هذا الفصل لبيان المسائل والأحكام المتعلقة بزكاة البقر، وأول ما يتناول في هذا المقام الأصل في زكاة البقر أي المستند لوجوب الزكاة في البقر هو السنة والإجماع.
أما السنة ففي حديث جابر أن النبي ﷺ قال: «ما من صاحِبِ إبِلٍ، ولا بَقَرٍ، ولا غَنمٍ، لا يُؤدِّى زكاتَها، إلَّا جاءَتْ يومَ القِيامةِ أعظمَ ما كانتْ وأسْمَنَهُ، تَنطَحُهُ بِقرُونِها، وتَطؤُهُ بِأخْفافِها، كُلَّما نَفذَتْ أُخراها، عادَتْ عليه أُولَاها، حتى يُقْضَى بين الناسِ».صحيح البخاري(1460)، ومسلم(990)
وكذلك حديث معاذ الذي ذكر فيه أن النبي ﷺ بعثه إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة.
وأما الإجماع فقد حكاه غير واحد من أهل العلم، على وجوب الزكاة في البقر من غير خلاف.
قال المصنف –رحمه الله-: وهي مشتقة من: بقرت الشيء، أي: إذا شققته؛ لأنها تبقر الأرض بالحراثة.
وهذا جانب لغوي وهو أن اسم البقر مشتق من بقر الشيء، وهو شقه، والبقر اسم جنس، والبقرة اسم يقع على الذكر والأنثى، ودخول الهاء عليه على أنها واحدة من جنس.
وقوله –رحمه الله-: ويجب في ثلاثين من البقر أهلية كانت أو وحشية.
شروع في ذكر أنصبة البقر.
فقوله: ويجب في ثلاثين من البقر أهلية كانت أو وحشية ذكر أول نصاب البقر، وهو ثلاثون وهذا محل اتفاق لا خلاف بين عامة أهل العلم في أن أول سن يجب فيه زكاة من البقر ثلاثون، وقد شذ قوم فقالوا: يجب فيما دون الثلاثين إذا بلغت عشرين في كل خمس شاة، وهذا قول شاذ، لكن لا خلاف أن أول ما يجب في البقر من البقر هو ثلاثون، ولذلك من حكى الإجماع قال: أجمعه العلم على أن أقل النصاب في البقرة ثلاثون يريد بذلك فيما أظهر والله أعلم أنه يجب من جنس البقر.
وأما وجوبه من الشاذ فقد قيل: وإن كان قولًا شاذًا على خلاف قول الجماهير، وليس له أصل يستند إليه.
قال –رحمه الله-: ويجب في ثلاثين من البقر أهلية كانت أو وحشية تبيع، أو تبيعةٌ.
أي: يجب بقرة ممن بلغ سنة، فالتبيع والتبيعة ما له سنة سمي بذلك، لأنه يتبع أمه هكذا قيل.
ولذلك قال: لكل منهما سنة.
ثم قال: ولا شيء فيما دون الثلاثين على نحو ما تقدم من أن أول النصاب ثلاثون، ثم ذكر الدليل لحديث معاذ حين بعثه النبي ﷺ إلى اليمن.
قال: ويجب في أربعين: مسنة لها سنتان.
أي: يجب إذا بلغت البقرة أربعين مسنة، وهي التي لها سنتان، وسميت بذلك أي: سمي ما بلغ سنتين مسنة لأنها ألقت سن غالبًا، وهي الثنية، ولا فرض في البقر غير هذين السنين يعني تبيع ومسنة، بخلاف الإبل فثمة بنت لبون وابن لبون وبنت لبون، وحقة وجذعة.
وقوله –رحمه الله-: مسنة أي: أنثى من البقر، ويجزئ أعلى منها سنًا.
وقوله –رحمه الله-: ولا يجزئ مسن، ولا تبيعانأي: لا يجزئ عن مسنة مسن أي ذكر لظاهر الخبر حيث قال معاذ رضي الله تعالى عنه في بيان ما فرض النبي ﷺ فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، وفرق بين الأربعين والثلاثين، ففي الثلاثين قال: تبيع أو تبيعة، وفي الأربعين قال: مسنة، فدل ذلك على أنه لا يجزئ مسنًا، فما ذكره واضح بناء على ما دل عليه الدليل.
