الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلىٰ يوم الدين.
يقول المؤلف رحمه الله:
والحَسَنُ الْمَعْرُوفُ طُرْقاً وَغَدَتْ *** رِجَالُهُ لا كَالصَّحِيحِ اشْتَهَرَتْ
تكلمنا على هٰذا، وقلنا : إن المؤلف رحمه الله حدّ الحسن بأنه (الْمَعْرُوفُ طُرْقاً) يعني الذي عرفت طرقه، (وَغَدَتْ رِجَالُهُ) في منزلة دون منزلة الصحيح في الشهرة وتحقق أوصاف الحديث الصحيح وأركانه.
وذكرنا أنّ من العلماء من قصر الفارق بين الحسن والصحيح في كون الحسن يرويه من خفّ ضبطه وأما بقية الصفات من عدم الشذوذ والعلة والعدالة واتصال السند فإنه لا بد من توفرها.
وذهب جماعة من العلماء إلى أن الحسن يفارق الصحيح في بقية الصفات، فإذا ورد خلاف في حديث واشتباه فيه -مع ضبط رواته وعدالتهم- فإنه يكون من أسباب نزوله عن درجة الصحيح، وإن كان وصف الضبط باقياً، وهـٰذا ذهب إليه جماعة من المحدثين من أهل الاصطلاح.
إلا أن الصحيح ما عليه أكثرهم من أن الفارق بين الصحيح والحسن هو ضعف الضبط أو قصور الضبط، خفة الضبط، هناك قصور في الضبط أو خفة في الضبط عن الصحيح.
لأن المثال الذي مثلوا به -وهو اختلاف الرواة، وكونه سبباً لنقل الحديث من الصحيح إلىٰ الحسن- حقيقة الخلاف تكون ناشئة عن خفة الضبط، فهي إشارة إلىٰ خفة الضبط الواقع من بعض الرواة التي سببت نزول الحديث من درجة الصحة إلىٰ درجة الحسن.
فالصحيح ما عليه أكثر العلماء من أن الفارق بين الحديث الصحيح والحديث الحسن هو فيما يتعلق بالضبط، أما فيما يتعلق بالعدالة وما يتعلق بعدم الشذوذ والعلة والاتصال فإنّ هـٰذه الشروط معتبرة الوجود، ويستوي فيها الحديث الصحيح مع الحديث الحسن.
أما تعريف المؤلف رحمه الله فقد ذكرنا أنه تعريف عليه مدخل، وذلك أنه لم يميز بين الحسن والضعيف، هو ميز بين الصحيح والحسن؛ لكن لم يميز بين الحسن وغيره، فتعريفه يندرج فيه الضعيف؛ لأنه قال:
والحَسَنُ الْمَعْرُوفُ طُرْقاً وَغَدَتْ *** رِجَالُهُ لا كَالصَّحِيحِ اشْتَهَرَتْ
فالحديث الضعيف قد يكون معروف الطرق وتكون رجاله دون رجال الصحيح، فيشتبه الضعيف بالحسن.
وقد تنوعت عبارات العلماء رحمهم الله في ضبط الحديث الحسن.
وهـٰذا معنى ما ذكره المؤلف رحمه الله أو قريب منه، فذكر: الحسن معرفة الطرق واشتهار الرجال.
وقال ابن الجوزي رحمه الله في تعريف الحديث الحسن: الذي فيه ضعف قريب محتمل. الموضوعات لابن الجوزي(1/35) قريب أي سهل، ليس ضعفاً شديداً، محتمل أي إنه يُقْبَل، ولا ينزل به إلىٰ درجة الضعيف.
وقد ذكر ابن الصلاح رحمه الله أن هـٰذه الحدود غير متسقة؛ بل فيها من التداخل وعدم الوضوح ما يجعلها غير مقبولة.
