كثير من الناس، كل هذا من الشرك الذي جاءت الشريعة بالنهي عنه، والتحذير منه، وقد بين هذين الأمرين القرآن غاية البيان، بين التوحيد وبين الشرك.
ولذلك قال -رحمه الله-: ( وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل. . . . ) لا إشكال أن أكثر القرآن في تقرير هذا الأصل، وهو: وجوب إفراد الله بالعبادة، والنهي عن الشرك بجميع صوره، والقرآن كله توحيد، فهو يدعو إلى إخلاص العمل لله U، ويبين فضائل ومصالح التوحيد، ويبين عاقبة أهل التوحيد، هذا في جانب الدعوة إلى التوحيد، أما في جانب النهي عن الشرك، فإن الله نهى عنه وحذر منه، وبين أنه ظلم عظيم، فقد بين الله -جل وعلا- سوء عاقبة الشرك على أهله في الدنيا قبل الآخرة.
وبين عاقبة المشركين وأنهم في نار تلظى، لعظم ما جاؤوا به واقترفوه، ]إِنَّ اَللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء[[ النساء : 48 .]، فالله لا يغفر الشرك بالكلية، ويغفر مادون ذلك، وما هذا الامتناع من الرحيم الرحمن، البر الرؤوف إلاَّ لعظم الجرم، فإن الشرك ظلم عظيم، كما وصفه رب العالمين، فالقرآن كله بيان للتوحيد، وفضله وفضل عاقبته وعاقبة أهله، وبيان للشرك وسوء حال أهله في الدنيا قبل الآخرة، ولذلك كان بيان التوحيد في القرآن واضحاً لكل أحد.
ولذلك قال -رحمه الله تعالى-: ( وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى ) يعني: ليس من وجهٍ واحد، وليس فقط بالأمر بالتوحيد، أو بالنهي عن الشرك، بل من جميع الوجوه، أمر بالتوحيد، ونهيٌ عن الشرك، بيانٌ لمحاسن التوحيد، وبيانٌ لمساوئ الشرك، بيانٌ لعاقبة أهل التوحيد، وبيانٌ لعاقبة أهل الشرك من وجوه متعددة، ثم لما صار (بكلام يفهمه أبلد العامة)، يعني: لا يحتاج إلى فهم، ولا إلى قوة بلاغة، ولا إلى عظيم إدراك، حتى يصل الإنسان إلى فهم هذه المعاني، بل هي ظاهرة لكل أحد ]قُلْ هُوَ اَللهُ أَحَد [[ الإخلاص : 1 .]، فهذه الآية يدرك معناها كل أحدٍ من الناس، وأنه أحد فيما يجب له سبحانه وتعالى من الربوبية، والإلهية، والأسماء، والصفات.
(ثم لما صار على كثير من الأمة ما صار): يعني: من ترك الصراط المستقيم، والانحراف عن الهدي المستقيم هدي النبي r، لما صار ما صار (أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين والتقصير في حقوقهم)، وهذا هو دأب الشيطان أعاذنا الله وإياكم منه، فإنه يأتي للمؤمن ويظهر له الطاعة بثوبٍ قبيح، تنفر منه النفس وتزهد به، وتنصرف عنه، ويأتي للبدعة والمعصية ويكسوها أجمل الحلل، ويبهرجها ويزخرفها بأحسن الزخارف، حتى يقبل عليها من ضعف إيمانه، ولم يرسخ يقينه، وأما أهل الإيمان والبصائر فإنهم لا تغريهم هذه المظاهر، بل ينظرون إلى الأمور بالبصيرة التي يمنّ الله سبحانه وتعالى بها على المتقين، فيفرقون بين الحق والباطل، ولا تختلط عندهم هذه الأمور، بل هي في غاية الظهور، فيأتي الشيطان ويظهر الشرك بمظهر محبة الصالحين، ويظهر الداعين إلى التوحيد بأنهم لا يحبون الصالحين، ولا يعظمونهم حق تعظيمهم، فإذا جئت إلى رجلٍ وقلت له: يا أخي لا تتوجَّه إلى القبر في الدعاء، توجه إلى القبلة، واسأل ربك ورب هذا المقبور الذي يملك خزائن السماوات والأرض جلّ وعلا، ولا تسأل هذا المقبور الذي لا يملك لنفسه حولاً ولا طوْلاً، قال: يا أخي أنت ما تعرف قدر الصالحين ولا تقدر أولياء الله، وهذا في الحقيقة من جهله لم يقدر الله حق قدره، لو قدر الله حق قدره ما توجه إلى مقبور بين التراب، إنما توجه إلى رب الأرباب، لكن لضعف يقينه وقلة بصيرته انطلت عليه هذه الصورة، وجعل تعظيم أهل القبور والصالحين بالانحناء لهم، والركوع أو السجود، وغير ذلك مما يفعله أهل الشرك، والذين يزيِّنون البدعة، كل هذا مما يخالف هدي النبي r، ومما يوقع في الشرك، الواجب على المؤمن أن يبعد نفسه عن كل ما خالف هدي النبي r، وأن يعلم أن خير الهدي هدي النبي r، وإذا وقع المؤمن في شيء من هذا فإن الشيطان سيزيِّنه له، لكن إن راجع المؤمن كتاب الله وسنة رسوله r وهدي السلف الصالح سلم من هذه الشبه.
وليعلم أنه لا أحد أعظم اتباعاً للكتاب والسنة من رجل جعل الله Uهو قصده، وهو معبوده، الذي لا يصرف إلى غيره نوعاً من العبادة، فليحذر المؤمن، فالشيطان يأتي إلى هؤلاء ويزين لهم الشرك، ويقول لهم: هذا ليس شركاً، إنما هذا من إجلال الصالحين، ومن تعظيمهم، وحتى ينفرهم من دعوة التوحيد يقول: هؤلاء إنما يدعون إلى تنقص الصالحين والوقيعة فيهم، ولا يعظمونهم ولا يقدرونهم حق قدرهم، وهذه شبهة ضعيفة لا تنطلي إلا على ضعاف العقول.
ولذلك قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: ( أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين، والتقصير في حقوقهم، وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين واتباعهم. . . ) والصحيح أنها غلو في الصالحين، وتجاوز للحد المنهي عن تجاوزه، وإلاَّ فالمؤمن لا يقع في هذا ولا يقرب منه، بل لا يعظم إلاّ ما عظمه الله ورسوله، ثم إن محبة الصالحين عبادة، لكن لا يجوز أن يتجاوز المؤمن في هذه العبادة حده، حتى يقع في الشرك، هذا هو الأصل الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله في هذه الأصول الستة.