وقوله: ولا تبيعان أي: ولا يجزئ عن مسنة تبيعان اقتصارًا على ما ورد به النص، والنص إنما ورد على نحو ما تقدم من أن في الأربعين مسنة، ولماذا قال ولا تبيعان؟
لأنه إذا بلغ ستين وجب تبيعان في كل ثلاثين تبيع، فيكون أخرج أعلى مما يجب في الأربعين، لكن مع هذا المذهب أنه لا يجزئ تبيعان عن مسنة.
وقيل: يجزئ مسن عن مسنة قياسًا على ما تقدم في الثلاثين من أنه يجزئ تبيع أو تبيعة بالنص، وعليه فيجزئ إخراج ثلاثة أتبعة عن مسنتين، فيكون تبعًا عن مسنة، وتبيع عن الباقي، فإذا أخرج في السبعين تبيعان عن مسنة، وتبيع عن الثلاثين أجزئ.
هذا معنى قوله في الإنصاف وغيره فعليه يخرج إخراج ثلاثة أتبعة عن مسنتين، وقيل: يجزئ مسن عن مسنة، ذكرنا الأصل في هذا القياس على التبيع والتبيعة، وعليه إذا جاز إخراج مسن عن مسنة يجزئ إخراج ثلاثة أتبعة عن مسنتين لأنها أكثر مما وجب، فالمسنتان تجب متى؟
في الثمانين، فإذا أخرج ثلاثة أتبعة كان عن التسعين فيجزئ على هذا القول، والمذهب وهو الصحيح من المذهب أنه لا يجزئ مسن ولا تبيعان.
قوله –رحمه الله-: ثم يجب في كل ثلاثين: تبيع، وفي كل أربعين: مسنة فإذا بلغت ما يتفق فيه الفرضان كمائة وعشرين، خير؛ لحديث معاذ رواه أحمد.
أي: إن الواجب مسن حتى تبلغ البقر ستين، فإذا بلغت البقر ستين، فالواجب تبيعان، ثم إن زادت ففي كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة، فإذا بلغت عددًا يتفق فيه الفرضان كمائة وعشرين، فإن شاء أخرج أربعة أتبعة وثلاث مسنات كالإبل إذا اجتمع الفرضان على ما تقدم في بيان زكاة الإبل، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على التخيير لما في حديث معاذ كما قال المصنف، لحديث معاذ رواه أحمد.
حديث معاذ ورد مطولًا عند أحمد «بعثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أصدقَ أهلَ فأَمَرني أن آخذَ من كلَّ ثلاثينَ تبيعًا ومن كلِّ أربعينَ مُسِنَّةً ومن الستينَ تبيعيْنِ ومن السبعينَ مُسِنَّةً وتبيعًا ومن الثمانينَ مُسِنَّتَيْنِ ومن التسعينَ ثلاثةُ أتباعٍ ومن المئةِ مُسِنَّةً وتبيعيْنِ ومن العشرةِ والمائةِ مُسِنَّتَيْنِ وتبيعًا ومن العشرينَ ومائةً ثلاثُ مُسِنَّاتٍ أو أربعةُ أتباعٍ» أخرجه أبو داود(1576)، والترمذي(623)، والنسائي(2452)، وابن ماجه(1803) مختصرا، وأحمد(22137) مطولاً، حديث فيه إرسال. ينظر تنقيح التحقيق(3/14). هذا الشاهد المائة وعشرين يتفق الفرضان أي: يصح إخراج ثلاثة مسنات أو أربعة أتبعة، فخير النبي ﷺ بين هذا وذاك.
قال: ويجزئ: الذكر هنا وهو التبيع في الثلاثين من البقر، لورود النص فيه ويجزئ: ابن لبون وحق وجذع مكان بنت مخاض عند عدمها ويجزئ: الذكر إذا كان النصاب كله ذكورًا سواء كان من إبل أو بقر أو غنم؛ لأن الزكاة مواساة، فلا يكلفها من غير ماله.
الأصل فيما يجب من زكاة بهيمة الأنعام أنها من الإناث، ولا يجزئ إخراج الذكر إلا فيما ورد به النص، واستثني من ذلك مواضع، وهي ثلاثة مواضع ذكرها المؤلف –رحمه الله-هنا.