ثم إنه قال رحمه الله: أنعمت النظر في ذلك والبحث. أي أنعمت النظر في تعريف العلماء للحسن وكلام المتقدمين، فانتهى إلىٰ أن الحسن ينقسم إلىٰ قسمين: الحسن لذاته، والحسن لغيره.ينظر مقدمة ابن الصلاح ص(31)
الحسن لذاته هو: ما اشتهر رواته بالصدق، ولم تصل درجتهم في الحفظ والضبط والإتقان رتبة الصحيح.ينظر مقدمة ابن الصلاح ص(31)
وأما الحسن لغيره فقد عرّفه بأنه: ما في إسناده مستور لم تتحقق أهليته، ولم يأت بشاذ، وليس فيه علة.ينظر مقدمة ابن الصلاح ص(31)
وهو في الحقيقة بهـٰذا التعريف يقارب ما ذكره الترمذي رحمه الله في اصطلاحه في استعماله الحسن حيث قال: إن الحسن عندنا ما سلِم من الشذوذ ومن متهم. فلم يشذ: هـٰذا في السلامة من مخالفة الأحاديث الصحيحة، يعني يرويه من لم يشتهر بالنقل والعلم؛ لكن ما رواه ليس مما يخالف الأحاديث الصحيحة، وراويه لا يتهم بالكذب، ويروى من غير وجه، فليس فيه علة تمنع من قبوله وترد حديثه.
ويمكن أن يقال في تعريف الحسن: إنه ما خفّ ضبط رواته مع توافر شروط الصحيح.
كم بقي من شروط الصحيح؟ بقي أربعة شروط: العدالة، اتصال السند، عدم الشذوذ، عدم العلة.
وبهذا يتبيّن لنا أن الحسن يشارك الصحيح في جميع الشروط عدا الضبط، كما أنّه يشارك الصحيح في أنه يحتجّ به، فأجمع الفقهاء رحمهم الله وكثير من أهل الحديث على الاحتجاج بالحديث الحسن. معنى الاحتجاج بالحديث الحسن: أنه تثبت به الأحكام، وتثبت به العقائد، ويستدل به في المسائل، يستدل به أصلاً لا استئناساً؛ لأن موضوع الاستدلال أوسع من الاحتجاج.
فيقال: يستدل بهذا، يصلح للاستدلال لا يعني أنه يصلح للاحتجاج؛ لأنه لو لم يرد إلا هو وانفرد لما كان حجة؛ لكن لما انضم مع غيره أصبح صالحاً للاستدلال، فيستدل به ولا يحتج به.
إذاً الحديث الحسن يشارك الحديث الصحيح في كونه حجة في ثبوت الأحكام والعقائد.
أيضاً يشارك الحديث الحسن الحديث الصحيح في كونه على مراتب، فليس على مرتبة واحدة.
ذكرنا نحن في الصحيح أن الصحيح ليس على مرتبة واحدة؛ بل هو مراتب متفاوتة، وتفاوت هـٰذه المراتب راجع إلىٰ تفاوت تحقق شروط الصحة في الحديث، فكلما زاد تحقق الشروط تحقق وصف الصحة، ولذلك مر علينا قول البخاري في أصح الأسانيد: إنه ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، ومر علينا قول غيره: إنه الزهري عن سالم عن ابن عمر، وذكرنا في وقتها أنه لا يسوغ أن يقال: أصح الأسانيد على الإطلاق؛ بل يوجه ذلك إلىٰ ما يناسب: إما باعتبار الرواة، أو باعتبار البلدان، أو غير ذلك من الاعتبارات.
المراد أن الحسن كالصحيح في تفاوت رتبه، فمن الأسانيد المشهورة التي يحتج بها كثيراً وهي في منزلة الحسن ما يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فهذا يمثل به أهل الاصطلاح على الحديث الحسن في أعلى رتبه، وهـٰذه السلسلة وقع فيها خلاف بين العلماء في الاحتجاج بها، هـٰذا الاختلاف ناشئ عن اختلافهم في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: من المراد بأبيه؟ هل المراد شعيب، أو من هو فوق شعيب الذي هو عبد الله؟ فعمرو بن شعيب يروي عن أبيه عن جده، هل المقصود جد شعيب أو جد عمرو؟ فلما وقع الاختلاف وقع اختلاف العلماء في ثبوت هـٰذا الحديث.
والصحيح أنه حديث متصل، وأنه من أعلى رتب الحديث الحسن، فإذا جاءت مثل هـٰذه السلسلة فالنظر فيما وراء عمرو: فإن كان صحيحاً فالحديث صحيح، وإن كان ضعيفاً فالحديث ضعيف.
كذلك من أمثلة الحديث الحسن: حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وهـٰذه أيضاً من السلاسل المشهورة.
فهـٰذا الحديث لا ينزل عن رتبة الحسن؛ لخفة ضبط محمد بن إسحاق.
ولقائل أن يقول: محمد بن إسحاق مدلس، فالجواب: أنه قد صرّح بالتحديث في هـٰذا الطريق، فذهب إشكال التدليس وبقي خفة الضبط، جميع رواته وهم: إسماعيل بن إبراهيم، وسعيد بن عبيد السباق، وعبيد السباق كلهم ثقات، وفي الحفظ والإتقان في الدرجة العالية والمرتبة الرفيعة، إلا محمد بن إسحاق؛ ولذلك نزل الحديث من رتبة الصحيح إلىٰ رتبة الحسن؛ لخفة ضبط محمد بن إسحاق رحمه الله.
(وَكُلُّ ما عَنْ رُتْبَةِ الحُسْنِ قَصَرْ) أي نزل، (فَهْوَ الضَّعيفُ) إذاً الحديث الضعيف ما لم تتوفر فيه شروط الحديث الحسن، أو ما تخلّف فيه شرط من شروط الحديث الحسن.
طيب ميز الحديث الضعيف عن الحديث الحسن؛ لكن لم يميزه عن الحديث الصحيح، الجواب على هـٰذا: أنه إذا فات شرط من شروط الحديث الحسن ففوات شروط الصحيح من باب أولى؛ ولذلك اكتفى المعرفون للحديث الضعيف بذكر فوات شروط الحسن.
وقد ذكر بعضهم كما جرى من كثير في كتاب علوم الحديث ذكر الصحيح فقال في تعريف الحديث الضعيف: ما فات فيه شرط الحديث الحسن أو شرط الحديث الصحيح.
وهـٰذا تطويل في التعريف، إذ إنه يكفي في التعريف أن يذكر الحديث الحسن، ومعلوم أنه إذا فات شرط الحديث الحسن ففوات شروط الحديث الصحيح من باب أولى؛ ولذلك مشى المؤلف هنا على الاقتصار على ذكر الحسن دون الصحيح.
في بعض النسخ: (أقساماً كثر) بالنصب، ويصلح هـٰذا وهـٰذا، على أن النصب فيه وجه مستكره، ولو أنه يضم لاستقام الروي ولا فيه إشكال، وهو أقسام كثر أي أقسام كثيرة.
فبين المؤلف رحمه الله أن الضعيف أقسام كثيرة، طيب ما الجامع لهذه الأقسام؟
الجامع لهذه الأقسام أن كل حديث فات فيه شرط من شروط الحسن أو شرط من شروط الصحيح فهو ضعيف.
وإذا نظرت إلىٰ شروط الصحيح ما هي؟ الاتصال، عدالة الرواة، الضبط، عدم الشذوذ، عدم العلة، وزد سادساً في الحديث الحسن وهو خفة الضبط.
ومن هـٰذا يتحصل لك ابتداءً ستة وثلاثون نوعاً، وقد أوصلها بعضهم إلىٰ مائة وعشرين نوعاً أو أكثر من أنواع الحديث الضعيف التي يفوت فيها شيء من أوصاف الحديث الصحيح أو الحديث الحسن، فينتقل الحديث إلىٰ كونه ضعيفاً؛ ولذلك أجمل المؤلف رحمه الله الأقسام في بيان كثرتها فقال: (وَهْوَ أقْسام كُثُرْ).
بعد أن فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر أقسام الحديث بالنظر إلىٰ الاحتجاج، كم أقسام الحديث بالنظر إلىٰ الاحتجاج؟ ثلاثة: حديث صحيح، حديث ضعيف، حديث حسن.