ووجه تعيين الأنثى فيما يجب من زكاة بهيمة الأنعام النص، فالنص ورد على اعتبار الأنثى في الإبل، وفي الأربعين من البقر، وقيس الغنم على ما جاء به النص في الإبل والبقر، ولأن الإناث أفضل لما فيها من الدر والنسيء.
وأما الاستثناء فقد ذكره المؤلف هنا قال: ويجزئ الذكر هنا وهو التبيع في الثلاثين من البقر لورود النص فيه، هذا الموضع الأول.
الموضع الثاني ابن اللبون مكان بنت مخاض إذا لم يكن في ماله بنت مخاض، وتقدم هذا في زكاة الإبل، ويجزئ ابن لبون وما فوقه من الذكور كحق وجذع، وهذا ليس أصلًا، إنما هو في حال عدم الوجود كما تقدم، بخلاف التبيع فإنه لو وجد تبيعة يجزئ أن يخرج الذكر مكان الأنثى.
الموضع الثالث الذي يجزئ فيه إخراج الذكور إذا كان النصاب كله ذكورًا سواء من الإبل أو من البقر أو من الغنم، فإنه يجزئ أن يخرج منها ذكرا كما لو كان عنده مثلا خمس وعشرون من الإبل كلها ذكور، فعليه إبل مخاض، لأن الإنسان لا يكلف شيئًا ليس في ماله، ولما ذكره المصنف من أن الزكاة وجبت مواساة فلا يكلف من غير ماله وهذا غاية ما يملكه، والله تعالى يقول: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾[التوبة: 103].
فالأصل أن تكون الزكاة من المال ذاته.
ثم قال المصنف –رحمه الله-: فصل في زكاة الغنم
هذا الفصل لبيان مسائل زكاة الغنم، وإنما فصل المؤلف –رحمه الله-زكاة بهيمة الأنعام على نحو ما تقدم باختلاف الأجناس أو الأصناف، لكون هناك أحكام مشتركة، وهناك أحكام تخص كل صنف أو جنس على حدة.
أول ما يتصل بزكاة الغنم الأصل في زكاة الغنم أنها واجبة بالإجماع لأحاديث عديدة ومنها حديث أنس بن مالك في كتاب أبي بكر رضي الله عنه في فرائض الصدقة التي فرضها رسول الله ﷺ، فقد ذكر الغنم وأنصبتها، والحديث تقدم، وزكاة الغنم تجب في الضأن والمعز وكل ما يسمى غنمًا سواء كانت أهلية أو وحشية وهذا محل إجماع، في الأهلية، وأما الوحشية فتقدم أن أهل العلم اختلفوا في وجوب الزكاة في الغنم الوحشية، والمذهب وجوب الزكاة في كل ما هو غنم من أي صنف كان.
قال –رحمه الله-: ويجب في أربعين من الغنم ضأنا كانت أو معزًا، أهلية أو وحشية شاة: هذا بيان لأنصبة الغنم ومقدار الواجب فيها، والأنصبة ذكر المؤلف أقل ما تجب فيه الزكاة من نصاب الغنم وهو أربعون، فيجب في أربعين من الغنم ضأنا كانت أو معزًا شاة، وهذا محل اتفاق لا خلاف بين أهل العلم في أن أقل نصاب الغنم أربعون، فلا يجب فيما دون ذلك شيء، فيجب فيها شاة.
قال رحمه الله: جذع ضأن، أي ما بلغ ستة أشهر أو ثني معز أي ما بلغ سنة، ولا شيء فيما دون الأربعين كما تقدم بالإجماع.
قال رحمه الله:وفي مائة وإحدى وعشرين: شاتان إجماعًا، يعني يبقى لا شيء بعد الأربعين فوق الشاة، إلى أن يبلغ مائة وإحدى وعشرين، ففيها شاتان.
قال المصنف: إجماعا وقد ورد بذلك النص في حديث أبي بكر حيث قال: فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان.
ثم بعد ذلك قال: وفي مائتين وواحدة: ثلاث شياه، يعني إذا زادت على المائتين وجب فيه ثلاث شياه، لما جاء في حديث أبي بكر حيث قال: فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه، وهذا أحد القولين هو المصنف –رحمه الله-قال: وفي مائتين وواحد ثلاث شياه، ثم تستقر الفريضة في كل مائة: شاة ففي خمسمائة: خمس شياه، وفي ستمائة: ست شياه، وهكذا.