انتقل رحمه الله إلىٰ ذكر تقسيم آخر من أقسام الحديث أو اعتبار آخر من الاعتبارات التي يقسَّم على ضوئها الحديث فقال رحمه الله:
يقول رحمه الله في بيان أقسام الحديث باعتبار صفات الإسناد: (وَما أُضِيفَ لِلنَّبِيْ الْمَرْفُوعُ). المؤلف رحمه الله بعد أن فرغ من ذكر أقسام الحديث باعتبار الاحتجاج انتقل إلىٰ ذكر أقسام الحديث باعتبار صفة الإسناد، أو باعتبار منتهى السند، إلىٰ من ينتهي السند.
طيب، هل هـٰذا شروع في ذكر أقسام الحديث الضعيف؟ الجواب: لا؛ لأن المرفوع منه ما هو صحيح، ومنه ما هو ضعيف، ومنه ما هو حسن.
فليس هـٰذا شروعاً في ذكر أقسام الحديث الضعيف، إنما هو بيان لاعتبار آخر من الاعتبارات التي يذكرها العلماء في تقسيم الحديث.
وإذا نظرت إلىٰ الاعتبارات التي يعتمدها العلماء في تقسيم الأحاديث، أو في تقسيم أنواع الحديث تجد أن منها ما هو أصلي وأساسي وعمدة، كتقسيم الحديث إلىٰ صحيح وضعيف، ومنها ما هو مصنّف في مُلَحِ العلم، ملح العلم يعني مما يتزين به ويملّح به العلم؛ لكن لا يترتب عليه كبير أثر من حيث الاحتجاج.
يقول رحمه الله في بيان أقسام الحديث بهذا الاعتبار، وهو بالنظر إلى صفات الإسناد: (وَما أُضِيفَ لِلنَّبِيْ الْمَرْفُوعُ). (ما أُضِيفَ لِلنَّبِيْ) أي ما أسند إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويشمل هـٰذا ما تقدم في كلامنا على الحديث، قلنا في تعريف الحديث: ما أضيف إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية، وبعض العلماء يقتصر على ذكر الفعل والقول: ما أضيف إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قول أو فعل ويهمل الباقي؛ ولكن تكميل التعريف يكمل به أقسام الحديث.
فقوله رحمه الله: (وَما أُضِيفَ لِلنَّبِيْ الْمَرْفُوعُ) يشمل كل هـٰذه الأنواع؛ لكنه يدخل في هـٰذا ما اتصل سنده وما لم يتصل، فكل من أضاف إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ قولاً أو فعلاً أو صفة فإضافته هذه تصنّف ضمن المرفوع إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكن يبقى النظر في هـٰذا المرفوع هل هو متصل أو غير متصل؟ كم درجة الانقطاع أو عدم الاتصال؟ ويعرف هـٰذا بالنظر إلى السند.
فلو أن أحدنا الآن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنما الأعمال بالنيات)). هل هـٰذا الحديث مرفوع أو ليس مرفوعاً؟ الآن ما عندنا السلسلة التي توصل إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل ينطبق على قول الناظم: (وَما أُضِيفَ لِلنَّبِيْ الْمَرْفُوعُ)أو لا؟ نعم ينطبق؛ يندرج تحت هـٰذا الضابط أو هـٰذا النظم، فيكون قول أحدنا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هـٰذا من قبيل المرفوع، مع أنه ليس هناك سند مذكور يصل هـٰذا القول بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقوله رحمه الله: (وَما أُضِيفَ لِلنَّبِيْ الْمَرْفُوعُ). سواء اتصل إسناده أم لم يتصل، فيدخل فيه المتصل، ويدخل فيه المرسل، ويدخل فيه المعضل، ويدخل فيه المنقطع، وكل هـٰذه أنواع من أنواع الحديث ستأتينا إن شاء الله تعالىٰ.