وطول المؤلف الحديث عن ثلاثمائة وأربعمائة، وهذا موضع خلاف، فإنه بعد المائتين يجب ثلاث شياه واختلفوا هل إلى ثلاثمائة أو إلى أربعمائة؟
فقيل: إلى أربعمائة وهذا أكبر وقص في السائمة في بهيمة الأنعام، ثم تستقر الفريضة فيجب في كل مائة من الغنم شاة، وفي خمسمائة خمس شياه، وفي ستمائة ست شياه، وهكذا.
وفي رواية عن الإمام أحمد أنه في ثلاثمائة وواحد أربع شياه، ثم لا شيء في زياداتها حتى تبلغ خمسمائة، وفي قول أنه في مائة الأربعمائة الزائدة شاة، فيجب في أربعمائة خمس شياه، وفي خمسمائة ست شياه وهكذا، والمذهب الأول وهو أنه بعد المائتين تجب ثلاث شياه، ثم تستقر الفريضة إلى أن يصل إلى خمسمائة، فيجب بعد الخمسمائة في كل مائة شاة، فإذا بلغت خمسمائة خمس شياه، وإذا بلغت ستمائة ست شياه وهكذا على هذا تنتقل الفريضة من ثلاث شياه إلى أربع شياه، وهذا هو المذهب.
وقوله –رحمه الله-: ولا تؤخذ هرمة ولا معيبة لا يضحى بها:بيان أوصاف ما يجب من الشياه، والأصل فيه ما جاء في حديث أبي بكر أنه قال: «ولَا يُخْرَجُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، ولَا ذَاتُ عَوَارٍ، ولَا تَيْسٌ؛ إلَّا ما شَاءَ المُصَدِّقُ» أخرجه البخاري (1455) ولا تؤخذ هرمة ولا حامل إلى آخره، ما لا يؤخذ في الزكاة صنفان،
- ما لا يؤخذ لعيب فيه.
- وما لا يؤخذ لشرفه وكونه من خيار ما يطلب في المال.
أما ما لا يؤخذ لعيبه فالهرمة والمعيبة التي لا يضحى بها، ويستثنى من ذلك إذا كان النصاب على هذه الحال، وأما ما لا يؤخذ لشرفه، فالحامل والربى وطروقة الفحل وما كان نفيسًا عند أهله والأكولة لكونها في الغالب تكون ثمينة إلا أن يشاء ربها أي: ألا أن يشاء صاحب المال إخراجها في زكاة ماله، فعند ذلك يؤذن له في إخراجها.
إذًا ما لا يؤخذ صنفان، إما لعيبه، وإما لشرفه.
لعيبه يؤخذ في حالين، إن كان النصاب كله على هذه الحال من النقص.
والحال الثانية أن يختار ذلك الجابي قد يكون لمصلحة، أما ما لا يؤخذ لشرفه، فهذا لأجل مصلحة المزكي، فإن شاء ربها أن يخرجها فشأنه وتؤخذ عند ذلك.
قال –رحمه الله-: وتؤخذ مريضة من مراض، وصغيرة من صغار غنم، لا إبل وبقر. فلا يجزئ فصلان وعجاجيل.
قوله: تؤخذ مريضة من مراض يعني من نصاب كله مراض، وتكون وسطه في القيمة، لأن الزكاة وجبت مواساة، فتكون من جنس ما وجبت فيه، وكذا تؤخذ صغيرة من صغار، وهذا في الغنم واستدلوا له بقول الصديق «واللهِ لَئِن منعوني عِقالًا كانوا يؤدُّونه لرسولِ اللهِ لَقاتَلْتُهم عليه» أخرجه البخاري (7284، 7285)، ومسلم (20) فدل على أنهم كانوا يؤدون العناقَ أو العناقِ بالكسر، ويتصور كون النصاب صغارا فيما إذا أبدل بالكبار في أثناء الحول، أو تلد الأمهات ثم تموت ويبقى الصغار.
أما الإبل والبقر فلا يجزئ الصغار فصلان وعجاجيل لكون الواجب يختلف باختلاف قدر النصاب، فيزيد السن بزيادة العدد، ولهذا إذا لم يكن بين الثلاثين من البقر أو الأربعين السن الواجبة.
قيل: يقوم النصاب من الكبار، ويقوم فرضه ثم تقوم الصغار ويؤخذ عنها بالقسط، والمقصود أنه لا يجزئ إخراج الفصلان والعجاجيل عن الإبل والبقر.
أما إذا اجتمع صغار وكبار وصحاح ومعيبات وذكور وإناث أخذت أنثى صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين، يعني إن اجتمع في نصاب صغار وكبار من الإبل والبقر والغنم وصحاح ومعيبات وذكور وإناث لم يؤخذ إلا الإناث، فتؤخذ أنثى يشترط أن تكون صحيحة كبيرة أي على قدر ما وجب من السن، لكن من حيث القيمة تكون بقدر متوسط قيمة مجموع ما في المال من الصغار والكبار، فيحقق بذلك السن المطلوب، ويكون من جهة الجودة والطيب مجزئة، لكن بالقدر الذي يناسب قيمة مجموع ما في النصاب من صغار وكبار أو ذكور وإناث من جهة القيمة، فلا يؤخذ الأعلى ولا الأدنى لكن من أوسط أموال صاحب الزكاة.
قال رحمه الله: وإن كان النصاب نوعين، كبخاتي وعراب، أي إبل بخاتي وهي ما له سنامان، وعراب ما له سنام، وبقر وجواميس، وضأن ومعز، أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين، فتضم أنواع كل جنس بعضها إلى بعض في إيجاب الزكاة، فتؤخذ الفريضة من العراب أو البخاتي، البقر أو الجواميس، الضأن أو المعز على قدر قيمة المالين، فإن كان النوعان سواء، وقيمة المخرج من أحدهما اثني عشرة مثلا، وقيمة المخرج من الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر ونصف، فهو المتوسط فيضم الأنواع بعضها إلى بعض، وهو لا خلاف فيه.
قال ابن قدامة: لا نعلم خلافا بين أهل العلم في ضم أنواع الأجناس بعضها إلى بعض في إيجاب الزكاة، ونقله عن ابن المنذر.
ثم انتقل المؤلف –رحمه الله-إلى بيان أثر الخلطة في المال قال: والخلطة بضم الخاء، أي: الشركة تصير المالين المختلطين كالمال الواحد.
فالخلطة هي أن يخلط شخصان أو أكثر من أهل الزكاة مواشيهما حولًا كاملًا، بشرط أن يكون مجموع الخلطين نصابًا، وهذه الخلطة في بهيمة الأنعام تجعل مال الشركاء كأنه مال واحد يملكه فرض واحد، وتجب فيه زكاة بشروط، والأصل فيه قول النبي ﷺ: «ولَا يُجْمَعُ بيْنَ مُتَفَرِّقٍ، ولَا يُفَرَّقُ بيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ»صحيح البخاري(6955)، ثم قال: «وما كانَ مِن خَلِيطَيْنِ، فإنَّهُما يَتَرَاجَعَانِ بيْنَهُما بالسَّوِيَّةِ» صحيح البخاري(2487) وقد فصل المؤلف –رحمه الله-ذلك الشارح.
فقال: والخلطة بضم الخاء أي الشركة تصير المالين المختلطين كالمال الواحد إن كان نصابًا يقصد إن كان مجموعهما نصابًا من ماشية، وهذا إشارة إلى أن الخلطة تؤثر فقط في بهيمة الأنعام.
والخليطان من أهل وجوبها.
إذًا الشرط الأول اجتماعهما اكتمال نصاب من ماشية، وأن يكون من أهل الوجوب سواء كانت خلطة أعيان، وهنا ذكر لأنواع الخلطة، والخلطة نوعان؛ خلطة أعيان، وخلطة أوصاف.
أما خلطة الأعيان فقد قال فيها المصنف –رحمه الله-سواء كانت خلطة أعيان بكونه مشاعًا؛ بأن يكون لكل نصف أو نحوه، هذا النوع الأول من الخلطة خلطة الأعيان بأن يكون المال مشاعًا بينهما، ولكل واحد منهما النصف مثلا، فيشتركان في كل الشياه، ولا يتميز نصيب أحدهما عن الآخر.
مثال ذلك: الحاصل بالإرث أو بالوصية أو بالهبة، وهذه تصير المالين كالمال الواحد.