إذاً كل من أضاف إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفة خَلقية أو خُلقية فقد رفع الحديث إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو حديث مرفوع، وإنما سمي مرفوعاً قالوا: لكونه أضيف إلىٰ من هو رفيع المنزلة وعالي المكانة وهو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ. وقيل غير ذلك، وعلى كل حال الاصطلاحات لا تعلل، هكذا اصطلح العلماء رحمهم الله في تصنيف الأحاديث.
قال رحمه الله: (وَما لِتابِعٍ هُوَ الْمَقْطُوعُ) أي ما أضيف إلىٰ التابعي فهو المقطوع.
والتابعي من هو؟ نحتاج إلى أن نعرف التابعي: التابعي هو من رأى الصحابي مؤمناً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومات على ذلك. هـٰذا هو التابعي، فكل من رأى صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمناً بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومات على ذلك فهو من التابعين.
من التابعين: سعيد بن المسيب، وأويس القُرَني، وهم جماعة كُثر تتفاوت درجاتهم، قسمهم العلماء إلىٰ أقسام: كبار التابعين ومتوسطيهم وصغارهم؛ لكنهم جميعاً يشتركون في كونهم من التابعين.
وبعض العلماء يقصر المقطوع على فئة من التابعين وهم كبارهم؛ لكن هـٰذا لا وجه له، وسيأتينا الكلام في هـٰذا عند الكلام على الموقوف؛ حيث قصر بعض العلماء الموقوف على قول التابعي الكبير، وهو من اشتهر نقله عن الصحابة وطالت صحبته لهم.
يقول رحمه الله: (وَما لِتابِعٍ هُوَ الْمَقْطُوعُ). فما أضيف إلىٰ التابعي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية فإنه في تصنيف أهل الحديث يسمى الحديث مقطوعاً.
وهـٰذا الاسم لهذا الصنف من الأحاديث ليس حادثاً، استعمله العلماء من قبل، فقد ورد في كلام الشافعي رحمه الله استعمال المقطوع؛ لكن استعمال الشافعي للمقطوع ليس على ما اصطلح عليه المتأخرون؛ بل يريد بالمقطوع المنقطع، فالمقطوع في كلام الشافعي ومن شابهه من الأئمة المتقدمين المراد به المنقطع، والسبب في هـٰذا أن العلماء المتقدمين كالشافعي والطبراني وغيرهما ممن سبقوا الاصطلاح كان عندهم توسع في الاستعمال، فهم في سعة؛ لأنهم لم يكونوا قد قيدوا بأنواع من الاصطلاحات لا يتجاوزونها، فيطلقون المقطوع على المنقطع، ومعلوم أن المنقطع خلاف المقطوع.
فالمنقطع وصف للإسناد.
وأما المقطوع فوصف للمتن؛ وصف للحديث نفسه؛ لأنه منقول عمن؟ عن التابعي، المقطوع وصف للمتن المنقول، كالمرفوع تماماً فهو وصف للمتن المنقول، وإن كان يطلق على الإسناد أنه إسناد مرفوع باعتبار انتهائه إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكن حقيقته أنه وصف للحديث، بخلاف المنقطع والمعضل والمسلسل -وما أشبه ذلك مما سيأتينا إن شاء الله- فهي كلها أوصاف في الحقيقة لأي شيء؟ للسند.
طيب، الصحيح والضعيف والحسن وصف لماذا؟ للسند أو للسند والمتن؟ للسند والمتن، ففيه وصف للسند ووصف للمتن؛ لأن الشذوذ والعلة قد يكونان في المتن وقد يكونان في السند، وإن كان الاتصال والعدالة والضبط في الرواة، في الطريق؛ لكن المتن ينظر فيه إلى الشذوذ والعلة.
قال رحمه الله: (وَما لِتابِعٍ هُوَ الْمَقْطُوعُ).لم يذكر المؤلف في هـٰذا المحل المرسل مع كونه مناسباً أن يذكر مع المرفوع والمقطوع؛ لكنه سيأتي فيما نستقبل إن شاء الله تعالىٰ.