النوع الثاني من الخلطة، خلطة الأوصاف بأن تميز ما لكل يعني أن يكون كل واحد له مال متميز عن الآخر، كأن يكون لهذا عشرون من الضأن، ولهذا عشرون من المعز، فاختلطا فيما سيأتي بيانه من الأوصاف، فهنا يكون المالان مال واحد فيما يتعلق بالزكاة.
فإذا اشترك اثنان فأكثر في ملك عدد من البهائم، لكل واحد منهما عدد معين، ولو كان لكل واحد تتميز عن حق الآخر، فهنا تتحقق خلطة هؤلاء بالاشتراك في الأوصاف التالية، وهو ما بينه المؤلف –رحمه الله-قال: واشتركا في مراح بضم الميم، وهو: المبيت والمأوى هذا أولًا.
ثانيًا: ومسرح وهو: ما تجتمع فيه لتذهب للمرعىهذا الثاني.
ومحلب وهو: موضع الحلب، هذا الوصف الثالث من الأوصاف التي يحصل بها الاشتراك والخلطة.
وفحلبأن بلا يختص بطرق أحد المالين، هذا الرابع.
ومرعى هذا الخامس وهو: موضع الرعيووقته؛ هذه خمسة أوصاف متى ما اشترك فيها المالان كانا كمال واحد، وأخذ حكمًا واحدًا، فإن اختل شرط منها أي من الشروط المتقدمة للخلطة، بطل حكمها لفوات شرطها، وصار وجودها كالعدم فينفرد كل واحد منهما في زكاة ما يخصه.
وأما دليل ذكر هذه الأوصاف فما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله ﷺ: «ولَا يُجْمَعُ بيْنَ مُتَفَرِّقٍ، ولَا يُفَرَّقُ بيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ والخليطانِ ما اجتمعا في الحوضِ والفحلِ والرَّاعي» المهذب في اختصار السنن للذهبي(3/1462)، وقال: فيه ابن لهيعة.، هنا ذكر ثلاثة أمور،
* الحوض مكان الورود.
* الرعي مكان المرعى.
* الفحل.
بقي المراح والمسرح والمحلب لأنه المراح والمسرح والمحلب، أما المسرح فهو موضع الرأي، والمراح تابع لاشتراكها في الحوض والرعي والفحل، وكذلك المحلب يعني المراح والمحلب من لوازم الاشتراك في الحوض والرعي والفحل، فيكون ورد بالنص ثلاثة شروط من شروط الاشتراك في الأوصاف، ورد بها النص، واثنان هي من لازم النص، هي من لازم ما ورد به النص.
قال –رحمه الله-في استدلال في بيان ما الذي يترتب على الخلقة قال ﷺ: «ولَا يُجْمَعُ بيْنَ مُتَفَرِّقٍ، ولَا يُفَرَّقُ بيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وما كانَ مِن خَلِيطَيْنِ، فإنَّهُما يَتَرَاجَعَانِ بيْنَهُما بالسَّوِيَّةِ»، يعني إذا أخرج ما وجب.
ثم قال الشارح: فلو كان لإنسان شاة، ولآخر تسعة وثلاثون، أو لأربعين رجلًا كل شاة لرجل أربعون شاة لكل واحد شاة، واشتركا حولًا تامًا في الأوصاف المذكورة: فعليهم شاة على حسب ملكهم في الأربعين كل واحد يلزمه من قيمة الشاة واحد من أربعين.
وإذا كان لثلاثة مائة وعشرون شاة، لكل واحد أربعون، ولم يثبت لأحدهم حكم الانفراد في شيء من الحول: فعلى الجميع شاة أثلاثًا.
فالخلطة قد تفارق الانفراد بزيادة فيما يجب بإثبات واجب أو بنقص ما يجب.
ثم قال –رحمه الله-: ولا أثر لخلطة من ليس من أهل الزكاة، لفوات شرط أنه ليس من أهل الوجوب، ولا فيما دون نصاب، يعني إذا لم يكتمل النصاب في الخلطين، ولا لخلطة مغصوب لأنها غير معتبرة، إذ إن الغاصب متعدي فخلطته لا تؤثر في الوجوب، وذلك أن تصرف الغاصب ملغي.
قال: وإذا كانت سائمة الرجل متفرقة فوق مسافة قصر: فلكل محل حكمه.
هذا بيان أثر التفرق في السائمة، وأن الخلطة تعتبر في المكان، فإذا كانت سائمة الرجل متفرقة كل قسم منها يبعد عن الآخر فوق مسافة قصر، صار لكل منهما حكمه، ولا تعلق له بالآخر، فإن كان نصابًا وجبت فيه الزكاة، شخص عنده أربعون شاة في القصيم، وعنده أربعون شاة في الشمال على سبيل المثال، فهنا كل مكان يجب فيه ما يكون في عدد ما في ذلك المكان من واجب، فكل قسم منها لا تعلق له بالآخر، فإن كان نصابًا وجبت فيه الزكاة، وإن نقص عن النصاب فلا شيء فيه.
ولا يضم كل قسم إلى الآخر، وهذا معنى قوله: ولا يجمع بين متفرق، فإذا كانت ماشية الرجل متفرقة في بلدان، إذا كانت تقصر بينها الصلاة، فإن كل مال يأخذ حكم نفسه ولا يضم إلى غيره.
وأما إذا كانت في مسافة لا تقصر فيها الصلاة، فهي في حكم المجتمعة، وإن كان ما بين دون مسافة قصر، فإنها تأخذ حكم المال الواحد لا خلاف في ذلك.
هنا نقل عن ابن مفلح في المبدع إذا كانت ماشية الرجل متفرقة في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة يضم بعضها إلى بعض، ويزكيها كالمختلطة لا نعلم فيها خلافًا هذا واضح، إذا كانت متفرقة في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي في حكم المجتمع هذا لا خلاف فيه.
أما إذا كانت بينهما مسافة قصر، فالمذهب أنه يأخذ كل مال حكم نفسه.
يقول: وإن كان بينهما مسافة قصر، فكذلك في رواية هي قول أكثر أهل العلم واختياره بالخطاب يعني في خلاف في المذهب، وصححه في المغني، والشرح في أربعين شاة شاة، ولأنه ملك واحد أشبه ما لو كان دون القصر، وكغير السائمة إجماعًا، وعليه يخرج الفرض أي الواجب في الزكاة في أحد البلدين لأنه موضع حاجة، وقيل: بالقسط والمنصوص عن أحمد كما نقله الأثرم أن لكل مال حكم نفسه، فإن كان نصابا وجبت الزكاة، وإلا فلا فجعل التفرقة في البلدين كالتفرقة في الملكين، فصار كما لو كان لرجلين.
واحتج أحمد بقول لا يجمع بين متفرق إذا كان بين المالين من بهيمة الأنعام دون مسافة قصر، فغنه لا أقر لتباعدهما بل يزكى زكاة واحدة، وأما إذا كان بينهم مسافة قصر، فالجمهور وهو رواية في مذهب أحمد أنه كما لو كان في مكان واحد، فلا أثر للفرقة.
والرواية الثانية عن أحمد أنه بتفرق المال مسافة قصر يأخذ كل مال حكم نفسه، ولا يجمع إلى غيره.
قال ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد، فهو من مفردات المذهب فيما يظهر.
قوله –رحمه الله-: ولا أثر للخلطة ولا للتفريق في غير ماشيةأي أنه لا أثر لتفرق المال في البلدان في غير بهيمة الأنعام لعموم الأدلة، ولا الخلطة في غير السائمة، يعني لا أثر للفرقة ولا للخلطة لقوله: لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة في الماشية لأنه إنما يكون في الماشية هذا التفرق والاجتماع، ولأن الزكاة تقل بجمعها تارة وتكثر أخرى، وسائر الأموال تجب فيما زاد على النصاب بحسابه، فلا أثر لجمعهما، ولأن الخلطة تؤثر في الماشية نفعًا تارة، ونقصًا أخرى، أما غير الماشية لم يرد فيها ذلك.
قال: ويحرمان الضمير يعود إلى التفرق والجمع فرارًا؛ لما تقدم أي يحرم التفرقة بين النصاب والخلطة بين النصاب فرارًا من الزكاة لما تقدم في قوله: «ولَا يُجْمَعُ بيْنَ مُتَفَرِّقٍ، ولَا يُفَرَّقُ بيْنَ مُجْتَمِعٍ» والله تعالى اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.